يبدو الحادث الإرهابي الذي نفذه مسلحون، على صلة بتنظيم داعش، المصنف على قوائم الإرهاب، في موزمبيق، قبل يومين، يحمل كافة العناصر التقليدية للعمليات الإرهابية التي تتورط فيها “الذئاب المنفردة”. 

في قرية مواتيد، شمال موزمبيق، وبينما تجمع مجموعة من الأفراد لممارسة هوايتهم للعب كرة القدم، تحولت المساحة الخاصة والاجتماعية إلى ساحة إعدام، لتبقي شاهدة على إحدى جرائم التنظيم الذي عمد إلى قطع رؤوس نحو 50 شخصاً.

تعد العملية الإرهابية الأخيرة استئنافاً للحوادث العنيفة التي سبقتها في الأعوام الأخيرة، وتضاف إلى سجل جرائم التنظيم الذي بدأ يحفر في إفريقيا وجوده، ويسعى إلى تمديده نفوذه في عدة مناطق، سواء في الساحل وغرب الصحراء الكبرى، أو دول الجنوب.

إذ تخضع المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية بينما تئن من الفقر والبطالة، بنفس الدرجة، إلى تنافس محموم بين التنظيمات الدينية الراديكالية والأصولية، لاسيما داعش والقاعدة، وذلك على إثر الانفلات والسيولة الأمنية، المتسبب فيها عوامل عديدة، من بينها ضعف الحكومات المركزية، وتهييج الصراعات الطائفية، والعرقية، والقومية، والإثنية، بالإضافة إلى ميراث الاستعمار القديم الذي ملء تلك المجتمعات بفراغات عديدة.  

وقد تسبب الاستعمار في خلق بيئة تبدو حاضنة للأفكار المشددة، في عدة دول بإفريقيا، والتي مازالت تعاني من الفساد والجريمة المنظمة، بحسب تقارير أممية، مما ساهم بولادات مستمرة لتنظيمات مسلحة، تقوم على الولاءات القبلية والعشائرية، والتحالفات البدوية، ومن ثم، الدخول في صراعات وحروب أهلية حول توزيع الملكية والحدود، سواء فيما بينهم، أو مع الجيش النظامي للدولة، ورفضهم تسليم السلاح للدولة.

 

التوحيد والجهاد

تنشط حركة “التوحيد والجهاد”، والتي تعد من أبرز الحركات الإسلامية المسلحة بإفريقيا، في المناطق الشمالية، وتنتمي للتيار السلفي الجهادي للمجموعات العربية بأزواد، شمال مالي، حيث يقودها سلطان ولد بادي، وقد أعلن عنها في النصف الثاني من العام 2011. كما أنها تعد أحد ملحقات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

 

وإلى جانب ذلك، تتواجد حركة “أنصار الدين” إحدى أكبر الحركات المهيمنة، في إقليم أزواد، وتتبع السلفية الجهادية المسلحة، حيث تأسست، نهاية العام 2011، في كيدال، بزعامة إياد آغا غالي، المنتمي إلى قبيلة إفوغاس الطارقية، والتي خاض أفرادها القتال ضد حكومة مالي، في تسعينيات القرن الماضي، ضمن صفوف “الحركة الشعبية لتحرير أزواد”.

برزت أول بيعة لتنظيم “داعش” من التنظيمات الجهادية الناشطة في شمال مالي، من طرف جماعة “المرابطون”؛ حيث أعلنت الجماعة، في مايو عام 2015، مبايعتها لأبو بكر البغدادي، فتم تعيين أمير جديد للتنظيم، هو عدنان أبو الوليد الصحراوي، ومن ثم، سجل بذلك أول وجود ميداني لتنظيم “داعش” في منطقة أزواد.

لكن سرعان ما تبدلت الأمور، بعد أن اتفق مجلس شورى الكتيبة على مبايعة مختار بلمختار، وتنظيم القاعدة، وعزل أبو الوليد، وإلغاء بيعته لتنظيم داعش.

وتعرض ميناء “موسيمبوا دا برايا” الاستراتيجي في موزمبيق، قبل نحو ثلاثة أشهر،  إلى هجوم مسلح من تنظيم داعش، ترتب عليه سقوط الميناء في قبضة التنظيم، بعد صراع دموي بين عناصره المسلحة وقوات الجيش. 

