بينما انشغلت وفود وسائل الإعلام العالمية، بتغطية الكشف الأثري الأكبر في سقارة، كانت الصحافة المصرية، تتعرض لسيل من العبارات التي حملت إهانة للصحفيين، صدرت عن وزير الآثار خالد العناني.
“أنا صارف عليكم مليون إلا ربع عشان أجيبكم هنا… أنتوا جايين تشتغلوا ولا تقعدوا… اللي مش عاجبه مشوفش وشه تاني”
هذه الواقعة، التي كادت تُفسد روعة المشهد المصري في أعين العالم مع هذا الحدث الكبير، بدأت منذ اللحظة الأولى التي أهل فيها الوزير على خيمة المؤتمر الصحفي، وفق روايات شهود من الزملاء الصحفيين.
“وصل الوزير متجهمًا منفعلاً إلى حيث يقف الصحفيين خارج خيمة المؤتمر، حيث وجه لهم إهانات شديدة”؛ وفق ما أوضحت مذكرة تفصيلية، تقدم بها عدد من صحفيي ملف السياحة والآثار إلى نقيبهم ضياء رشوان.
المذكرة التي حملت توقيع عدد كبير، بينهم صحفيون من “الفجر – الأهرام – البوابة نيوز – وكالة أنباء الشرق الأوسط – الجمهورية – روزاليوسف – النهار – الوفد – مصراوي”، عددت تلك الإساءات وطالبت برد فوري.
مقاعد في الكواليس
كان من بين ما تعرض له ممثلو الصحافة المصرية في هذا الحدث العالمي، ما اكتشفوه من عدم توفير مقاعد مخصصة لهم لمتابعة الإعلان عن تفاصيل الكشف الأثري، إلا “خلف الكواليس”.
“حاول الزملاء الصحفيون الاستفسار من زميلتهم نيفين العارف المستشار الإعلامي للوزير، فكان الرد بأن مقاعدهم هناك… خلف كاميرات القنوات ووكالات الأنباء العالمية” وفق ما أوضحت مذكرتهم لنقيب الصحفيين.
وهي واقعة تكررت -وفقهم- في المؤتمر السابق مباشرة، والذي كان يتضمن أيضًا تفاصيل الإعلان عن كشف أثري بسقارة.
وفيما يخص تصرفات الوزير مع الصحفيين السبت، ذكرت المذكرة أن الوزير الذي أتى متجهمًا تعمد الإساءة إليهم بقوله “أنا صارف عليكم مليون إلا ربع علشان أجيبكم هنا”، ومطالبته مسشارته الإعلامية بعدم دعوة الصحفيين مرة أخرى.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن الوزير واجه اعتراض الصحفيين على الإساءة إليهم، بعبارات “اللي مش عاجبه مشوفش وشه تاني… أنا وزير بقالي ٥ سنين مش هتعرفوني شغلي”.
طالب الصحفيون ممن حضروا هذه الواقعة نقابتهم بمحاسبة المسشارة الإلامية للوزير، لأنها لم تتحرك لتهدئة الموقف، ولم تعتذر لزملائها، و”كأنها تبرأت من مهنة الصحافة وأصبحت موظفة لدى الوزير”، على حد قولهم.
وشدد الموقعون على المذكرة على ضرورة أن يتقدم الوزير بالاعتذار رسميًا، بصفته وليس من ينوب عنه “ردًا لكرامة واعتبار أعضاء نقابة الصحفيين التي أهدرت”، كما أوضح البيان.
بيان من أعضاء مجلس
في صباح الإثنين، نشر عدد من أعضاء المجلس بيان إدانة بعد يوم من تقديم الصحفيين مذكرتهم الرسمية للنقابة، مؤكدين على أن مجلس النقابة بالكامل يشعر بالغضب والصدمة، ويتضامن بشكل كامل مع الزملاء.
كما أعلن أعضاء المجلس السبعة؛ جمال عبد الرحيم – محمد خراجة – هشام يونس – محمود كامل – حماد الرحمي – عمرو بدر – محمد سعد عبد الحفيظ، مناقشة مذكرة زملائهم خلال اجتماع المجلس هذا الأسبوع.
وأشار بيان أعضاء المجلس إلى تقديم مقترحات عملية ملزمة يصدر بها قرار رسمي من المجلس، بما يحفظ كرامة الصحفيين ومهنتهم السامية، رافضين الطريقة التي قوبل بها الزملاء من الوزير.
