يوم الأحد الماضي، كان الزوجان أوجور شاهين وأوزليم توريتشي مع موعد لتلقي أهم مكالمة تليفونية في حياتهما العلمية، وأيضًا في رحلة العالم لمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، أكدت أن عملهما أنتج طفرة قد تقدم للبشرية طريقًا للخروج من الأزمة.

تمكنت شركتهما الألمانية “بيونتك BioNTech”، من تطوير لقاح فعّال (BNT162b2)، بالتعاون مع شركة “فايزر” الأمريكية، نجح بنسبة 90% في توفير الوقاية من المرض، وهو مستوى أعلى بكثير من اللقاحات المستخدمة على نطاق واسع في أمراض أخرى كالأنفلونزا، وفق ما أشارت إليه صحيفة “فاينانشال تايمز”، في تقرير نشرته أمس.

آلية عمل اللقاح الجديد

قال الدكتور شاهين، في حديث للصحيفة البريطانية، إن لقاح شركته الجديد “شبه مثالي في بعض الجوانب”، مضيفًا أنه يعمل عن طريق “تحفيز الجهاز المناعي لإنتاج عدد من الأجسام المضادة المكافحة لمسببات المرض في وقت واحد، على أمل أن يتمكن أحدها أو أكثر من هزيمة الفيروس”، لكنه إلى الآن لا يعرف أيًا منها ينجح بالفعل، متوقعًا أن تصل شركته إلى تفسير أي من هذه الأجسام المضادة يرفع معدل حماية الجسد ضد الفيروس.

ويعتمد اللقاح في عمله على آلية علمية جديدة باستخلاص جزء من الحمض النووي الريبي تم إنتاجه من الفيروس، يحتوي على جسيمات نانوية دهنية تحيط بشريط من المادة الوراثية ذاتها، يحقن بها الإنسان في منطقة الذراع، فتنقل الكبسولة الدهنية حمولتها من الخلايا إلى الجسد، حيث تأمر الخلايا الجديدة خلايا الجسد ببناء بروتين “سبايك”، وهو ما يخبر الجهاز المناعي بكيفية التعرف إلى فيروس كورونا وتدميره، وقد بدأت شركة “بيونتك BioNTech” العمل على هذا اللقاح في يناير الماضي.

من هما الزوجين شاهين وتوريتشي

وفق تقرير لوكالة “رويترز”، فإن أوجور شاهين، وزوجته أوزليم توريتشي، سخرا كل حياتهما في البحث عن سُبل لتعزيز جهاز المناعة خاصة ضد مرض السرطان.

ويتولى شاهين منصب الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة “بيونتك BioNTech” الألمانية والمتخصصة في التكنولوجيا الحيوية، وزوجته توريتشي، زميلته في العمل وعضو مجلس إدارة الشركة ذاتها، التي تأسست قبل 12 عامًا.

شاهين صاحب الـ55 عامًا، هو واحدًا من أغنى 100 ألماني، يعود في أصوله إلى تركيا، ووالده مهاجر تركي كان يعمل في مصنع فورد في كولونيا.

رغم ذلك، يعيش الملياردير مع زوجته وابنتهما المراهقة في شقة متواضعة بالقرب من مكتبهما في مدينة ماينز بألمانيا، ويفضلان قيادة الدراجات عن السيارات.

تبلغ القيمة السوقية لشركته -المدرجة في بورصة ناسداك- نحو 21 مليار دولار، وكانت لا تتجاوز 5 مليارات دولار قبل عام.

سعى شاهين بإصرار لتحقيق حلم طفولته في دراسة الطب ليصبح طبيبًا، وعمل في المستشفيات التعليمية في كولونيا، ومدينة هامبورغ، حيث التقى بتوريتشي خلال مسيرته الأكاديمية المبكرة، وأصبح البحث الطبي وعلم الأورام شغفًا مشتركًا لهما.

وفي العام 2019، حصل الدكتور شاهين على جائزة المصطفى، التي تُمنح كل سنتين للمسلمين في العلوم والتكنولوجيا.

توريتشي ابنة طبيب تركي هاجر إلى ألمانيا، وكانت صرحت في مقابلة إعلامية سابقة أنه حتى في يوم زفافهما، خصصت وزوجها وقتًا للعمل في المختبر.

بدأ الزوجان حياتهما في الطب وريادة الأعمال بشكل أكبر في 2001، وأسسا شركة “غانيمد فارماسيوتيكالز” لتطوير أجسام مضادة لمكافحة السرطان، ولكن شاهين كان حينها أستاذًا في جامعة ماينز، ولم يتخل أبدًا عن البحث الأكاديمي والتعليم.

