في أوائل نوفمبر الجاري، أقرت اللجنة التشريعية لمجلس النواب قانونًا للفصل بغير الطريق التأديبي، قوبل بانتقادات، واتهم بأنه وسيلة لتخفيض العمالة الزائدة بالمؤسسات الحكومية، بينما دافع عنه مشروعوه بالتأكيد على أنه يستهدف مزيدًا من استقرار الأداء التنفيذي، وأن تطبيقه سيتم وفق آليات محددة، تضمن عدم وقوع الضرر على الموظفين.

القانون

يتيح القانون الجديد أن تفصل الدولة موظفيها بقرار مباشر دون عرضهم على جهات التحقيق، التي تختص بالتعامل مع موظفي الخدمة المدنية، أو المحاكم التأديبية، ودون صدور أي قرار من النيابة الإدارية.

وتبين المذكرة الإيضاحية للقانون، أن المشروع يهدف إلى تجفيف منابع الفكر المتطرف، منوهةً بأن ذلك لا يقف عند حد مواجهة مروجي الأفكار الإرهابية من العاملين بالجهاز الإداري للدولة فقط، وإنما تستدعي مواجهتهم بصورة أوسع وأكثر شمولاً، بالنظر إلى أن الإرهاب يبدأ بفكر شاذ مسموم، ينشره اتباعه ومعتنقوه من الضالين والمضلين ويخدعون به غيرهم فتتشكل بذلك حاضنة فكرية فاسدة للإرهاب والعنف.

حالات الفصل

وأوضح القانون في مادته الأولى، أنه لا يجوز الفصل بغير الطريق التأديبي للموظفين أو العاملين بحسب الأحوال بإحدى وحدات الجهاز الإداري للدولة أو وحدات الإدارة المحلية أو أي من الجهات المخاطبة بأحكام قانون الخدمة المدنية أو الذين تنظم شؤون توظيفهم قوانين أو لوائح خاصة، وذلك من غير الفئات المقرر لها ضمانات دستورية في مواجهة العزل، وكذا الموظفين والعاملين بالهيئات العامة الخدمية والاقتصادية أو المؤسسات العامة أو أي من أشخاص القانون العام أو شركات القطاع العام أو شركات قطاع الأعمال العام، مع عدم الإخلال بالسلطات التي يقررها القانون في حالة إعلان الطوارئ، إلا في أحوال معينة.

وحدد الحالات التي يجوز فيها فصل الموظف، وتضمنت الآتي:

1. إذا أخل بواجبات الوظيفة بما من شأنه الإضرار الجسيم بالإنتاج أو بمصلحة اقتصادية للدولة أو لأي من الجهات المنصوص عليها بهذه المادة.

2. إذا قامت بشأنه دلائل جدية على من يمس أمن الدولة وسلامتها.

3. إذا فقد أسباب الصلاحية للوظيفة التى يشغلها لغير الأسباب الصحية.

4. إذا كان فاقدًا للثقة والاعتبار.

5. إذا أدرج على قوائم الإرهابيين المنظمة بأحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 في شان تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، على أن يعاد إلى عمله في حال إلغاء قرار الإدراج.

وأعلنت وزارة التربية والتعليم في أكتوبر من العام الماضي فصل 1070 معلما، بدعوى انتمائهم لجماعة الإخوان وصدور أحكام ضدهم، في الوقت الذي تعد قوائم أخرى لمفصولين جدد، رغم معانأة الوزارة من وجود عجز في أعداد المعلمين بالمدارس، والإعلان كل فترة عن فتح باب التعيين لمدة محددة.

وعلى نفس المنوال، تعاملت وزارة الأوقاف مع موظفيها، إذ أعلنت الوزارة فصل العشرات من العاملين بها ما بين خطباء وعمال وإداريين، بحجة الانتماء لجماعة الإخوان الإرهابية، ومخالفة تعليمات الخطبة، وكذلك قرارات الوزارة بخصوص الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا بدون الإعلان عن إجراء تحقيقات معهم، أو تحويلهم إلى القضاء التأديبي.

فصل دون الإخلال بالمعاش والمكافأة وتعويض بحكم محكمة

كما بيّن القانون في مادته الثانية أنه يجوز فصل الموظف أو العامل في الأحوال المبينة بالمادة السابقة -بعد سماع أقواله- بقرار من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء في أحوال تفويضه، دون إخلال بحقه في المعاش أو المكافأة، مشيرًا إلى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره، بالفصل في الطلبات التي يقدمها الموظفون أو العاملون عليهم في المادة “1” من القانون طعنًا في القرارات النهائية الصادرة بالفصل بغير الطريق التأديبي.

ومنح القانون المحكمة الحق في أن تحكم بالتعويض بدلاً من الحكم بإلغاء القرار المطعون عليه للأسباب التي ترى أن المصلحة العامة تقتضيها.

طعنة للجهاز الإداري

وزير القوى العاملة السابق، كمال أبو عيطة، وصف القانون الجديد باعتباره “طعنة” في ظهر الجهاز الإداري والعاملين في الدولة، وانتقاصًا من قيمة الوظيفة الحكومية، مؤكدًا أن الهدف من القانون لم يكن مواجهة الإرهابيين، وإنما تصفية العاملين بالدولة، وأنه “لو كان الهدف من القانون مكافحة الإرهابيين فهناك قوانين الإرهاب والطوارئ والعقوبات الرادعة”.

وبرأ أبو عيطة، في حديثه لـ”مصر 360″، العاملين في الحكومة من تهمة الانتماء لجماعة متطرفة، وشدد على أن الجهاز الإداري للدولة لا يضم أيًا من المنتمين إلى الجماعات الإجرامية، وأنه أحد الأجهزة “الوطنية” التي حافظت على الدولة وعلى استقرارها طوال العقود الماضية.

