تمثل مها، 5,6 امرأة و15 مليون طفل، تشتتهم الظروف الاجتماعية، وقانون الأحوال الشخصية

قبل سبعة أعوام، كانت مها -اسم مستعار حفاظًا على خصوصية المصدر- متزوجة في ظروف تقليدية لا تختلف في تفاصيلها كثيرًا عن مثيلاتها.

ظلت مها في مشاكل مع زوجها لمدة ثلاث سنوات أنجبت خلالها طفلة، لكن الحياة استحالت في ظل مشاكل أسرية تتفاقم، فوقع الانفصال -لا الطلاق- بعد ثلاث أعوام.

في الفترة من 2016 إلى 2018، كانت مها لا تزال على ذمة زوجها، تحاول التفاهم معه وديًا من أجل ضمان حياة سوية لطفلتها التي عاشت تلك الظروف بينما لم تتجاوز العامين.

مع تعنت الزوج في الوفاء بالتزامته الأبوية بحق طفلته، وتنصله من مسؤولياته المادية بشكل عام، اضطرت مها لرفع قضية نفقة لها ولابنتها.

400 جنيه

حُكم لمها وابنتها بنفقة، قيمتها 400 جنيه فقط. ثم رفعت دعوى طلاق للضرر، أعفته فيها من حقوقها المنصوص عليها قانونًا، لكنها تمسكت بحقوق ابنتها، التي لم تحصل عليها حتى موعد كتابة تلك السطور.

تقول مها عن قضيتها: “حكمت لي المحكمة بـ400 جنيه، ومبلغ مماثل لابنتي، بعدما تعثرت في إثبات إجمالي راتب زوجي”.

ولم تتمكن مها من إثبات إجمالي راتب زوجها لامتناع الشركة التي يعمل بها عن مدّها بأية معلومات عن مفردات مرتبه، فضلاً عن أن الراتب المثبت في التأمينات هو الأجر الأساسي فقط وهو أقل بكثير عما يتقاضيه فعليًا.

وتقدم الزوج بورقة أمام المحكمة ادعى بموجبها أنه فصل من العمل، وليس لديه دخل. “كان يحاول التنصل من سداد النفقة”؛ تقول مها، التي حكمت لها المحكمة بمبلغ 500 جنيه فقط، تتسلمه وابنتها من بنك ناصر شهريًا.

اقرأ أيضًا: هربًا من بيت الطاعة.. دعاوى الخلع وسيلة المرأة لنيل الحرية

70% من دعاوى محكمة الأسرة

تزيد نسبة دعاوى النفقة على 70% من إجمالي الدعاوى المقدمة أمام محاكم الأسرة على مستوى الجمهورية، وفق إحصائية حديثة أعلن عنها المجلس القومي للمرأة.

وتمثل قضايا الرؤية 4% من هذه القضايا، فيما تتصدر النفقة قائمة الشكاوى التي ترد إلى مكتب شكاوى المرأة بالمجلس، وتليها الرؤية، ثم التطليق للضرر، ثم مكاتب تسوية المنازعات، وأخيرًا الخلع.

وتواجه النساء إشكاليات عدة عند رفع دعاوى النفقة، منها ما يتعلق بإجراءات رفع الدعوى والتحري عن الدخل، خاصة إذا كان الزوج من ذوي المهن الحرة. ولا يسجل بعض الأزواج رواتبهم الحقيقية، وفي هذه الحالة، تكون رؤية القاضي وخبرته هي الحاكمة للأمور.

ومن ناحية أخرى، تواجه النساء الحاصلات على أحكام قضائية متعلقة بالنفقة، معوقات عديدة عند تنفيذ الأحكام؛ لأن الغالبية العظمى من الرجال الصادرة ضدهم أحكامًا تلزمهم بسداد نفقات الصغار، يتحايلون على القانون.

تتابع “مها” حديثها عن أزمتها: “بعدما أصبحت معلقة على ذمته لمدة عامين لأنه يرفض الطلاق الودي، رفعت دعوى طلاق للضرر حكم لي فيها في أبريل 2018”.

