كما خلق جدلاً واسعًا بأعماله والتفاف الشباب حول كتاباته وآرائه حيًا، لا يزال الدكتور أحمد خالد توفيق الذي رحل في العام 2018 عن عمر ناهز 55 عامًا، مُختلف عليه بين فريقين؛ يراه أحدهما العبقري الذي شكل وعي جيل كامل، بينما الآخر ينتقد أفكاره وكتاباته ورؤيته.

هذا الجدل عاد مجددًا في 5 نوفمبر الجاري، مع عرض المسلسل المستوحى من سلسلة أعماله “ما وراء الطبيعة”، والذي شهد هو الآخر اختلافًا نقديًا حادًا، مع عرض أولى حلقاته عبر منصة “نيتفليكس”، باعتباره أول مسلسل رعب مصري.

“ما وراء الطبيعة” دراميًا

وفيما يتعلق بالعمل الدرامي الذي أدى دور بطولته الفنان أحمد أمين، فيبدو أن السبب الرئيسي في حالة الجدل التي صنعها المسلسل، كان في جزء منه عائدًا لمخرج العمل نفسه عمرو سلامة، الذي رأى كثيرون أنه استفز مشاعرهم بمنشور عبر حساباته على مواقع التواصل، حدد فيه بعض “القواعد الصحيحة” لمشاهدة المسلسل، كنوع من الدعاية التي لم تلق الاستحسان المطلوب، بل وكانت سببًا فيما تعرضت له الحلقات من ترسيب ونشر عبر مواقع المشاهدة المجانية.

وكان محبو أحمد خالد توفيق ممن تربوا على سلسلة “ما وراء الطبيعة”، أول من انتقدوا هذا العمل الدرامي وهاجمهوه، باعتباره خرقًا لثوابتهم ومعتقداتهم حول شكل شخصية البطل الرئيسي رفعت إسماعيل، وبعض التفاصيل الدرامية المهمة بالعمل، بينما كان على جانب آخر هناك فريق يرى أن “ما وراء الطبيعة” عمل جيد يجب أن نتشرف بكونه المصري الأول على منصة عالمية كـ”نتفيلكس”، وأنه حصل على إعجاب عالمي وشهرة دولية، بالإضافة إلى تصنيفه عالميًا، وأننا أمام منتج يضع مصر في مصاف الدول الشهيرة فنيًا.

وبين هذا وذاك كان هناك فريق ثالث، يرى أن كتابات الدكتور أحمد خالد توفيق لا تستحق كل هذه الضجة، وأن محبيه يقدسونه لدرجة تجعلهم ينتقدون كل ما يواجهه فكريًا بشكل قاس جدًا.

العراب في مرمى النقد

يرى الكاتب والناقد الفني، أمجد جمال، أن هناك عدة أسباب مُعلنة تجعل مريدي الدكتور أحمد خالد توفيق يمارسون العدوانية تجاه منتقديه؛ فبعضهم يدّعي أن كتاباته تمثل ذكريات طفولتهم وصباهم، وأنها كانت مسؤولة عن هداية الشباب للقراءة.

ويتساءل جمال: “ألا ينطبق هذا على كاتب مثل نبيل فاروق؟ وهو الذي قدم سلسلة رجل المستحيل وملف المستقبل، لكنه مستباح نقديًا، ويمكن لأي شخص أن يقول رأي سلبي فيه دون توقع أن يمطرك قراءه القدامى بتعليقات ورسائل الاستهجان والسب”.

ويضيف أن السبب الحقيقي لتقديس “العراب” -كما يُطلق عليه مُريدوه- له بعد سياسي، خاص بآراء وكتابات أحمد خالد توفيق، التي لحقت سلاسل المراهقين التي كتبها، مشيرًا إلى أن تلك الكتابات في معظمها تميل لمعسكر الإسلام السياسي واليسار، لذلك تجد نبيل فاروق مستباحًا والعراب مقدسًا.

ويستطرد أمجد جمال: “لا أنكر أن قصص المراهقين التي كتبها أثارت فضولي في سن معين، لكن بعد ذلك ننضج ونفهم أن ما قرأناه مجرد مرحلة صبيانية في حياة القاريء ونتجاوزه، هي مجرد قصص مسلية، وجزء كبير منها منقول من قصص وأفلام أجنبية بالأساس. نعم أمتن لها مثلما أمتن لقصص ميكي وبطوط، لكن ليس لدي استعداد بدخول مهاترات مع أحدهم لو انتقد ميكي وبطوط”.

آراء رجعية

ويشير أمجد جمال أن أزمته مع كتابات أحمد خالد توفيق ليست فيما يتعلق بأدب المراهقين، لكن مع المواقف الفكرية التي أعلنها “العراب” واتسمت بالرجعية -على حد قوله- كموقفه من اليهود كسلالة وقومية، وموقفه من المثليين جنسيًا، والذي لم يكن علميًا بل وغير متسامح معهم.

ويلفت جمال إلى الأديب أوسكار وايلد، الذي عانى من الاضطهاد والتعذيب بسبب ميوله الجنسية، في وقت كانت تعتبر تلك الميول مرضًا -مثلما يقول العراب- ويعلق: “العلم تجاوز هذا التفسير منذ عقود طويلة”.

