منى سليم ـ سوزان عبد الغني

لم تشهد الدائرة الأولى بمحافظة كفر الشيخ لجان/ ولايات متأرجحة ــ على غرار المشهد الأخير بالانتخابات الأمريكية ـــ قدر ما أسفرت عن ما يمكن وصفه بـ “المعادلة الانتخابية الراجحة” وهي: إذا ما حضر مرشحُ قوي ذو أجندة حقوق/ مبادئ واضحة وكان قادراً على التواصل مع الجماهير، حصد نصيب الأسد من الكتلة التصويتية، رغم تباين الاهتمامات الفرعية لأصحابها ما بين مراعاة الروابط العائلية والقروية أو توازنات المصالح العليا أو الاحتياج لأي عوامل خارجية مثل شراء الأصوات والتحايل على الصندوق.

نتكلم هنا عن نجاح (المعارض) الأكثر حضوراً بالفصل التشريعي الأخير “أحمد الطنطاوي” في الوصول إلى جولة الإعادة بدائرة كفر الشيح وقلين  وسط عدد وافر من أصحاب الدبابير، إذ شهدت الدائرة ترشح 7 من ضباط الشرطة السابقين ورجال أعمال من ذوي العلاقات الأسرية المباشرة مع قيادات أمنية كبرى بالمحافظة أو مدعومين من شركات ورجال أعمال داخل وخارج المحافظة، وأغلبهم إما مرشحاً عن حزب (مستقبل وطن) أو ساعياً نحوه لكن لم يحالفه الحظ فترشح مستقلاً.

وفق ما أعلنته اللجنة العامة للانتخابات بالمحافظة فقد أدلى 208 ألف مواطناً من أصل 607 بصوتهم الانتخابي وتأهل 6 مرشحين لجولة الإعادة من بين٤٦ مرشحا و٣ مرشحات على ٣ مقاعد فردي بالانتخابات البرلمانية بالدائرة الأولى في كفر الشيخ، جاء “الطنطاوي” بالمركز الأول بواقع 44 ألف و400 صوتاً وبفارق 13 ألف عن من يليه، وفي المركز الثاني جاء المهندس باسم حجازي مرشح حزب الوفد (٣٤ ألف) والسيد شمس الدين مرشح مستقبل وطن (٣٠ ألف) واللواء مراد القطان (٢٩ ألف) وياسر منير (٢٧ألف) واللواء محي القطان (٢٢ الف) واللواء مصطفى زرارة (١٧ ألف).

نتائج تدعو للفرح والقلق معاً، تستدعي التأمل في السير الذاتية للأسماء، وفي وقائع شهدتها اللجان أثناء التصويت، وقراءة في نتائج ما هو متاح من محاضر الفرز باللجان الفرعية خاصة في ظل شكاوى من الامتناع عن تسليم المرشحين النتائج التفصيلية بشكل رسمي وفي ظل روايات تشكك في صحة الأرقام التي أعلن عنها حصاد بعض المرشحين لها وتشابهها مع وقائع مثبتة شهدتها المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في العديد من المحافظات.

الصاعدون إلى المقاعد

في المركز الثاني بالنتائج جاء المهندس”باسم حجازي” مرشح حزب الوفد وصاحب الحملة الأكثر صخباُ وانتشاراُ، حيث اختارت الدعاية عبر شركات محترفة مارست أدوار مختلفة سواء بالفضاء الإلكتروني أو على الأرض بتكلفة مالية باهظة لفتت الأنظار دون تفسير واضح.

في المركز الرابع والسادس بجولة الإعادة جاء الضابطان أبناء العمومة ومواليد قرية شباس عمير بمركز قلين “محي القطان” مرشح حزب مستقبل وطن و”مراد القطان” مستقل

من هو كابتن قلين؟

الأكبر سناً “محي” أو “الكابتن” كما يطلق عليه أبناء قلين، وقد جاء اللقب مرتبطاً بخروج الرجل من الخدمة الشرطية برتبة نقيب أوائل التسعينات وترشحه للمرة الأولى عن الحزب الوطني وحصوله على المقعد بثلاث فصول تشريعية متتالية  (1995 – 2010)،  ومن نفس القرية البيت ظهر على مدار الخمسة عشر سنة الماضية ابن العم اللواء (مراد القطان) الذي حظى ـ وفق ما هو شائع بين الأهالي ـ على دعم عمه للالتحاق بالشرطة والترقي داخلها حتى وصوله لمنصب مدير معهد أمناء الشرطة الذي نجح خلال إدارته له في إلحاق مئات من أبناء كفر الشيخ به، لم يستطع أى منهما الوصول لجولة الإعادة ببرلمان (2015 ـ 2020) الذي شهد مرور “الطنطاوي” لأول مرة ولكنهما عادا لصدارة القائمة المعلنة 2020.

