أعلنت هيئة كبار العلماء في السعودية، قبل أيام، تنظيم الإخوان “جماعة إرهابية منحرفة” لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة -في بيان- أن الإخوان “قائمة على منازعة ولاة الأمر، والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد”.

وأكد البيان أنه “منذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثم كان تاريخ هذه الجماعة مليئًا بالشرور والفتن، ومن رَحِمها خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فسادًا مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم”.

سياسة صارمة جديدة

لم يكن بيان الهيئة خارجًا عن السياسة العامة التي اتخذتها المملكة بدءًا من العام 2014، حيث سبق أن أعلنت السعودية في مارس 2014 جماعة “الإخوان” وتنظيمات: “القاعدة – القاعدة في جزيرة العرب – القاعدة في اليمن – داعش – جبهة النصرة – حزب الله” داخل السعودية، و”جماعة الحوثيين”؛ تنظيمات وجهات إرهابية، يحظر الانتماء إليها ودعمها أو التعاطف معها أو الترويج لها أو عقد اجتماعات تحت مظلتها.

في تصنيف مارس 2014، شمل التجريم “التعاطف مع الجماعات والتيارات بأي وسيلة كانت، أو تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها، أو التحريض على شيء من ذلك، أو التشجيع عليه أو الترويج له بالقول أو الكتابة بأي طريقة”.

وعندما جاء محمد بن سلمان وليًا للعهد، لم يكن نهجه بعيدًا عن ذلك، فقد صرح في حوار لبرنامج “60 دقيقة” بشبكة “سي بي إس” الأمريكية، بأن تنظيم الإخوان المسلمين اخترق النظام التعليمي السعودي، مشددًا على أنه سيتم القضاء على عناصر هذه الجماعة في فترة قصيرة، وأنه لا توجد دولة تقبل أن يكون نظامها التعليمي مخترقًا من “جماعة راديكالية”.

خطوات على الأرض

تبع تصريحات ولي العهد ردود فعل من قبل القائمين على العملية التعليمية في السعودية، حيث أشار وزير التربية والتعليم السعودي، أحمد العيسى، إلى بعض رموز الجماعة ممن هربوا من مصر في حقبتي الستينات والسبعينات، والتحقوا بقطاع التدريس في التعليم العام والجامعي السعودي.

وأكد العيسى أن جهود الدولة السعودية في محاربة الفكر المتطرف تتمثل في إعادة صياغة المناهج الدراسية، وتطوير الكتب المدرسية، وضمان خلوها من “منهج الإخوان”، ومنع الكتب المحسوبة على الجماعة من جميع المدارس والجامعات، وكذلك إبعاد كل من يتعاطف مع الجماعة أو فكرها أو رموزها عن أي منصب إشرافي أو من التدريس، إلى جانب التوعية بخطر فكر الجماعة من خلال الأنشطة الفكرية في الجامعات والمدارس.

وكان من أبرز القرارات التي فعلتها وزارة التربية والتعليم السعودية أنّها أوكلت مهمة اجتثاث “الفكر الإخواني” إلى “مركز الوعي الفكري”، الذي أطلقته في ديسمبر من عام 2017، بهدف “تنظيم العمل الفكري، واستئصال الشوائب والأفكار والسلوكيات المنحرفة”.

لم يقتصر الأمر على المستوى الفكري على وزارة التربية والتعليم، فقد أبدت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية، استعدادًا للتعاون مع وزارة التعليم؛ من أجل مراجعة المناهج الدراسية، للتأكد من خلوها من أفكار جماعة الإخوان، وكذلك أبعدت وزارة الشؤون الإسلامية الأئمة والخطباء، الذين ثبت أن لهم صلة بالإخوان أو تعاطفًا معهم أو ميولاً لأفكارهم.

كيف بدأت علاقة المملكة بالإخوان تاريخيًا؟

حرص حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928، على انتهاز كل الفرص للتواصل مع حكام الدول العربية والإسلامية، وفق ما أكد هو نفسه في مذكرات “الدعوة والداعية”، التي أشار فيها إلى ضرورة حضور مواسم الحج لنشر دعوته وتوثيق صلاته بالنظام السعودي الناشئ حديثًا -وقتها- على يد الملك عبدالعزيز بن سعود، الأمر الذي لاقى استجابة من الدولة السعودية الحديثة، لتأكيد شرعيتها الدينية، بتقريب الرموز والشخصيات الإسلامية.

وحدث أن التقى البنا بالملك عبدالعزيز بن سعود في عام 1936، وطلب منه إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبد العزيز الدبلوماسي بالرفض: “كلنا إخوان مسلمون”.