كما لفت أبو عيطة إلى أن التشريعات الاجتماعية لها أسس لإصدارها، وأنه في البداية يجب أن يدار حوار مجتمعي حول التشريع وسماع أراء الأطراف ذات الصلة بالموضوع، وفقًا للمنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية التي وقعت مصر عليها، وكذلك القانون والدستور، ومن ثم البدء في إعداد القانون وفقًا لما تم التوصل عليه، وإرساله إلى البرلمان لمناقشته، وما إلى ذلك من إجراءات.

وتابع بأن “القانون الجديد لم يخضع للحوار المجتمعي، وإنما انتشرت أخبار إقراره من قبل مجلس النواب، بما يخالف الأعراف والدستور والقانون ولائحة مجلس النواب نفسه”، على حد قوله، مؤكدًا أن القانون “ينتقص من حقوق العاملين بالدولة، وأن الوظيفة العامة في مصر لها حصاناتها والفصل التعسفي بها نادر وغير جائز الحدوث”.

باب خلفي للتخفيض

واعتبر الوزير السابق أن القانون يمثل “بابًا خلفيًا” للتخفف من الوظيفة العامة وتسريح الموظفين، وأن “المواد الجديدة ستعطي للجهاز التنفيذي حق فصل العاملين، ومن ثم سيزيد انتشار الفساد داخل المؤسسات الحكومية وتنكيل المدراء الفاسدين بالموظفين الذي لا يريدون الاستجابة لرغباتهم”.

وأشار إلى أن القانون يضم العديد من العبارات المطاطة، التي تحوي العديد من الاحتمالات، ولا تتضمن نصًا واضحًا يمكن الاعتماد عليه، مشيرًا إلى أن القانون يعد نزعًا لسلطة القضاء الإداري في فصل العاملين من الخدمة، مقابل إعطائها لموظف، على حد قوله.

ويستند الفريق الرافض للقانون الجديد في تدليلهم على سعي الدولة لتقليل العمالة الحكومية، إلى تصريحات تلفزيونية سابقة لرئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، المستشار محمد جميل، والذي قال قبل نحو عامين، إن الجهاز الإداري للدولة يعاني من ضخامة في عدد العاملين، وأنه وصل إلى ما يقارب 5.7 مليون موظف، مشيرًا إلى أن “مصر لديها موظف واحد لكل 14 مواطنًا، ما يمثل عبء ثقيلاً على الدولة”.

وفي 25 سبتمبر من العام الماضي، أعلن رئيس برنامج التطوير المؤسسي بوزارة التخطيط، الدكتور ممدوح إسماعيل، أن إجمالي العاملين بالجهاز الإداري للدولة يبلغ ٥ ملايين و٧٧١ ألفًا و٩١٥ موظفًا، مع حذف الجزء الخاص بالهئيات الاقتصادية كونه لا يأتي في إطار الموازنة العامة للدولة، ليكون عددهم ٥ ملايين و٤٢٩ ألف موظف، بينهم ٤ ملايين و٥٢٥ ألف كادر عام، وحوالي ٩٠٠ ألف كادر خاص.

وأوضح إسماعيل في اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب -وقتها- أن خريطة العاملين بالجهاز الإداري في مصر تشمل ٣ محاور؛ الأول خاص بالوزارات والمصالح الحكومية بواقع ٣٣ وزارة في مصر و٢ مليون و٦٠ ألفًا و٤٣٢ موظفًا، والثاني المتعلق بالهيئات العامة بواقع ٢١٧ هيئة بينها ١٦٦ هيئة خدمية، تضم ٥٤٧ ألفًا و٢٤٨ موظفًا، و٥١ هيئة اقتصادية تضم ٣٤٢ ألف موظف، بينما المحور الثالث متعلق بالإدارة المحلية بواقع ٢ مليون و٨٢٢ ألف موظف.

وأضاف أنه في موازنة العام المالي (2019 – 2020) تم اعتماد حوالي ٣٠١ مليار جنيه لأجور العاملين بالجهاز الإداري للدولة، بخلاف الهيئات الاقتصادية.​

لا نسعى لتقليل عدد العاملين

وبالعودة إلى القانون الجديد، قال وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، محمد نبيل الجمل، إن هدفه الرئيسي مواجهة الكيانات المتطرفة المتوارية، وحماية مؤسسات الدولة مما يرتكبه المنتمون لتيارات معادية للدولة من تعطيل لمصالح المواطنين وتصدير صورة سلبية للجهاز الإداري والعاملين بالدولة.

وشدد رئيس اللجنة، في تصريحات خاصة لـ “مصر 360″، على أن تطبيق قانون “الفصل غير التأديبي” سيتم وفق عدد من الآليات، تضمن عدم وقوع الضرر على الموظفين “الأبرياء”، وتعتمد على إجراء تحقيق للتأكد من تورط الموظف من الانتماء إلى جماعة متطرفة من عدمه، ومن ثم إدارجه على قوائم الإرهابيين المنظمة بأحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، ليتم حينها إصدار قرار بفصل العامل من الجهة التابع لها.

وأوضح الجمل أنه في حال ثبوت عدم انتماء الموظف إلى أي من الكيانات المتطرفة، ورفع اسمه من قوائم الإرهابيين، سيمكنه العودة إلى عمله، وفقًا لنص القانون، مشيرًا إلى أن “القانون لا يهدف مطلقًا إلى تقليل عدد العاملين بالدولة -كما يتصور البعض- لأن الدول لا تبنى ولا يرتفع شأنها إلا بسواعد أبنائها، وأن الهدف من هذا القانون حماية الوطن والمواطن، واستقرار أمنه وسلامته”.