في الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي، أعلنت وزارة الزراعة العراقية، منع استيراد محصول الرمان لوفرته محليًا.

وكانت بغداد أعلنت الاكتفاء الذاتي خلال العام الماضي، من الرمان، الطماطم، الخيار، البطاطا، الباذنجان، القرنبيط، الجزر، النبق، الخس، الذرة الصفراء، التمر، البطيخ، الثوم، البصل الأخضر، لكنها أوقفت استيراد الرمان فقط.

في الفترة من يناير الماضي وحتى أكتوبر، تخطت الصادرات الزراعية المصرية 4.3 مليون طن.

واحتلت مصر المرتبة الثانية عالميًا في تصدير الموالح هذا العام، بنسبة مليون و400 ألف طن، بحسب وزارة الزراعة.

لكن رغم هذا الإنجاز الكبير، لم تتجاوز صادرات الرمان 76 ألف طن مقارنة بـ 120 ألف طن في العام الماضي 2019، ليأتي قرار العراق موجهًا ضربة قاسية إلى مزارعي ومصدري الرمان في مصر، الذين خسروا سوقًا تستوعب نحو نصف صادرات مصر من هذا المحصول.

الشحنة الأخيرة

محسن ناصف، وهو مزارع ومورد ومصدر لمحصول الرمان بمركز البداري في أسيوط، قال، لـ”مصر 360″، إنهم فوجئوا بداية الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر، بالشركات التي كانت تشتري منهم محصول الرمان بغرض التصدير، تخبرهم بأن هذه آخر “شحنة” ولن يتم إبرام اتفاقات جديدة لأن الحكومة العراقية، أصدرت قرارًا بوقف استيراد الرمان.

الوقت لم يكن في صالح مزارعي الرمان، فقرار العراق جاء في فترة ذروة الإنتاج المصري، ولابد من جني المحصول، ما اضطرهم لتصريف المحصول في السوق المحلية بأي سعر، إذ بقاء الثمار على الأشجار يمثل أزمة للفلاح، وعبئًا على الشجرة نفسها في العام المقبل، وفق ما أشار “ناصف”.

هذا الوضع دفع المزارعين إلى الهجوم على السوق المحلية، على حد تعبير أحدهم، وهنا وقعت الأزمة.

خسائر بعض المزارعين تقدر بنحو 200 ألف جنيه هذا العام

قال صلاح عبد الوارث، وهو مزارع مستأجر لمزرعة رمان مساحتها 20 فدانًا بالبداري في أسيوط: “كنت بالفعل أجني المحصول، عندما جاءني اتصال من المورد بأنه لن يتمكن من الاستلام لأن المصدر أخبره أن العراق أغلق الأسواق أمام استيراد محصول الرمان، فاضطررت إلى تصريفه في السوق المحلية، بأي ثمن، خوفًا من تلفه”.

أحدث هذا الدفع بالمحصول إلى السوق المحلية إغراقًا، انخفضت على إثره الأسعار إلى درجة لم يشهدها السوق من قبل “اضطررنا إلى بيع المحصول بأسعار هزيلة تراوحت بين جنيه، وجنيهًا ونصف الجنيه للكيلو”.

اقرأ أيضًا: حلم العودة يتجدد.. العمالة المصرية في انتظار “كعكة” عقود إعمار العراق

ووفق “عبد الوارث”، فإن إغراق السوق المحلية بالمحصول المخصص للتصدير أضر أيضًا بالمحصول الأقل جودة، والذي كان يُدفع به إلى السوق المحلية “يمكنك أن ترى الآن كميات كبيرة من المحصول المخصص للسوق المحلية ملقاة على جانبي الطرقات في البداري، وغيرها من مراكز أسيوط”.

خسائر وديون

ويقدر “عبد الوارث” خسائره بنحو 200 ألف جنيه هذا العام، مشيرًا إلى أن الكثير من المزارعين اقترضوا في بداية الموسم من بنك “التنمية والائتمان الزراعي” لسد تكلفة رش وتسميد أشجار الرمان، وأصبحوا الآن غير قادرين على تسديد ديونهم.

ممن تعرضوا لخسائر فادحة بسبب القرار العراقي، المهندس أشرف العاصي، صاحب مزرعة رمان بوادي النطرون، الذي لجأ إلى موردي السوق المحلية، والذين لم يزيدوا السعر عن جنيه واحد للكيلو، فخضع وغيره لهذا السعر، واضطر للبيع لأنه يدرك أن السوق انهار بالفعل.

“لم تكن لدي قدرة على التخزين، فهذا أمر يحتاج إلى ثلاجات وإمكانات أكبر من قدرتي كمزارع أمتلك مساحة صغيرة أو متوسطة، والتخزين في حد ذاته مغامرة في مثل وضعنا”.

