تخطت أزمة فيروس كورونا، في إيران، والتي أضحت في قبضة الموجة الثالثة، مؤخراً، بحصيلة إصابات تجاوزت 620 ألفاً، وإجمالي وفيات بلغ نحو 35 ألفاً و298 حالة، بحسب وزارة الصحة الإيرانية، مطلع الشهر الجاري، مجرد كونها مشكلة صحية، ووباء عالمي، نجم عنه تداعيات اقتصادية وسياسية جمة.

إذ إن الأوضاع الصعبة التي تقع تحت وطأتها 25 محافظة في طهران من أصل 31، مصنفة عند “الخط الأحمر”، ويشملها قراراً رسمياً، يحظر خروج المواطنين منها، أو دخول وافدين إليها، تكشف عن واقع مغاير، لا تظهر على طبقته السطحية والخارجية إلا الحالات الصحية والنفسية والاجتماعية المتدهورة، لاسيما في ظل متوالية الإخفاق من جانب النظام في إدارة الأزمة الصحية.

ومنذ بدايات انتشار الفيروس التاجي في إيران، والذي تزامن والانتخابات البرلمانية، عمد النظام إلى التلكؤ في التعاطي مع الجائحة، بينما عطل الإجراءات الوقائية لحين الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي، في ظل الترتيبات الخاصة بتصعيد العناصر القريبة من الجناح الراديكالي والمتشدد في البرلمان، والتي بلغت ذروتها مع انتخاب الجنرال السابق في الحرس الثوري الإيراني، محمد باقر قالبياف، رئيساً للمجلس، رغم شبهات الفساد المالي التي تلاحقه، بحسب قضايا عديدة بحقة، تتصل بفترة رئاسته بلدية العاصمة، طهران.

وعلى خلفية الصراعات الداخلية المحمومة بين أجنحة النظام، من جهة، والاستقطاب الحاد بين التيار المنتمي للرئيس الإيراني، حسن روحاني، والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، من جهة أخرى، جرى بالتبعية إلحاق الفيروس التاجي في عدة أدوار وظيفية، ما فاقم من الأزمة على الناحية الصحية، ونتائجها الاقتصادية.

ظل الثابت الوحيد في أزمة فيروس كورونا بإيران، هو تبادل الاتهامات والملاسنات بين الأطراف المتباينة داخل النظام، ومن ثم، تناقض وتضارب المعلومات الواردة من عدة جهات وأطراف رسمية بخصوص المرض، واستمرار التصعيد بين خامنئي وروحاني، لاسيما وأن الأخير، قد صرح بوجود 25 مليون إصابة، ما يتناقض والبيانات الرسمية.

يبرز نشاط رجال الدين، والمرجعيات الفقية، مثلاً، ممن هاجموا بضراوة قرارات الحكومة المتعلقة بالإجراءات الوقائية، بينما وصفوا الفيروس بأنه “فيروس علماني”، حجم التوظيف السياسي والتعبئة الأيدولوجية؛ إذ نشطت في المقابل، الأجهزة الإعلامية الأخرى، في أدوار دعائية، لمواجهة خطاب الطرف المقابل، في حين كانت حالات الإصابة والوفيات تسجل “أرقاماً قياسية”.

واحتلت طهران المرتبة الـ 13 عالمياً في عدد الإصابات المسجلة بالفيروس التاجي، حسبما تشير للبيانات الخاصة بجامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية.

تحذيرات من وفاة 30 إيراني

ومن جهته، قال مركز أبحاث البرلمان الإيراني، إنه حذر من تداعيات عدم الالتزام بإجراءات العزل الصحي، لأن ذلك سوف يؤدي إلى إصابة نحو 75 بالمئة من إجمالي السكان في إيران، كما سينجم عنه وفاة ما يصل إلى 30 ألف إيراني، بينما في حالة تنفيذ الإجراءات الوقائية والالتزام بها، فإنه قد يصل عدد الوفيات إلى ستة آلاف شخص.

وبينما اتهم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الولايات المتحدة، بأنها قامت بـ”تخليق فيروس كورونا بشكل يتناسب مع جينات الإيرانيين”، فإن بيانات وزارة الصحة الإيرانية صرحت بأنها قد حذرت من وجود الفيروس في إيران، قبل الإعلان عنه بشهرين كاملين.

الحرس الثوري الإيراني

وعلى إثر مطالبة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، بضرورة تدشين قاعدة طبية خاصة بمكافحة الوباء، الأمر الذي تسبب في خلق فجوة مع وزارة الصحة المدنية، لاسيما بعدما تم تجاهلها في إدارة الأزمة الصحية، توغلت قبضة الحرس الثوري على القطاع الصحي؛ إذ يستحوذ بالفعل على عدد هائل من المستشفيات العسكرية التابعة له، فضلاً عن الأطباء المنتمين لقواعده الطبية، ذات الطابع العسكري، ومن ثم، انحصرت عمليات المكافحة الصحية، بواسطة المستشفيات التابعة لـ “الباسيج”، بالإضافة إلى سيطرته على المعلومات والإحصائيات الخاصة بحالات الإصابة والعدوى والوفيات، وكذا القرارات المختلفة بالإجراءات الاحترازية.