بعد فوزهما بتمويل من “ميغ أيه جي” و”توماس أند أندريس سترينجمان”، بيعت “غانيمد فارماسيوتيكالز إلى شركة “نوفارتيس” في 2005، والتي باعتها فيما بعد إلى “أستيلاس” اليابانية في 2016 بـ 1.4 مليار دولار.

في 2008، كان شاهين وزوجته وفريق من العلماء منشغلين في تأسس “بيونتك”، لمتابعة الأبحاث لإيجاد علاجات للجهاز المناعي للسرطان.

في يناير الماضي، وبعدما بدأ الحديث عن فيروس كورونا، قام شاهين بتعيين 500 شخص في شركة “بيونتك BioNTech”، للعمل والبحث عن علاجات ولقاحات محتملة، ودخلت بعدها في شراكة مع “فايزر” وشركة “فوسن” الصينية في مارس.

اقتحام سباق اللقاحات

منذ بداية جائحة كورونا تتسابق الدول عبر المراكز العلمية على سرعة إنتاج لقاح يواجه انتشار فيروس كورونا، خاصة أن إيجاد اللقاح له أبعاد صحية وتجارية على حد سواء، ويمثل التحدي الأكبر للبشرية في العصر الحديث، والدولة التي ستتمكن من التوصل إلى اللقاح ستضمن مكاسب تفوق المليارات.

ويخوض سباق تطوير لقاح كورونا أكثر من 170 مجموعة بحثية حول العالم، يتنافسون فيما بينهم لإيجاد لقاح قادر على وقف تفشي فيروس كورونا، إلا أن هناك 9 تجرب أثبتت فعاليتها بنسبة مقبولة للاستمرار في المنافسة.

سبوتنيك 5

في وقت سابق، أعلن وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو، تجهيز موسكو لحملة تطعيم جماعي ضد فيروس كورونا المستجد، مشيرًا إلى إنتهاء التجارب السريرية لأحد اللقاحات، ومن ثم يبدأ معهد جاماليا البحثي الروسي في تنفيذ توزيع اللقاح وانتاجه بشكل موسع.

بعد ذلك بفترة وجيزة، نقلت عدد من المواقع الإلكترونية تناول إحدى بنات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقار “سبوتنيك 5” في محاولة للتأكيد على صالحية اللقاح.

لقاحات فرنسية بريطانية بتمويل أمريكي

دخلت فرنسا وبريطانيا أيضًا سباق البحث عن اللقاح، إذ أعلنت سانوفي الفرنسية بالاشتراك مع شركة غلاكسو سميث كلاين البريطانية، توصلهما إلى نتائج متطورة، بتمويل أمريكي يقضي لمد الولايات المتحدة الأمريكية بـ 100 مليون جرعة مقابل 2.1 مليار دولار أمريكي.

وفي هذا الصدد، قال وزير الصحة الأمريكي، أليكس آزار، إن مجموعة اللقاحات التي تم الاتفاق بشأنها في إطار البرنامج الحكومي تزيد من فرص الحصول على لقاح واحد على الأقل آمن وفعال بحلول نهاية 2020 ، لذا يأمل العالم إلى الوصول إلى لقاح قادر على وقف تفشي فيروس كورونا.

ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي اليوناني لشركة "فايزر"

كوفيد فاك الصيني

اعتمدت الصين على لقاح تم تطويره سريعا تحت اسم “كوفيد فاك” وتم اعتماده محليًا وتوزيعه على الموطنين ضمن خطة استخدام طارئ، إلا أن حادثة وقعت في البرازيل وصمت اللقاح بـ”السيئ السمعة”.

وأعلنت الصين منذ أيام، وقف استخدام اللقاح الصيني نظرًا لوقوع حادثة غامضة، دون الكشف عن طبيعة الحادثة التي وصفت بالخطيرة.

احتفاء خاص بـ”فايزر”

وتعمل BioNTech وPfizer معًا على لقاح الأنفلونزا منذ عام 2018، وفي مارس اتفقا على التعاون لابتكار لقاح ضد فيروس كورونا.

ومنذ ذلك الحين طور الدكتور شاهين صداقة مع ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي اليوناني لشركة “فايزر”. وقال الدكتور شاهين: “لقد أدركنا أنه من اليونان، وأنني من تركيا”، دون الإشارة إلى العداء الطويل الأمد في بلدانهم الأصلية. “لقد كان شخصية ودودة للغاية منذ البداية”.