كما يعبر جمال أيضًا عن استيائه من بعض كتابات “العراب”، التي يصفها بأنها متشبعة بنظريات المؤامرة داخليًا وخارجيًا، وتحتوي على العداء للغرب، الذي لطالما استفاد منه أحمد خالد توفيق نفسه قصاصًا ومترجمًا، مشيرًا إلى أن النصوص التي ترجمها أحمد خالد توفيق كانت “ناقصة وانتقائية”، كما فعل في رواية “نادي القتال”.

هذا فضلاً عن نظرة “العراب” للمرأة الشرقية بوجه خاص، كما يوضح جمال، الذي أشار إلى بعض الكتابات التي يلوم فيها أحمد خالد توفيق ملابس النساء، ويقول إنها تتعمد إثارة هرمونات الذكور المساكين، وإن إظهار المرأة لجمالها يعود عليها بالمضايقات والأفضل لو أخفت هذا الجمال، بالإضافة إلى حديثه عن أسرته ونشأته وأن المرأة مكانها المنزل وخدمة الزوج.

ويستكمل جمال معددًا ملاحظاته على أفكار “العراب”، فيقول: “ما كتبه عن يوسف شاهين مثلاً اتسم بالوصاية والتفتيش في الضمائر وتقييم الفن بمعايير أخلاقية لا فنية، وموقفه من الرقابة لا يصدر من شخص مهنته التعبير”.

ويختتم جمال انتقاده موجهًا حديثه لمريدي “العراب”، فيقول: “لا أرى من الإيجابي أن يحدث هذا الصدام بين ناقديه ومريديه، ليعرف الطرف الأخير وجهة نظر مغايرة عما اعتادوا سماعه، ولأن حق النقد في ذاته قيمة، ولأن الدوغما في مجال كالقراءة شيئ مناقض للقراءة نفسها، أعتقد أن تعصب مريديه له علاقة غير مباشرة بكتاباته، فعندما تملأ أدمغة قراءك بنظريات المؤامرة وكراهية بعض الفئات وتغذي الشعور بالاضطهاد فالنتيجة تكون قاريء متعصب، وجزء من تعصبهم هذا ظهر في ردود الفعل على المسلسل والتغييرات الدرامية التي أحدثها المخرج عمرو سلامة، والتي أراها موفقة لأنها تؤسس لعالم مرئي يختلف عن مفردات العالم الذي تعلق به قراء السلسلة”.

العراب ملهمًا

هذه الصورة للعراب لها أخرى مغايرة تمامًا في عيون محبيه، إذ يقول الكاتب أحمد متاريك، إن محبة أحمد خالد توفيق تنبع من شعور قراءه أنه هو من غذى عقولهم ورباها، وهو بالنسبة لهم صانع وعيهم الأدبي منذ طفولتهم مرورًا بمراهقتهم، بالإضافة إلى أنه كان يدعم الجانب الأخلاقي، فلا تحتوي كتاباته على مشاهد عاطفية، ويمتد الأمر إلى أجزاء تربوية من أن بطله لا يدخن ويُصلي وذو أخلاق، مضيفًا أن هذه النقاط لها انتقادات سلبية، ولكن حين تُقدم هذه الروايات إلى أطفال فهي تناسبهم، على حد قوله.

وموضحًا أسباب شعبية الدكتور أحمد خالد توفيق، يقول متاريك إنه ككاتب كان سهل التواصل، متواجد بشكل كبير بين قراءه ومتابعيه، فحين يُطلب في ندوة أو حفل زفاف أو ما شابه يكون ملبيًا للدعوات، هذا فضلاً عن الجلسات الثقافية التي كان يعقدها على المقاهي، وهي أشياء أكسبته شعبية كبيرة جدًا.

ويضيف متاريك أن سلسلة “ما وراء الطبيعة” على وجه الخصوص هي نص أدبي للأطفال من سن 10 إلى 18 عامًا، وهو ما يجب ألا ننساه في تقيمنا للأمر، وهو ما جعل الأطفال في هذا السن يذهبون إلى القراءة، ومن هنا أيضًا ازدادت شعبية العراب لدى محبيه.

نقد بلا تسخيف

ويرى متاريك أن الصراع الدائر حاليًا بين محبي ومنتقدي الدكتور “لا أساس له، وظهر من العدم”، مضيفًا أنه ما دام هو صاحب رؤية أدبية خرجت للنور، فلابد من تقبل النقد الموجه لهذه الرؤية، دون التسخيف من الفكرة وما قدمه بشكل إجمالي، موضحًا أنه لابد من احترام التجربة التي قدمها والتي كانت رائدة وناجحة جدًا، جذب بها الشباب للقراءة، فاستطاع أن يصنع بجيل ما لم تفعله وزارة الثقافة.

وحول مسلسل “ما وراء الطبيعة”، يبدي متاريك تحفظًا على العمل، ويضيف: “لم يرق لي، لأسباب بعضها فني والبعض الآخر سقطات، إذ لم يكن هذا رفعت إسماعيل الذي قرأنا عنه في الرواية أو جرى إليه خيال القراء، والتغيير الدرامي لم يكن مقبول. لابد حين يتغير هذا أن يكون للأفضل، مثلما حدث على سبيل المثال في حلقة العساس”.