حرية التنقل واختيار مكان الإقامة وحرية مغادرته، هي أحد الحقوق الأساسية للإنسان، وهو حق لا ينفصل عن الحرية الشخصية للأفراد، وهي مرتبطة ارتباطًا جوهريًا بحظر تهجير المواطنين قسريًا من مواطن إقامتهم، أو إبعاد أي شخص أو مجموعة عن المكان الذي اختاروا العيش فيه، بأي شكل من الأشكال أو وسيلة من الوسائل.

القانون الدولي وحرية التنقل

حفظ القانون الدولي حق الأفراد في التنقل وحرية الإقامة، فنصت المادة الثانية عشر (الفقرة 1) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 على أنه: “لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته.” وجاءت (الفقرة 2 ) من نفس المادة لتؤكد أن: “لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.”

 وحظرت الفقرة الثالثة تقييد تلك الحقوق بأي قيود إلا بنص القانون وأن تكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم. بينما نصت الفقرة الرابعة  على عدم جواز حرمان أي أحد، تعسفًا، من حق الدخول إلى بلده.

لم تقتصر حقوق الأشخاص في القانون الدولي في حرية التنقل والإقامة على المواطنين في مواطنهم، بل كفلت حقوق الأجانب في التنقل والإقامة في البلدان التي دخلوها بشكل قانوني، وحظر إبعادهم إلا في حدود القانون مع حقهم في التقاضي، حيث تنص المادة 13، من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه: “لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذًا لقرار اتخذ وفقًا للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصًا لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم.”

حظر التهجير القسري

لا يمكن الحديث عن حرية التنقل إلا بإقرانها بحظر التهجير القسري بأي شكل من الأشكال. وقد عرف القانون الدولي التهجير القسري بأنه: “ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى” وهو وفق القانون الدولي الإنساني، جريمة ضد الإنسانية ولا تسقط بالتقادم.

وحظرت المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة عام  1949، النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.

كما تَعتبر “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية” التي أقرتها الأمم المتحد عام 1948، الأفعال التي ترتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بمثابة إبادة جماعية، وحددت من بين تلك الأفعال  إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئيًا. كما هو الحال في حالات التهجير القسري.

الغرب.. تاريخ من التهجير

لقد شهد الغرب خلال قرون من الزمن وقائع متعددة للتهجير القسري، لكن أيًا منها لم يكن ببشاعة ما قام به الأمريكيون الغربيون بحق السكان الأصلين لأمريكا، حيث نقل مئات الآلاف من “الهنود الحمر” بموجب “قانون الإزالة الهندي” عام 1830، إلى محمياتٍ غرب نهر المسيسبي، مات منهم الآلاف على طريق رحلتهم القسرية والذي عرف بـ”درب الدموع”.

رحلة “درب الدموع” لم تكن عملية التهجير القسري الوحيدة التي ارتكبت بحق السكان الأصليين لأمريكا، من قبل المستعمرون البيض، لكن قبلها وبعدها وقعت العديد من عمليات التهجير المقترنة بالقتل والإذلال بهدف تغيير التركيبة السكانية للمناطق التي كان يسكنها “الهنود الحمر” والاستيلاء على ثروات تلك المناطق الطبيعية، وتفتيت كتل السكان الأصليين لأمريكا.

هذه العمليات المستمرة حتى الآن، فخلال عامي 2014 و2015،  تم تهجير الآلاف من السكان الأصليين لأمريكا من مواطنهم في “داكوتا”  وولاية “أريزونا” من أجل التنقيب عن النفط والثروات الطبيعية، والتي حرم السكان الأصليين من حقهم فيها لقرون طويلة.

الدستور المصري وحرية التنقل

كفلت  المادة 62 من دستور مصر الحالي، حرية التنقل حيث نصت على أن: ” حرية التنقل والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون.”

ثم جاءت المادة 63 لتحظر أي شكل من أشكال التهجير القسري التعسفي للمواطنين من أماكن إقامتهم، بجميع صوره وأشكاله، واعتبرت مخالفة ذلك جريمة لاتسقط بالتقادم. متسقة مع مبادئ القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولي بهذا الصدد.