ومن بين الصراعات التي شهدتها إيران في سياق أزمة كورونا، حين تولى محمد باقري، رئيس القيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية، تشكيل لجنة لإدارة الأزمة، في مارس الماضي، بينما أعلن خطة لمنع التواجد في الشوارع والأسواق والمراكز التجارية بالمدن المختلفة، حيث خرج الرئيس الإيراني ليعلن أنه “لن يتم تطبيق أي حجر صحي، لا اليوم ولا في أيام أعياد النوروز”، وهو ما يكشف عن عمق الخلاف وعدم التنسيق بين الدوائر الرسمية بطهران.

وعلى خلفية هذه الأحداث، يبدو من المنطقي أن تضحة مدينة قم الإيرانية، البؤرة الأساسية والحيوية التي تفشى فيها فيروس كورونا، إذ إنها المدينة الأولى التي شهدت تسجيل أول حالة إصابة بالفيروس، في النصف الثاني من شهر فبراير الماضي، وقد تصدت رغم ذلك لكافة الإجراءات الوقائية لخصوصيتها الدينية، التي تنتشر فيها المدارس الإسلامية والحوزات الدينية، وكذا العتبات المقدسة، ماجعلها ترفض تطبيق الحجر الصحي الشامل، وظل توافد الناس ورجال الدين على الأماكن الدينية المختلفة بها من دون احتياطات طبية ووقائية.

وإلى ذلك، كان لافتاً الهجوم الذي وجهه رئيس السلطة القضائية في إيران، إبراهيم رئيسي، والمقرب من المرشد الأعلى ضد الرئيس الإيراني، وقد حمله المسؤولية المباشرة بتفشي الفيروس، والاتهام بعدم القدرة على احتواء الأزمة.

وقال: “كان من الممكن أن يتم احتواء فيروس كورونا بسرعة أكبر في حال لو تم الاعتماد على رأي خبراء وزارة الصحة بتطبيق التباعد الاجتماعي في وقت مبكر”.

برزت خطابات أيديولوجية في الدوائر الدينية الرسمية بطهران، تعتبر “المبالغة في تقدير خطر الوباء هو مؤامرة من قبل الأعداء”، حسبما قال المرجع الشيعي الإيراني، المقرب من النظام، آية الله محمد سعيدي، في مارس الماضي، موضحاً أن كورونا يعد جزءاً من “صراع الحضارات”، حسب توصيفه، وتعتمد عليه القوى الغربية ضد الإسلام والمسلمين.

 

ويشير الدكتور محمود حمدي أبو القاسم، مدير تحرير مجلة دراسات إيرانية بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، أن فيروس كورونا جاء بينما يواجه النظام أكبر أزمة تاريخية منذ ثورة 1979، وذلك نتيجة تداعيات إستراتيجية “الضغط القصوى” التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي المنهية ولايته، دونالد ترامب، والتي تركت آثارها السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيران، وصلت إلى حد التشكيك الواسع في شرعية النظام، ولا سيما بعد موجة الاحتجاجات الشعبية والفئوية التي لم تتوقف منذ حدوثها، نهاية العام 2017″، واستمرت تداعياتها حتى العام الحالي.

ويضيف أبو القاسم لـ”مصر 360″:  “فاقم الفيروس من أبعاد الأزمة الداخلية للنظام، بعدما تحولت طهران إلى بؤرة للوباء في الشرق الأوسط، وأصبحت تحتل مركزاً متقدماً من حيث معدلات الانتشار والوفاة، كما كشف عن الارتباك الداخلي بين أجنحة السلطة، وفضح بالدرجة ذاتها التخبط الهائل في التعامل مع الأزمة في بدايتها، مثلما ظهر في تبادل المسؤولين الاتهامات؛ حيث اتهم محمد تقي فاضل مؤبدي، عضو هيئة التدريس بجامعة “مفيد” في مدينة قم، السلطات بتسييس الأزمة من خلال الزعم بأن السبب فيها العقوبات المفروضة على إيران، كما واجهت حكومة انتقادات واسعة، بسبب التهوين من الأزمة والتقليل من شأنها”.

أصاب الفيروس العديد من النخب السياسية والدينية، في مؤسَسات الدولة وهياكل السلطة المختلفة، بحسب ما يوضح حمدي أبو القاسم، موضحاً أن ذلك “أعطى مؤشراً على حجم الانتشار الواسع والتأثير الكبير للوباء، وقد أثر ذلك على سير العمل داخل أجهزة الدولة ومؤسَساتها، مثل تعليق جلسات البرلمان في الفترة بين 25 فبراير وحتى 7 أبريل العام الحالي، وذلك بعد إصابة العديد من أعضائه، وكان آخرهم رئيس البرلمان ذاته، مؤخراً.