وقال عمرو بدر، عضو مجلس نقابة الصحفيين، إن “الوزير تعامل كما لو كانت الوزارة ملكية خاصة، أو كما لو أن الصحفيين يعملون موظفين تحت رئاسته”.
في تصنيف حرية الصحافة لعام 2020، الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” المعنية برصد واقع الصحافة والإعلام في العالم، احتلت مصر المرتبة 166 من أصل 180 دولة، متخلفة 5 مراكز عن تصنيف 2018.
وأضاف بدر، لـ “مصر360″، أن ما فعله الوزير “مرفوض ومخالف للقانون الذي ينظم العلاقة بين الوزير والصحفيين”، لافتًا إلى أنه سيحرص على المطالبة بمقاطعة أخبار الوزير والوزارة.
وجدد 23 صحفيًا مطالبهم، في بيان لأعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، باعتذار الوزير خالد العناني، وإقالة نيفين العارف المستشار الإعلامي، رافضين ما تعرض له زملائهم.
وجاء بالبيان الذي نشر أمس: “حينما يدّعى وزير ومسؤول سياسي في محفل يفترض به أنه دولي، يدّعي أنه أنفق على الصحفيين 750 ألف جنيه، إنه بقوله هذا تستوجب مساءلته: فيما أنفقت هذه الأموال؟!”
وتابع البيان أن “الصحفيين لم يكن لهم مقاعد بالأساس يجلسون عليها، وكل ما تكلفته الوزارة هو الأتوبيس، وسيلة الانتقال من أمام مبنى وزارة الآثار بالزمالك إلى موقع الكشف الأثري بسقارة، علمًا بأن الصحفيين عادوا من موقع الكشف سيرًا على الأقدام بسبب رفض الوزارة إعادتهم، حينما رفضوا لقاء الوزير بعد تعرضهم للإهانة”.
وأشار البيان أيضًا إلى إزالة مندوب الصحف من الجروب الرسمي، الذي يتم إرسال البيانات الصحفية عليه في الساعة الثانية صباح يوم الأزمة، وهو الأمر الذي اعتبره البيان “مثيرًا للضحك”، ويؤكد أن الوزير “بات ليلته يُخطط لطريقة يعاقب بها الصحفيين”.
بيان الوزارة ورد النقيب
وفي بيان رسمي، مثّل شيئًا من الاستجابة لطلب الصحفيين دون اعتذار حقيقي، علقت وزارة السياحة والآثار، على المذكرة التي تقدم بها مندوبي الصحف لتغطية نشاط الوزارة.
وقالت الوزارة: “بمناسبة الكشف الأثري الكبير الذي تم الإعلان عنه السبت الماضي بمنطقة آثار سقارة، بحضور أكثر من 200 صحفي وإعلامي مصري ومراسل أجنبي.. تؤكد وزارة السياحة والآثار احترامها وتقديرها الكاملين لمهنة الصحافة وكل الصحفيين”.
وأضافت: “وإذ تعبر الوزارة عن حرصها الشديد على التعاون مع الصحفيين المختصين بملف الآثار، والذين لعبوا دورا هاما خلال السنوات الماضية، في إبراز إنجازات الوزارة من افتتاحات واكتشافات أثرية عديدة بمختلف أنحاء الجمهورية، فإنها تؤكد أيضًا عزمها على الاستمرار في تقديم التعاون الوثيق معهم جميعا لتسهيل أداء عملهم وتوصيل الصورة الحقيقية لما يتم في مصر من جهود متواصلة في مجال الآثار، بما يليق بتاريخها العظيم، وذلك في إطار العمل المشترك والاحترام المتبادل”.
وفي أول تعليق منه على الأزمة، أعرب نقيب الصحفيين ضياء رشوان عن ترحيبه ببيان الوزارة، وأعلن أنه بعد التواصل مع الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار، تم الاتفاق على تنظيم لقاء مشترك خلال أسبوع لتوثيق تعاون الزملاء مندوبي الصحافة المصرية بالوزارة وتسهيل عملهم وحل أي مشكلات أو عوائق تقف في طريقه، وتجاوز ما لحق بهذا التعاون من بعض الشوائب.
كما أشار أنه سيسبق هذا الاجتماع دعوة الزملاء المعنيين للاجتماع بالنقابة معه، لبحث مطالبهم المتعلقة بتسهيل عملهم الصحفي بالوزارة.