لا يعدو الدور المحموم الذي يقوم به الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على تخوم الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، في منطقة الساحل الليبي، ثم شمال سوريا والعراق، وحتى جنوب القوقاز، مجرد مغامرات عسكرية؛ لكنه يعكس أهدافاً استراتيجية، سياسية وإقليمية.

تتحرى جملة من النتائج في ما يتصل بتوسيع نفوذها الجيوسياسي، وبعث أوراق ضغط عديدة في سبيل ذلك، مثل ورقة اللاجئين الذي يستعين بها في الضغط على دول الاتحاد الأوروبي، وكذا الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي وجدت في المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا ملاذات آمنة لها، لاسيما داعش.

ويضاف إلى ذلك، البحث عن ثروات شرق المتوسط التي تشكل قاسماً مشتركاً في تحركات أرودغان الخارجية، السياسية والميدانية. ومن بين العناصر التي اعتمدت عليهم أنقرة في معاركها العسكرية، القومية التركمانية، وقد عمدت إلى إحياء تلك الأقلية التي توزعت ديموغرافيا في عدة مناطق حدودية بسوريا الطبيعية أو الكبرى، في مرتفعات الجولان، وحلب الشمالية، وكذا شمال لبنان.

العلاقات الروسية التركية

مثّل سقوط الطائرة الروسية من طراز سوخوي 24، بواسطة تركيا، في النصف الثاني من العام 2015، نقطة تحول حادة في العلاقات الروسية التركية، ترتب عليها اعتذار أردوغان (باللغة الروسية) إلى موسكو، وتحديد مناطق “خفض التصعيد” في عدة مناطق بسوريا، بغية منع حدوث صدامات بين القوات الموالية لأنقرة، من جهة، والجيش السوري، وحلفائه، الإقليميين والدوليين، من جهة أخرى.

وجد الرئيس التركي الفرصة مواتية بعد القصف الروسي للقرى التركمانية، شمال حلب، والذي جاء باعتباره عقاباً على سقوط الطائرة الروسية، للاستعانة بخطابه التعبوي وممالأة الأقلية التركمانية، خاصة وأنه سيعتمد عليهم في دور حيوي جديد بشمال شرق سوريا، بعد أن تلاقت الأهداف التركية مع روسيا، بصدد منع قيام دولة كردية، ووقف مشروع الإدارة الذاتية، الذي تشكل منذ العام 2014، واعتبرته أنقرة يهدد “أمنها القومي”، بينما يصفه النظام السوري أنه “مخطط لتقسيم سوريا”.

ووصف أردوغان قصف القرى التركمانية بأنه: “تطهير المنطقة بأسرها من التركمان”، معتبراً إياهم “إخواننا وأخواتنا، ولديهم روابط قوية مع تركيا التي ستبذل مافي وسعها لحمايتهم. فرّ العديد من التركمان إلى لبنان وتركيا، بينما تشكل منهم ميليشيات واسعة، نشطت في منطقة درع الفرات، ومن بينها ميلشيا السلطان مراد، وهي جزء من الجيش الذي شكلته أنقرة ويعرف بـ”الجيش الوطني السوري”.

ويندرج في الجيش المدعوم من تركيا، في منطقة شمال وشرق سوريا، عناصر من خلفيات تنظيمية أصولية وجهادية، الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال أسماء الألوية التي تتخذ توصيفات دينية تعبوية مثل: “جيش الإسلام”، “فيلق الشام”، و”أحفاد الرسول”، “جيش المجاهدين”، “لواء التوحيد”، بالإضافة إلى الفصائل والميلشيات التركمانية، التي تكنى بأسماء السلاطين العثمانيين، أو زعماء أتراك لهم مكانة بارزة في الوعي التركي، مثل: “السلطان مراد”، و”السلطان محمد الفاتح”، و”السلطان عبد الحميد”، و”السلطان سليمان شاه”، و”نور الدين الزنكي”، والأخيرة تعد بمثابة تنظيم سلفي جهادي، من جهة، وإثني تركماني، من جهة أخرى، وينتمي فيه عناصر من بقايا تنظيم داعش المهزوم، في معركة الباغوز، العام الماضي.

يعود الدعم التركي إلى التركمان، إلى فترة مبكرة من الصراع السوري؛ إذ تم تأسيس المجلس التركماني السوري، مطلع العام 2013، وذلك قبل العمليات العسكري التي قامت بها أنقرة في شمال شرق سوريا، المعروفة بـ”درع الفرات”، و”غصن الزيتون”، “نبع السلام”، وقد حضر اجتماعات التأسيس الرئيس التركي، ووزير خارجيته السابق، أحمد داوود أوغلو.