كما حضر بالجولة الأولى أسماء شرطية أخرى، حصد بعضها كتلة كبيرة من التصويت وإن لم يصعدوا للإعادة، ففي المركز السابع جاء اللواء مصطفى زرارة” (17 ألف صوت) وهو الاسم الذي تعرفه المحافظة جيداً حيث عمل عمل مديراً لمكتب مدير أمن كفر الشيخ سنوات طويلة، المقدم “حسام يونس” (13 ألف صوت) والذي خرج من الخدمة عام 2019 وسعى للانضمام لحزب مستقبل وطن وحصل على منصب أمين عام شباب الحزب لكنه لم يحظ على فرصة الترشح باسمه، شهدت حملته هو الآخر مساحات صرف مالي واسعة أثارت التساؤلات.

وهناك أيضاً اللواء محسن الجندي الذي ترشح مستقلاً معتمداً بشكل رئيسي على قريته “الروضة” وتاريخ انتخابي بالعائلة التي يحمل نفس لقبها أيضاً اللواء شكري الجندي النائب عن مركز كفر الشيخ بالسنوات الخمس الأخيرة والذي سارع ـ دون إعلان للأسباب ـ بتغيير محل إقامته قبيل فتح باب الترشح هذه المرة ليترشح عن دائرة (بيلا)، كلاهما تدرج في العمل بالمباحث الجنائية داخل المحافظة وتقلدا مناصب عدة بأقسامها الشرطية، وكلاهما لم يفز أيضا بفرصة الترشح للإعادة بهذه الجولة.

أما باقي الأسماء المدنية التي تم تصعيدها، ففي المركز الثالث جاء (السيد شمس الدين) أو كما يطلقون عليه (الحج)، والذي لا يمتلك سيرة ذاتية سابقة يتم تداولها شعبيا غير كونه هذه المرة مرشح مستقبل وطن، وفي المركز الخامس المحامي (ياسر منير) مرشح الحزب الجمهوري، وهو ابن قرية المرازقة في مركز قلين والنائب السابق في البرلمان المنحل عام 2012.

جولة صحفية إلى كفر الشيخ

باليوم الأول للانتخاب كانت زيارتنا الصحفية للدائرة؛ لنرصد إقبالا متوسط /أقل من المتوسط، وحظت الساعات الأخيرة باليوم الثاني على وتيرة أعلى بالتوافد خاصةً في الأحياء الشعبية

بداية جولتنا كانت من خلف قضبان السكك الحديدية بالحي الشعبي غرب مدينة كفر الشيخ، (حكي الحكر) ذو الكثافة السكانية المرتفعة والذي شهد تفريغه من ثلاث لجان ثابتة بمدارس قريبة، تم جمعهما في لجنة واحدة ونقلها إلى مدرسة تبعد ٢ كم مما تسبب في صعوبة انتقال عدد كبير من أبناء الحي.

تواترت مشاهد معتادة كتوفير مناديب بعض المرشحين جهاز كمبيوتر وكشوف لمد الناخب بمعلومات عن لجنته للتصويت، ونقل الناخببن بميكروباصات و(تك تك) تابع لبعض المرشحين إلى المدارس،  ونما إلى مسامعنا همسات البعض عن شراء بعض المرشحين للأصوات الانتخابية بأسعار تراوحت ما بين ١٠٠ _ ٢٥٠ جنيه.

لم يقتصر الأمر على حشد الأصوات بالسيارات وشرائها؛ فقد شهد هذا الحي وأحياء أخرى قريبة ظاهرة أثارت ريبة المراقبين ولكنها لم تترك أثرا داخل لجان الفرز ـ وفق شهادة مندوبي المرشحين حتى الآن ــ  وهي تأجير بعض الشباب النافذين بتلك الأحياء لجمع صور بطاقات الرقم القومي من أعداد كبيرة من الناخبين بسعر ٥٠ _ ٧٠ جنيه، وكثير من تلك الصور قد تم تسجيل اسم اللجنة التابعة لها على ظهر الورقة.

