تبرز الاشتباكات المسلحة الأخيرة التي وقعت بين جبهة البوليساريو، من جهة، والقوات المغربية، من جهة أخرى، الحالة المأزومة والقديمة في ما يخص النزاع على الصحراء الغربية بين الطرفين، والتي تعود إلى عقود سابقة، وتحديداً حول معبر الكركرات الحدودي، الذي يصل بين الصحراء المغربية وموريتانياً، لاسيما وأن المعبر يعد مجالاً حيوياً لعمليات التجارة مع إفريقيا.

بيد أن وقوعه في قبضة الجبهة التي تضغط من أجل الانفصال عن المغرب، يجعل الأوضاع مرشحة للتصعيد طوال الوقت.

شهدت منطقة الكركرات التي تخضع إلى مراقبة قوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة، منذ العام 1991، توترات سابقة، من أبرزها الاشتباكات التي جرت مطلع العام 2017، وذلك على خلفية الأسباب ذاتها، المتمثلة في احتجاج الجبهة الانفصالية على حركة المرور في هذه النقطة الحدودية من جانب الحكومة المغربية، وتعبرها “غير قانونية”.

البوليساريو تؤكد تواصل المعارك في الصحراء الغربية

كما أنه، قبل عامين، حدثت توترات أخرى على مستوى مختلف، وذلك حين اكتشفت المملكة المغربية وجود صلات دعم تحصل عليها جبهة البوليساريو من جانب إيران، ما ترتب عليها قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وطرد السفير الإيراني في الرباط، إضافة إلى إغلاق السفارة المغربية في طهران.

ولاحقت الملحق الثقافي الإيراني في الجزائر، أمير طاهري، اتهامات مباشرة تتعلق بقيامه بعمليات تنسيق مع حزب الله اللبناني، لجهة تدريب عناصر من جبهة البوليساريو.

دور حزب الله اللبناني

وفي غضون ذلك، قال وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إن ثمة صلات مباشرة تربط بين جبهة البوليساريو، التي تسعى إلى الانفصال والاستقلال عن الصحراء المغربية، وجماعة حزب الله بلبنان؛ يتمثل في تقديم الأخيرة الدعم اللوجيستي والمالي، بالإضافة إلى خبرات التدريب العسكري إلى أعضاء وعناصر الجبهة.

وبحسب تصريحات رسمية صادرة عن الناطق باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، فقد تم الكشف عن جوازات سفر دبلوماسية إيرانية منحتها طهران لعناصر جبهة البوليساريو، لتسهيل حرية السفر والحركة، وتشكيل غطاء آمن من الناحية الأمنية والاستخباراتية، للمشاركة في الاجتماعات الدولية، وقد منحت هذه الجوازات من قبل أحد موظفي السفارة الإيرانية بالجزائر.

خلال الشهر الماضي، قامت الجبهة بغلق الممر الحدودي، ما تسبب في تعطل حركة المرور، وقد علق نحو مائتي سائق مغربي بشاحناتهم، ووجهوا، الأسبوع الماضي، نداء استغاثة إلى كل من الرباط ونواكشوط، قالوا فيه “إنهم عالقون عند الكركرات، بعدما منعتهم البوليساريو من العبور”.

وقد أوضح الناطق بلسان الخارجية المغربية، أن “108 شخصاً يعملون في نقل البضائع، عالقون في الجانب الموريتاني من الحدود، و78 آخرين في الجانب الآخر، في شاحنات من بلدان مختلفة من المغرب وموريتانيا وفرنسا”.

وعليه، تم إرسال قوات لإعادة فتح الطريق أمام حركة المرور، وبناء جدار رملي جديد لمنع عناصر البوليساريو أو أنصاره المدنيين من العودة إلى هناك، خاصة وأن الأمم المتحدة طالبت كافة الأطراف المعنية العمل على التوصل إلى “حلول سياسية واقعية وعملية ودائمة بناء على حلول وسط”. 

“هجرة الشباب المغاربي”.. مغادرة الأوطان من أجل حياة أفضل

وفي حديثه لـ”مصر 360″، يقول الصحفي المغربي، محمد بن أمحمد العلوي، إنه “بعد سحب عدد من الدول اعترافها بجبهة البوليساريو، وتيقن قيادة الجبهة الانفصالية بأنه لا مجال لخلق دويلة على تخوم الحدود المغربية، عملت على الدفع بالنساء والأطفال، فضلاً عن عدد من المنتسبين للمليشيات التابعة لها، في زي مدني بهدف قطع الطريق التجاري، الذي يقع في معبر الكركرات الفاصل بين مورتيناتيا والمغرب، منذ شهر، بشكل استفزازي، ما جعل المغرب في نهاية المطاف أمام ضرورة ملحة، تتطلب أن يتدخل في عملية دقيقة واحترافية لتحرير المعبر من عناصر البوليساريو الذين فروا من المنطقة”. 

ويضيف: “التدخل الذي قامت به القوات المسلحة الملكية بمعبر الكركرات، هدفه ليس قتالياً بل أمني لإعادة الاستقرار للمنطقة الي كادت ملشيات بوليساريو أن تفاقمه باستفزازها، وتدخل القوات المغربية كان مؤطرا بالشرعية الدولية، واالقانون الدولي، كون المغرب يمارس سيادته على إقليمه”.

طموح البوليساريو

وواقع الحال، إن بوليساريو كانت تريد خلق واقع آخر على الأرض، بعدما عملت على إفشال كافة المبادرات السياسية والدبلوماسية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة، بحسب الصحفي المغربي، خصوصاً في الموائد المستديرة التي أدارها المبعوث الاممي السابق هورست كوهلر، بجنيف، العام الماضي، بينما حضرها ممثلون عن الجزائر وبوليساريو موريتانيا إلى جانب المغرب.

وكانت الجبهة تراهن على الوقت كي تنفذ خطة تثبيت الوجود المادي بالمنطقة العازلة، ولكن التحرك المغربي الأخير جاء بترتيب استراتيجي بعيد المدى، وتمكن من إجهاض أي خطوة متهورة تهدد أمن استقرار المغرب والمنطقة.

“لابد من القول أن الدعم العربي والإفريقي الذي عبر عنه عدد من الدول، يؤكد على سلامة الموقف المغربي المبني على الشرعية الدولية، وتأكيداً لسيادة المغرب على صحرائه؛ وعلى هذا استند الرد المغربي على استفزازات البوليساريو، وبدعم جزائري واضح، على ثلاثة معايير؛ الأول شرعية اختياراته للحل السلمي والواقعي لإنهاء النزاع المفتعل، ثانياً، الردع العسكري لتأمين الأرض والأفراد، وضمان سهولة حركة السير من وإلى المغرب عبر معبر الكركرات كممر تجاري حيوي، ثالثاً، الحصول على إجماع دولي على شرعية التدخلن وإنهاء حالة اللاأمن الذي كانت تشكله عناصر بوليساريو في المنطقة العازلة، وتهديد حركة السير بالمعبر واستفزاز وتهديد تواجد بعثة المينورسو المكلفة بمراقبة وقف اطلاق النار”. يقول بن أمحمد العلوي.