“لم يعد خافياً على الجهات الدولية والحقوقية، بأن تركيا استخدمت وتستخدم الفصائل الراديكالية في سوريا وليبيا بغرض توسيع مشروعها الاقليمي”. يقول مصطفى عبدي، الصحفي السوري، ومدير مركز “توثيق الانتهاكات في شمال سوريا”.

“صدرت تصريحات رسمية من الحكومة الفرنسية، تدين على نحو قاطع تركيا بخصوص دعمها للجماعات الجهادية في سوريا وليبيا، كما أتهم نائب الرئيس الامريكي السابق، جون بولتون، في كتابه الذي صدر، مؤخراً،  بأن حكومة أردوغان متورطة بصورة مؤكدة في دعم الجماعات الإسلامية الجهادية المتطرفة في سوريا”، يضيف لـ”مصر 360”.

لكن ما يعيق إتخاذ إجراءات قانونية دولية بحق تركيا، حتى هذه اللحظة، هو انعكاسات الصراع في المنطقة على طبيعة المصالح الدولية، التي تؤدي لها أنقرة بعض الأدوار بالتبعية أو الوكالة، بحسب عبدي، والذي يلفت إلى أن “الجماعات الجهادية التي تمارس العنف والقتل الدموي، بحق سكان المنطقة، هي بمثابة الجناح العسكري الذي تدار من قبل المخابرات التركية في حروبها الخارجية، وهذا ما كان واضحاً منذ ظهور داعش وجبهة النصرة، فضلاً عن الجماعات الراديكالية الأخرى، والتي اصبحت بمثابة جماعات مرتزقة تتحرك بين سوريا وتركيا والعراق وليبيا، وربما، سيناء في مصر كذلك، لكن جماعات الإخوان المسلمين، تمارس نفوذها السياسي والمالي والإعلامي عبر الدوحة، للتغطية على هذه النشاطات الإجرامية العسكرية”.

ويتابع عبدي: “حكومة أردوغان سدت كل المنافذ الحقوقية والإعلامية المستقلة التي تتعقب الملاذات الآمنة التي شكلتها كحواضن للجماعات الإرهابية، وكان واضحاً حادثة الصحفي المعروف، جان دوندار، في جريدة الجمهورية التركية المعارضة، الذي فضح العلاقة العضوية والوظيفية بين الجماعات الإرهابية والاستخبارات التركية، في محافظة أضنة، قبل خمس سنوات. ومنذ تلك اللحظة تمارس الحكومة التركية الرقابة الحديدية على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والمنظمات الحقوقية، ورغم ذلك تعتبر المناطق الحدودية المجاورة مع سوريا؛ مثل: أورفا، وغازي عينتاب، وأضنة، وهاتاي، وأحياناً، المخيمات التي تحوي اللاجئين السوريين، بمثابة إعادة تأهيل الأفراد والجماعات الإرهابية الذين هربوا بعد هزيمتهم في سوريا، من الرقة ودير الزور، إلى تركيا وشمال سوريا. وثمة يومياً دلائل وملفات لأفراد كانوا يعملون تحت أمرة داعش، وحالياً باتوا يتنقلون من تلك المناطق إلى ليبيا”.

يتفق والرأي ذاته، الصحافي السوري الكردي، باز علي بكاري، الذي يرى أن الاعتماد على التركمان، كمكون قومي وإثني، في الصراعات السياسية والميدانية، يعد جزءاً من إستراتيجية الرئيس التركي، لتشكيل انزياحات ثقافية واجتماعية وديمغرافية، في المناطق التي تتميز بتنوع في القوميات والأديان، فيعتمد عليهم كسلاح أيدولوجي لإحداث تلك التغييرات والصراعات، وتشكيل فجوة مع العناصر المحلية من السكان الأصليين، وهو ما يحدث في سوريا وفي الشمال اللبناني، بواسطة الجمعيات الخيرية، بدعوى العمل التنموي والإنساني والإغاثي.

ويضيف لـ”مصر 360″: “تشكيل حزام تركماني أو جيوب إثنية وقومية لمواجهة التواجد الكردي، مثلاً، داخل الجغرافيا السورية، يحدث مثله في شمالي لبنان والعراق، وقد أسس أردوغان في سوريا جمعيات دينية تركمانية؛ مثل “معهد الفتح المبين”، وافتتح مدرسة “باشا كاراجا”، وسط عفرين، والأخيرة تعد فرعاً للمدرسة الدينية التركية التي تخرج منها عدد من النخبة السياسية والدينية التركية، من بينهم، الرئيس التركي”.