 

قرارات المنع من السفر في مصر

يعتبر العديد من الحقوقيين المصريين  إجراءات المنع من السفر، الصادرة من النائب العام المصري، خلال السنوات الأخيرة قد انتهكت الدستور رغم كونه مخول قانونًا بإجراءات المنع، حيث يؤكدون أن محكمة النقض سبق لها وأن قضت بعدم مشروعية قرارات النائب العام بالمنع من السفر ولو علي خلفية اتهام الشخص الممنوع بجريمة، وذلك لخلو قانون الإجراءات الجنائية من نص في هذا الشأن، مؤكدين أن القاعدة تقول:”لا إجراء جنائي مقيد الحرية إلا بنص” استنادًا على مبدأ الشرعية الإجرائية القائم على احتكار المشرع تنظيم الإجراءات الماسة بالحقوق والحريات العامة.

كما أكدوا أن إجراءات المنع من السفر خلال السنوات الأخيرة، تم استغلالها كعقاب للمعارضين السياسيين، لا كإجراء سياسي.

 

التوقيف بالمطارات

من ضمن الحالات التي اعتبرت انتهاكًا لحرية التنقل في مصر، كانت إجراءت توقيف العديد من المعارضين والحقوقيين المصرين في المطارات أثناء السفر أو العودة، دون صدور أمر بمنعهم من السفر.

وقدرت منظمات حقوقية من بينها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أعداد السياسيين المصريين الذين تم توقيفهم بالمطارات، خلال السنوات الخمس الأخيرة بـ 500 شخص، من بينهم المحامي الحقوقي خالد علي، وجمال عيد، والصحفي حسام بهجت، وحتى أشخاص ممن ينتمون لمؤيدي النظام الحالي مثل الصحفي والسياسي عبد الحليم قنديل.

ورصدت تلك المنظمات انتهاكات غير قانونية بحق هؤلاء الأشخاص أثناء توقيفهم، منها احتجازهم لساعات، وفتح هواتفهم وحواسبهم الشخصية ومصادرة أوراقهم، وإجبارهم في بعض الأحيان على التوجه لمقار أمن الدولة دون أمر من النيابة.

 

التهجير القسري في مصر

ربما لا يحمل تاريخ مصر الحديث وقائع للتهجير القسري، باستثناء بعض الحالات القليلة أبرزها الواقعة المرتبطة بمشروعَ بناءِ السد العالي، المشروع القومي الأكبر منذ إعلان الجمهورية المصرية، حيث تم تهجير 100 ألف نوبي، ينتمون لأكثر من 18 ألف أسرة نوبية، من سكان الأراضي خلف السد، والتى كانوا يمتلكونها على مساحة 350 كيلو مترًا، امتلئت بها مياه بحيرة ناصر.

ورغم ما كان يمثله مشروع السد العالي من أهمية استراتيجية لتنمية الجمهورية الناشئة آنذاك، فقد تم إهدار حقوق النوبيين الذين تم تهجيرهم  فالمناطق الجديدة التي أعدتها الدولة لهم، لم تكن مهيئة، ورغم استمرارهم لسنوات طويلة في المطالبة بحقوقهم في التعويض المادي والأدبي إلا أن تلك المطالب قد ذهبت أدراج الرياح.

تهجير المسيحيين

ارتبطت وقائع تهجير أسر مصرية قسريًا من أماكن سكنهم بالحوادث الطائفية، عمليات التهجير تلك تنفيذًا لقرارات الجلسات العرفية والتي كانت تعقد بعد كل حادثة، بإشراف القيادات الأمنية في تلك المناطق.

في عام 2018، تم تهجيرعدد من الأسر المسيحية من مساكنهم بقرية “دمشاو هاشم” بمحافظة المنيا، بناء على جلسة عرفية عقدت عقب  اقتحام منازل مسيحيين بالقرية  من قبل مسلمين، والاعتداء عليهم بالضرب وإتلاف محتويات المنازل، وإشعال النيران في سياراتهم، بسبب إقامة هؤلاء المسيحيين لشعائر دينية في منازل لعدم وجود كنيسة بالقرية أو بالقرب منها.

وفي 2014 وقعت مشاجرة بين مواطن مسلم وآخر مسيحي، بمنطقة المطرية في القاهرة، تطورت إلى صدام بين المسلمين والمسيحيين بالمنطقة، وتبادل لإطلاق النار بعدها تم تهجير 62 مسيحيًا من منطقة المطرية وبيع جميع ممتلكاتهم خلال مدة أقصاها 6 أشهر، عد جلسة عرفية عقدت بين الطرفين.

وفي الفيوم تم تهجير أكثر من عشر أسر مسيحية، من قرية بمركز طامية، بعد مشاجرة تمت بين عائلة مصرية وأحرى مسيحية،  تنفيذًا لما توصلت له جلسة عرفية عقدت بين الطرفين، بحضور قيادات دينية وشرطية بالمحافظة.