ووفق للحكم الصادر بشأن تطليقها للضرر، تقاسمت “مها” مع طليقها كل محتويات القائمة، وتركت له منزل الزوجية، لأنه كان ببيت عائلته، وهناك شبه استحالة أن تسكن معهم، فيما طالبته بدفع إيجار الشقة التي تقطن بها مع ابنتها، بالقرب من محل عملها ومدرسة الطفلة، لكنه رفض، حسبما أكدت.

اقرأ أيضًا: “إثبات النسب”.. روتين قاتل للأمهات وتهديد للمجتمع

5.6 مليون مطلقة

ويقدر عدد المطلقات في مصر، طبقًا للأرقام الرسمية، بأكثر من 5.6 مليون على يد مأذون، ما نتج عنه تشريد ما يقرب من 7 ملايين طفل، بالإضافة إلى 250 ألف حالة خلع.

كما تشير الإحصاءات الصادرة عن المركز القومي للحقوق للبحوث الجنائية والاجتماعية إلى أن عدد أطفال الشقاق وصل إلى 15 مليون طفل تقريبًا، مشتتين بين أسر مفككة تعاني خلافات زوجية مزمنة.

بعد قضية “الطلاق للضرر”، اضطرت “مها” لإقامة دعوى قضائية ثالثة لمطالبة طليقها بدفع نفقة ابنتها وإيجار الشقة ومصاريف المدرسة، وحُكم لها بـ800 جنيه.

وعقب منازعات ومناورات من محامي طليقها، عقد اتفاق وُثق في محكمة الأسرة في يونيو 2018، نص على أن يدفع هو حضانة الطفلة 150 جنيهًا، و300 جنيه إيجار شقة.

وفعليًا، تدفع “مها” تدفع فعليًا 1300 جنيه إيجار للشقة، تصل إلى 1600 جنيه باحتساب قيم فواتير الغاز والكهرباء، فضلاً عن مصاريف مدرسة ابنتها التجريبية، وتعادل 3000 جنيه في العام.

وسط كل هذا، فوجئت “مها” بدعوى جديدة من طليقها يطلب حق الرؤية، وإلزامها بلقاء أسبوعي في نادي اجتماعي، لم يلتزم طليقها به في الأخير، حسبما أشارت.

وضمن ما وصفته “مها” بـ”المكايدة”، تسلمت إنذارًا جديدًا على يد محضر، بدعوى قضائية أخرى من طليقها، يطالبها بنقل ابنته من مدرسة تجريبية إلى أخرى حكومية، لعدم تمكنه من دفع المصاريف، التي لا يدفعها أصلاً.

مليون و500 ألف دعوى سنويًا

قصة “مها” ضمن قرابة مليون و500 ألف دعوى سنويًا، تستقبلها محاكم الأسرة في مصر طبقًا لأحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000، وذلك وفقًا لإحصائية رسمية صادرة من وزارة العدل المصرية في 2018.

هذه الأعداد الضخمة في الدعاوى القضائية، والتفاصيل الروتينية والتحايل على القانون، كانت دافع لمطالبات مستمرة بتعديل قانون الأحوال الشخصية المعمول به من حوالي عقدين من الزمان في مصر، وسط تطلع حقوقي كبير لقانون متكامل، يحقق الاستقرار والعدل للطرف الأضعف في العلاقة، وخاصة الأبناء باعتبارهم المتضرر الأكبر.

ورغم التعديلات التي أقرها مجلس النواب في دورته الأخيرة، على قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000، إلا أنها مؤجلة إلى الدورة التشريعية المقبلة، لتنظيم بعض أحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر، من خلال مشروع قانون مقدم من النائبة هبة هجرس مع أكثر من عُشر عدد أعضاء المجلس.

بينما أعلن مجلس الشورى أن تعديلات قانون الأحوال الشخصية على رأس أجندته التشريعية الحالية.