وضع ملتبس

وأوضح الدكتور أحمد العطار رئيس الحجر الزراعي، لـ”مصر 360″ في مكالمة تلفونية أجريناها معه، أنه “لم يتسلم أي قرار من دولة العراق بوقف استيرادها محصول الرمان”، مضيفًا أنه لم يصدر أي تعليمات بوقف التصدير، وما يتم تناوله لا يعدو كلام جرائد، على حد قوله.

ويعلق “ناصف”: “صحيح أنه لم يصل إخطار رسمي من العراق بوقف التصدير، كما يقول مسؤولو الزراعة، لكن المصدرين المصريين لم يتمكنوا من إبرام عقود جديدة مع المستوردين العراقيين، والذين أكدوا على صدور القرار”.

ويضيف ناصف أنه حتى لو هناك وسيلة تمكنا من عقد اتفاق مبدئي لتصدير شحنة من الرمان مع أحد الموردين العراقيين، فلا أحد يستطيع خوض هذه المغامرة، فمن يدري أنه سيتم السماح لها بالدخول من قبل السلطات العراقية، خاصة وأن أخبار وقف تصدير الرمان قد ملأت في ذلك الوقت المواقع العراقية والمصرية.

فتح أسواق جديدة

من جانبها، أعلنت وزارة الزراعة أخيرًا على لسان مسؤوليها، عن فتح أسواق جديدة، أمام صادرات مصر من الخضروات والفاكهة، خاصة الموالح.

كما أعلنت عن رفع السلطات اليابانية الحظر المفروض على نفاذ المنتجات الزراعية المصرية من الموالح إلى السوق الياباني، والذي استمر قرابة 25 عامًا.

هذا إنجاز كبير، لكن في حالة محصول الرمان، لم يكن هذا مفيد بشكل كبير هذا العام، فموسم تصدير الرمان الطازج كان قد أوشك على الانتهاء، عند صدور قرار رفع الحظر.

أقبل الكثير من الفلاحين ومزارعي الرمان، خاصة أصحاب المساحات الصغيرة، على قطع أشجار الرمان، لأن الناتج ما عاد يسد تكلفة الزراعة

كما أن هناك أزمة يراها أيضًا “ناصف”، في الإعلان عن فتح أسواق جديدة أمام الصادرات الزراعية المصرية، رغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها وزارة الزراعة في هذا الإطار، إذ أن تصدير “براد” أو اثنين يحملان 50 طنًا مثلاً، إلى هذه الدولة أو تلك، لا يعد فتح سوق جديدة، لكنه ربما خطوة على الطريق.

والحديث عن فتح أسواق جديدة لابد أن يكون عندما تستوعب هذه الأسواق نسبة ورقمًا مهمًا من حجم صادراتنا، وفق “ناصف”.

أشار “ناصف” أيضًا إلى أن نحو 30% من إنتاج الرمان مخزن الآن في الثلاجات، وينتظر المصدرون انفراجة في الوضع، وفتح سوق جديدة؛ لأن ذلك إن لم يحدث ستزيد الخسائر التي مُني بها بالفعل المزارعين والمصدرين على حد سواء.

أزمة التنظيم ودور الدولة

أزمة مزارعي الرمان مستمرة منذ سنوات، فتكلفة فدان الرمان ارتفعت بشكل كبير، والمبيدات والأسمدة قفزت إلى أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العامين الماضيين، إضافة لتكلفة تقليم الأشجار وجني المحصول.

وبحسب شهادات المزارعين، أقبل الكثير من الفلاحين ومزارعي الرمان، خاصة أصحاب المساحات الصغيرة، على قطع أشجار الرمان، لأن الناتج ما عاد يسد تكلفة الزراعة، فما بين ارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية واستغلال التجار والموردين، تُرك الفلاحين الصغار والمزارعين فريسة سهلة لتقلبات السوق.

غياب تكتلات وروابط مزارعي الرمان، إحدى المشكلات التي رآها المزارعون، سببًا في عدم قدرتهم على مواجهة مثل هذه الأزمات، وتركهم فريسة للتجار والموردين حتى خلال الأوقات التي تكون فيها الأسعار مرتفعة في السوق المحلية، فيذكر أحدهم أنه خلال العام الماضي كان سعر كيلو الرمان 6 جنيهات في السوق، بينما كان التجار يشترونه منهم بجنيهين فقط، والوضع أفضل قليلًا فيما يخص المحصول الذي يبيعونه للمصدرين، لكنهم أيضًا يستغلونهم، إذا ما قورنت الأسعار التي يأخذون بها المحصول بأسعار تصديره التي تصل لعدة أضعاف.

ويطالب المزارعون بدور أكبر للدولة خاصة وزارات الزراعة والتجارة والتموين، بإقرار نظام تعاقدي بين المزارعين والمصدرين لشراء المحصول بأسعار عادلة، حسب كل نوع من الأنواع، وجودة هذه الأنواع، وقياسًا على أسعار الأسواق العالمية، كما يطالبون بإنشاء بورصة للرمان لتحديد أسعار محلية عادلة لحماية المزارعين من استغلال التجار، مع ضمان هامش ربح معقول لتجار الجملة وبائعي التجزئة.