استمرت العلاقات الطيبة بين الجانبين، وكان أكبر مظاهرها أنه خلال زيارة الملك عبدالعزيز بن سعود إلى مصر في عام 1945 استقبلته جوالة الإخوان المسلمين في مطار القاهرة بالترحاب، حاملين المشاعل ومرددين هتافات إسلامية، وحين تحدد موعد زيارته للإسكندرية، تجمعت فرق جوالة الإخوان بالإسكندرية في ملعب الأوليمبي.

ويذكر المرجع الإخواني الشهير يوسف القرضاوي -في مذكراته “ابن القرية والكتاب” عن زيارة الملك عبدالعزيز، أنه كان ضمن جوالة الإخوان في الإسكندرية “كان طلبة الأزهر يكنون مشاعر مودة وتقدير لابن سعود، لما شاع عنه أنه يطبق أحكام الشريعة السمحة، ويقيم الحدود، ويحكم بالكتاب والسنة”.

ما بعد يوليو 1952

بعد اصطدام النظام الناصري بالإخوان، تشكلت مرحلة جديدة للعلاقات السعودية مع التنظيم، حيث فتحت السعودية أبوابها لأعضاء الجماعة الهاربين من حملات الاعتقال التي بلغت ذروتها في مصر عقب حادث المنشية في عام 1954.

ولم يكن ذلك غريبًا، فقد جاء ذلك في إطار الصراع الذي شهدته المنطقة مع الأنظمة المحافظة على رأسها السعودية، التي نظرت إلى النظام الناصري باعتباره نظامًا ثوريًا يهدد استقرار المنطقة. ووظف النظام السعودي ورقة الإخوان كأداة ضغط على النظام المصري.

وبلغت ذروة هذا التوظيف السعودي للإخوان، في اعتراض النظام السعودي على الأحكام الشهيرة التي صدرت في حق قيادات تنظيم 1965 وقضت بإعدام خمسة منهم، كان على رأسهم القيادي الشهير سيد قطب.

ويقول صلاح الخالدي، في كتابه “سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد”، إنه في يوم 28 أغسطس 1966، أرسل الملك فيصل، برقية إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يطلب منه عدم تنفيذ حكم الإعدام بحق سيد قطب.

مرحلة السادات

لم تتغير العلاقة بين السعودية والإخوان كثيًرا في عهد السادات، بالنظر إلى ما شهدته المنطقة من تحالف استراتيجي بين النظامين المصري والسعودي ضد الاتحاد السوفيتي، والذي كان ينظر لدوره على أنه توغلاً وخطرًا يهدد استقرار المنطقة.

في عهد السادات أيضًا، توثقت العلاقات بين المملكة السعودية والإخوان إلى أبعد مراحلها، حيث عُقد أول اجتماع موسع لقيادات الإخوان منذ العهد الناصري في مكة المكرمة في موسم الحج لعام 1973، وتمت إعادة تشكيل مجلس شورى الجماعة، وتكوين لجنة للنظر في عضوية الإخوان العاملين من أجل إعادة بناء هيكل الجماعة.

وشهدت تلك الفترة سفر عدد من أقطاب الإخوان إلى المملكة، ومنهم توفيق الشاوي، وكمال الهلباوي، وعلي جريشة، وأحمد العسال. وشهدت الجامعات السعودية تمددًا للوجود الإخواني، وأسس الإخوان عدد من المدارس الإسلامية.

ولم يقتصر الوجود الإخواني في السعودية على المؤسسات التعليمية والدينية، وإنما امتد للأنشطة الاقتصادية، حيث استوعبت المملكة عددًا من رجال الأعمال، كانت أبرز أنشطتهم الاقتصادية في قطاع البناء والتشييد.

لماذا لم يشكل الإخوان تنظيمًا خاصًا في السعودية؟

حرص تنظيم الإخوان المسلمين على الحفاظ على العلاقات مع السعودية، فلم ينشئ تنظيمًا على غرار ما قام به في عدد من الدول العربية، وفي ذلك يقول الباحث الراحل حسام تمام، في كتابه “تحولات الإخوان المسلمين”، إن امتناع الإخوان عن تأسيس تنظيم لهم في السعودية يرجع إلى تفهم قيادات الجماعة “حساسية النظام السعودي من أي تنظيم ديني يمكن أن ينازعه شرعيته الدينية أو يخالف الدعوة الوهابية التي تأسست المملكة بناءً على تحالف بينها وبين أسرة آل سعود، واكتفى الإخوان بتواجد غير منظم لهم داخل المملكة”.