هذه التعديلات، كانت محل جدل وخلاف مجتمعي كبير، لا سيما أن الأحوال الشخصية في مصر، تحت مظلة أربعة قوانين وهي القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته و25 لسنة 1929 وتعديلاته والمعنيان بجزئية النفقة، وقانون رقم 1 لسنة 2000، والخاص بإجراءات التقاضي، وقانون 10 لسنة 2014 والخاص بإنشاء محاكم الأسرة.

اقرأ أيضًا: تأجير شقة.. “متاح للعائلات ممنوع على المطلقات”

وتنظم تلك القوانين قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية، وحقوق المحضون، من حق فى النسب، وحق فى الإنفاق عليه. وهنا تأتي المعضلة الأولى.

أما المعضلة الثانية فتمس جوهر التعديلات متعلقة بطول فترة التقاضي، ومرور أكثر من عقدين من الزمان على القانون الحالي، وانخفاض القوة الشرائية للمبالغ المحكوم بها، فضلاً عن الخلاف الرئيس المتعلق بنص المادة 20 من القانون الحالي، المتعلقة بحق حضانة النساء ببلوغ الصغير او الصغيرة سن الخامسة عشرة.

وكانت مؤسسة قضايا المرأة -منظمة مجتمع مدني مصرية- أشارت في دراسة لها صادرة في عام 2018، بشأن التكلفة الاقتصادية لقضايا محاكم الأسرة تحديدًا الطلاق في مصر، إلى أن متوسط المدة المنقضية لرفع الدعوى في القضايا التي كانت منظورة وقت الدراسة في إقليم القاهرة الكبرى، تراوحت من أقل من شهر إلى 48 شهرًا.

وطبق الدراسة نفسها تراوحت قيمة ما تقاضاه المحامون فى القضايا التى كانت منظورة وقت الدراسة من 50 جنيهًا إلى 17 ألف جنيهًا. لكن الدراسة نفسها لاحظت ارتفاع الأتعاب بالنسبة لمختلف أنواع القضايا، بالمقارنة بين متوسطات الأتعاب المدفوعة لكل نوع من القضايا محل الدراسة، ومتوسطات الأتعاب المدفوعة للقضايا الحالية.

اقرأ أيضًا: عزة كامل: خطاب الدولة عن المرأة متقدم.. والواقع “حاجة تانية” (حوار)

ولفتت الدراسة إلى أن طول مدة التقاضي كان لها آثارها في صورة بنود تكلفة غير مالية؛ فكلما طالت المدة طالت المعاناة.

كما أن المحامين الذين يستغلون ثغرات في القانون تسمح لهم بإضافات زمنية للتنكيل بالخصوم، أو لتأجيل عبء سوف يتحمله موكله حين يصدر الحكم ضده. وأشارت الدراسة إلى أن التنكيل بالخصوم ليس تنكيلًا نفسيًا فقط بل ماليًا أيضًا، إذ تتأجل استفادة المستحقين للنفقات على سبيل المثال كلما طالت مدة التقاضي.

أما بشأن التكلفة النفسية، أشارت دراسة أخرى لمؤسسة قضايا المرأة، إلى أن الأثار النفسية لحرمان الأم من حضانة أطفالها، تتضمن “خوفها من فقدانها حضانة أطفالها يؤثر على سير حياتها اليومية وإنكار حقها في الزواج للمرة الثانية زاد من الضغوط الواقعة عليها”.

هذا فضلًا عن “عدم القدرة على اتخاذ قرارات منطقية والحيرة وزيادة حدة التوتر، فاختيار الزواج عرفيًا كأحد المحاولات لخلق حالة التوازن النفسي بوجود سند حقيقي لها ووجود أطفالها معها ظنًا منها بأن ذلك حل للاحتفاظ بالحضانة”.

ومن الآثار النفسية الواقعة على المرأة أيضًا “الخوف من مواجهة المجتمع بالزواج الثانى رغم أحقيتها به -الخوف من الوصمة المجتمعية-، والشعور بالذنب تجاه نفسها بتنازلها عن حقها في الزواج العرفي واتجاه طفلها إذا ما حولت الزواج العرفي لرسمي، ما قد يؤدي لفقدان أطفالها”.