لم تكن المجموعات المحلية التي قامت بالهجوم المسلح جديدة، على كل حال، إنما تتواجد في موزمبيق، منذ سنوات، وتعرف بـ”جماعة أهل السنة والجماعة”، كما يطلق عليها “حركة الشباب”، بينما لا يربطها بالحركة التي تتخذ الاسم ذاته في الصومال أي صلات تنظيمية.  

ومن بين العمليات المسلحة التي قامت بها، السيطرة على ميناء “ميكيمبو دي برايا”، في العام 2017، والذي يعد أول وأبرز أنشطتها العملياتية في شمال موزمبيق. وعلى ما يبدو، فإن ثمة خطة لاستهداف مرتكزات إستراتيجة، لها أهميتها الأمنية والاقتصادية. 

تقع موزمبيق تحت تأثير أعباء الفقر والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، الناجمة عن فترة الاحتلال البرتغالي، وهيمنته على الموارد الاقتصادية، بحسب الصحفي والباحث في مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية، صلاح خليل.

 ويضيف خليل لـ”مصر 360″: “تعرضت موزمبيق لحرب أهلية طويلة وصعبة، وذلك بين مقاتلي الاستقلال ‏السابقين لفريليمو، من جهة، وقوات المتمردين المعرفة باسم رينامو، بدعم من جنوب إفريقيا، الأمر الذي انتهى في العام 1992، بعد توقيع اتفاقية سلام برعاية الأمم المتحدة”.‏

عنف ما بعد تشيسانو 

وتجدد القتال والعنف في موزمبيق خلال العقود الأخيرة، في ظل عملية انتقال السلطة، وتداولها الذي بدا ظاهرياً أنه يسير بشكل ديمقراطي، بحسب خليل، وذلك بعد سنوات من تنحى الرئيس  يواكيم تشيسانو من الحكم، في العام 2004، حيث شهدت توترات أمنية، وصدامات مسلحة، بين عامي 2012 و2018، انخرطت فيها القوات المسلحة بعد تعديل دستوري، نقل بعض الحكم إلى المحافظات، وكانت أكثر المناطق التي شهدت حوادث عنف وقتال، هي مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية. 

ويلفت الباحث في مركز الأهرام إلى أن هناك جهات خارجية تحاول توظيف الجماعات المتطرفة بهدف الاستفادة القصوى من احتياطي الغاز المكتشف في موزمبيق، والتحكم في عوائده الاقتصادية التي تبلغ نحو مائة  مليار دولار، وهو ما يتجاوز الناتج القومي للبلاد بنحو ثلاثة أضعاف، وعليه “فإن عمليات تنظيم داعش المسلحة، شمال موزمبيق، والتي تستهدف المدنيين، وبعض الأماكن الاستراتيجية، تعمد إلى تشكيل بؤرة توتر جديدة في إفريقيا، تهتز على إثرها الأوضاع السياسية والأمنية، خاصة، في ظل انسحاب الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية من أداء أدوارها التقليدية لحفظ الأمن والسلام”.

ويتابع: “مازالت تعاني موزمبيق على المستوى السياسي والاجتماعي من تأثيرات الحرب الأهلية، الممتدة في الفترة بين عامي 1977و1992، عقل الاستقلال عن البرتغال، بين ‏جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو) والمقاومة الوطنية الموزمبيقية (رينامو)، لاسيما وأنها أدت إلى مقتل نحو مليون شخص، وتشريد ما يقرب من ‏خمسة ملايين آخرين، في حين لا يعدو اتفاق السلام الموقع في تسعينات القرن الماضي، سوى هدنة مؤقتة، حيث تتوافر البيئة المواتية لاندلاع الحربـ مجدداً، وتتهيأ لها كافة الشروط والقوى، كما حدث بين عامي عامي ‏‏2004 و2015”.

ويختتم: “قام عناصر تنظيم داعش، في خريف العام 2017، بعملية دموية، قضى فيها نحو أكثر من ألف شخص، ‏ونزوح مائة ألف آخرين. وفي أغسطس الماضي، تم قتل نحو 50 جندياً، بصورة بشعة، كما  أغرقوا سفينة حربية، بواسطة قذيفة صاروخية”.