الشرخ الأول في العلاقة الوطيدة

يعود الشرخ الأول والواضح في العلاقات بين المملكة السعودية وتنظيم الإخوان، إلى موقفهم من الثورة الإسلامية في إيران، التي اندلعت في الأول من عام 1979، حيث سارع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في اجتماع بسويسرا في مايو من العام نفسه، بتشكيل وفد ذهب إلى إيران للتهنئة بالثورة، في وقت كان ينظر النظام السعودي إلى الثورة الإيرانية على أنها تهديد لأمنه وأمن منطقة الخليج، حيث رفعت الثورة الإيرانية منذ قيامها شعار تصدير الثورة خارج إيران، بالإضافة إلى الحساسية الدينية المتمثلة في أن الثورة الإيرانية مرجعيتها المذهب الإثنى عشري الشيعي (الإمامة)، في حين أن النظام السعودي تأسس على المذهب الوهابي، الذي يحمل عداءً لهذا المذهب.

عادت العلاقات السعودية الإخوانية مرة أخرى مع الغزو السوفيتي لأفغانستان، والذي أثار الفزع من الخطر الشيوعي، تحسبًا لأن يزحف على المنطقة، ما دفع إلى تحالفات عربية وغربية، كان في القلب منها النظام السعودي والمصري، فنشأ تحالف أطلقت فيه يد الإخوان مع غيرها من القوى الإسلامية لحشد وتعبئة الشارع العربي والإسلامي للتصدى لغزو السوفييت ومساندة الجهاد الإسلامي.

ويرى حسام تمام في “تحولات الإخوان المسلمين”، أن العلاقات السعودية الإخوانية استمرت في الثمانينيات، وإن لم تكن بنفس قوة وزخم ما كانت عليه في السبعينات.

يعد غزو العراق للكويت عام 1990 لحظة فارقة في تأزم العلاقات السعودية مع تنظيم الإخوان المسلمين، حيث كان الموقف الرسمي للإخوان هو رفض الغزو العراقي للكويت، لكن النظام السعودي لم يرى ذلك كافيًا، خاصةً عندما رفض تنظيم الإخوان الاستعانة بالقوات الأمريكية لتحرير الكويت، وندد بوجود تلك القوات على الأراضي السعودية، ما سبب إحراجًا للسعودية، وترتب على ذلك أن اتخذت في التسعينيات عددًا من الاجراءات ضد تنظيم الإخوان، وأطلقت يد المنابر الإعلامية ضد الإخوان.

تزامن ذلك مع التحالف الأمني بين النظام السعودي والمصري في ملف الجماعات الإسلامية، حيث تم تعيين زكي بدر وزيرًا للداخلية في مصر، بعد انتهاء خدمته كمستشار أمني للسعودية، وقد عُرف بعدائه الشديد للإخوان.

أحداث سبتمبر 2001

كان لتبعات أحداث سبتمبر 2001 التي وقعت على الأراضي الأمريكية، واستهدفت برجى مركز التجارة الدولى بمنهاتن، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية، تأثيرًا على العلاقات السعودية الإخوانية، وتمثلت ذروة التردي في هذه العلاقات في تصريحات وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، التي أطلقها في نوفمبر من 2002 ضد تنظيم الإخوان، حيث قال وقتها: “جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء. كل مشاكلنا وإفرازاتها جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار”.

واستمرت العلاقات بين المملكة السعودية وتنظيم الإخوان المسلمين في التوتر حتى العام 2009 الذي شهد المواجهة بين المملكة والحوثيين في اليمن، وهنا انحازت جماعة الإخوان المسلمين ضد السعودية، ثم تجلى التردي في العلاقات بموقف السعودية الداعم لعزل محمد مرسي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان الملك الراحل عبدالله بن العزيز أول المرحبين ببيان الجيش المصري في 3 يوليو 2013.

والحقيقة أن السعودية حاليًا تدخل في مرحلة سياسية مختلفة تمامًا عن تلك التي تبنتها خلال فترة تأسيسها، وكان للإخوان موقعًا بها، غادرته اليوم مع تمسك الجماعة بأجندتها وطموحها السياسي، الذي ترفضه المملكة المنفتحة أكثر من أي وقت مضى على تبني شعارات الإسلام المعتدل والانفتاح على العالم، مع تعهد من ولي العهد محمد بن سلمان بالمضي قدمًا في “محاربة” ما وصفه بالفكر المتطرف، ملقيًا باللائمة على عقود مضت من التاريخ السياسي للمملكة، ومبشرًا بما وصفه بـ”إسلام معتدل يدعم الانفتاح”، ويواجه مشروع الصحوة، والإسلام السياسي، الذي هو أساس فكر الجماعة التي تأسست على يد حسن البنا في مصر.