ومن صخب الحي الشعبي بالمدينة لعدد من قرى مركزي كفر الشيخ وقلين فكانت الملاحظة الأولى هي كثافة التصويت مقارنة بالمدن وذلك رغم صعوبة الانتقال بسبب تاثير الامطار على الطرق الترابية لكن ظهر تاثير وجود مرشح هو إبن/ بنت القرية بشكل مباشر كما هو الحال في قرية شباس عمير واللواءين محي ومراد القطان وقرية أريمون واللواء رافت فيود وآخرين أما قرية المرابعين على سبيل المثال لم تملك مرشحا من أبنائها لكن تبنت عدد من المرشحين، وقد ظهر بقوة تأثير العائلات وكذلك تأثير احترام المرشحين لناخبي القرى بحضورهم السابق او بيوم الانتخاب في جولات او مؤتمرات بينما غابت تماما ظاهرة شراء الأصوات؛ كان التصويت أكثر كثافة والحضور اقل صخباً.

 

ومن القرى للمدينة مرة أخرى، مع الاحياء الحديثة حيث تكاثقت اللافتات الفارهة التي حسب تقديرات وصل سعر بعضها إلى ١٠٠ ألف جنيه، وقصرت الطوابير مقارنة بباقي اللجان، كان الأداء هادئا/ باهتاً مما ساعد على إدلاء الناخبين بأصواتهم دون تدخل او إلحاح من اي طرف.

وبشكل عام كان حضور الشباب Hمام اللجان _ مؤيدين لمرشحين او ناخبين _ هو العامل المشترك بين الفئات الثلاث التي تجولنا بينها، وغابت بوضوح ظاهرة الرقص والغناء أمام اللجان كما غاب حشد الموظفين الحكوميين او عمال المصانع.

كيف ضمن المعارض أحمد الطنطاوي جولة الإعادة؟

يخبرنا أحد الشباب الفاعل بجمع الأصوات المشتراة وهي مهنة رائجة في موسم الانتخابات، تكون مهمته الأساسية جمع هويات إثبات الشخصية وإحضار الناخبين للمقر مقابل سعر محدد للصوت،

“نحن نسترزق في هذا الموسم لكني أحشد ببلاش لطنطاوى وأوصي الناس أن تختاره هو أيضا لأنه شبهنا وزارنا ولعبت معه كرة أكثر من مرة بالاستاد.. أكيد حضرتك شايفاه احسن واحد؟)

قابلنا الكثير من المواطنين ممن لهم حق الانتخاب، أجمعوا على أن صوتهم للبرلماني الشاب، وكان السبب الرئيسى أو قد يكون الوحيد وراء اختيارهم جميعا هو ما يمكن وصفه بـ(الموقف السياسي) الذي عبروا عنه بكلمات محددة دون اهتمام بالشرح: (راجل محترم) و (جدع ما بيخافش)، و لعل في هذا تفسيرا لارتفاع نسبة التصويت له في مركز وبندر كفر الشيخ التى لم يمثلها نيابيا من قبل بينما مسقط رأسه والتي مثل أهلها لمدة ٥ سنوات.

انفردت حملة الطنطاوي على مستوى المحافظة بطبع وتوزيع مجلة ( 50 صفحة ) بعنوان (قراءة بالتجربة البرلمانية) تشمل ثلاثة فصول تتناول دوره الخدمي بالدائرة والتشريعي تحت قبة البرلمان والسياسي العام، واختاروا مانشيت يركز على الموقف السياسي، فكانت كلمات المطرب “محمد حمام”: “اللي يخبي القول ما يبقاش ولد”.

 

ورغم ارتفاع نسبة الأمية بالمحافظة إلى ٣٦% وما قالته حملة الطنطاوي عن عدم التمكن من توزيع أكثر من ١٠ آلاف نسخة وعدم امتلاك النائب لمنصة للإعلان عن خطواته غير صفحته على موقع التواصل الاجتماعي facebook  فقد كان حضور اسمه ومعرفة الغالبية العظمي به متراكمة وطبيعية، سبقت جولة الانتخاب بسنوات، وجعلت من تشرحه وأمر شبه بديهي، عززها ما تم توثيقه من الزيارات والجولات اليومية خلال فترة الدعاية التي بدأت سبتمبر الماضي.

وقائع الفرز .. والمعادلة الشعبية الراجحة

وصل حجم التصويت داخل الدائرة إلى ٢٠٨ ألف صوت من أصل ٦١٧ ألف صوت بنسبة حضور٣٤%، ترتفع بفارق ٥% عن باقي عموم دوائر محافظة كفر الشيخ التي حققت متوسط تصويت ٢٩% وكذلك تتفوق على نسب تصويت عدد كبير من محافظات الجمهورية بالمرحلة الأولى مثل الجيزة ٢٨% ، الاسكندرية ١٤ % التي تشمل هي الأخرى اسم معارض بارز هو هيثم الحريري، اسيوط ٢٤.٨%؛ اما في المرحلة الثانية فحصدت الاسماعيلية ٢٨%، القليوبية ٢٧،٦ %، ولعل كان هذا الرهان الرئيسي الذي أعلن عنه الطنطاوي في كلمته الأخيرة قبل بدء التصويت وهو أن تحصد الدائرة أعلى نسبة تصويت على مستوى الجمهورية.

أما عن التصويت، فقد جاءت النتائج لتوضح أن من ذهبوا وسط الطين بالقرى غير ممهدة الطرق لإعطاء صوتهم للمعارض تقاربوا مع أبناء الأحياء الشعبية والراقية على حد السواء.

فعلى سبيل المثال، في لجنة مدرسة أحمد عرابي (حي شعبي) حصل اللواء مصطفى زرارة (ابن الحي) على المركز الأول بعدد ٣٦٧  صوتا وفي المركز الثاني الطنطاوي بعدد ٣٠٦ صوتا؛ وفي عزبة جودة حصل ياسر منير (ابن القرية) على ١٥٩ يليه الطنطاوي بنسبة ٩٤ صوتا؛ وفي قرية الدفرية حصل رامي علي (ابن القرية) على ١٣٣٤ وفي المركز الثاني جاء أحمد الطنطاوي بعدد 945 صوتا، وفي لجنة معهد كفر الشيخ النموذجي (حي شعبي) حصل “الطنطاوي” على المركز الاول بعدد ١٨٨ صوتا، وفي مدرسة الشهيد يحيي (حي حديث كفر الشيخ) حصل الطنطاوي على ٤٠٤ صوت، وفي ومدرسة التجارة بكفر الشيخ (حي حديث) حصل الطنطاوي على المركز الأول بعدد ٢٩٤.

 

شكاوى من الفرز

يظهر ألبوم الصور التالية مجمل محاضر الفرز الرسمية باللجان الفرعية التي استطعنا الحصول عليها عبر مناديب عدد من المرشحين، ممن اتفق أغلبهم على مدى صعوبة حصولهم على تلك الصور رغم كونه إجراء قانوني صحيح.

 

 

ليس هذا فقط بل لم تتم الاستجابة لطلبات رسمية من عدد كبير من المرشحين أنفسهم بالحصول على صورة رسمية من كافة محاضر الفرز باللجان الفرعية وتم الاكتفاء بتسليم صورة من النتيجة الإجمالية، لم يعلن الطنطاوي بعد عبر صفحته الرسمية عن فوزه ولم يناقش الأرقام.

هذا وتشهد الصفحات الفاعلة في متابعة الانتخابات بالمحافظة حملة تدوين واسعة عن شكوك حول الأرقام الإجمالية المعلنة في عدد من القرى مع الإشارة لضعف عدد الأصوات التي حصل عليها مرشحو مستقبل وطن، وقد ظهر هذا بشكلٍ خاص في تداول نتائج قرية (شباس عمير) التي حصل فيها (مراد القطان) على المركز الأول بحوالي 3000 صوت تلاه الطنطاوي بما يقارب 2300 صوت وجاء ابن نفس القرية (محي الطحان) في المركز الثالث بفارق كبير ورغم هذا تم إعلان تصعيده للإعادة مما دفع كثير من أهالي قريته لدعوة ابن العائلة لتنازل أحدهما للآخر.

 

لم يتقدم أى من المرشحين الفائزين أو الخاسرين بطعون رسمية حتى الآن حول حجب النتائج الفرعية، ورغم هذا يبقى المشهد متجانساً مع غيره على مستوى الجمهورية خاصة بالجولة الأولى التي شهدت روايات فضحت تلاعب كما كان الأمر ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ في دائرة العمرانية بالجيزة، فنشر “محمد فؤاد” نائب تكتل 25\30 صور محاضر فرز اللجان الفرعية وقارنها بالمغالطات التي شهدتها النتيجة الإجمالية خاصة فيما يتعلق بعدد المصوتين الذي تضاعف من 55 ألفا إلى 120 وهو ما ترك أثره بالطبع على توزيع الأصوات بين الفائزين. أما أحمد الطنطاوي فقد اكتفي بكتابة  تلك الكلمات على صفحته الرسمية التي تشير لأكثر من معني وتفيض، فقال: “يا شركاء الحلم وحُراس الأمل: الفرح بانتصاركم حقكم.. وحراسة إرادتكم واجبي.. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ.. صدق الله العظيم”

 

 

عدنا إلى القاهرة بعد أن انتهت الجولة الأولى هناك، وبانتظار ما قد يكون أكثر صعوبة على مستوى استخدام النفوذ والمال السياسي، وما قد يكون أكثر إبهارا على المستوى الشعبي بالجولة القادمة.