يواصل الحزب الدستوري الحر، في تونس، وعدد من الناشطين في المجتمع المدني، يسارية وقومية، وكذا شخصيات دينية، اعتصامهم المفتوح أمام مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي جرى تدشين فرعاً له بالعاصمة التونسية، في العام 2012، عقب سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

تواجه تونس حالة من الاستقطاب السياسي الحاد بين أطراف النظام، خاصة بين رئيس الجمهورية، قيس سعيد، ورئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي؛ إذ إن ثمة اتهامات متبادلة تتصل بقيام الأخير، المنتمي لحركة النهضة (فرع تنظيم الإخوان في تونس)، بفرض أجندتهم السياسية والإقليمية، بما يهدد استقرار تونس السياسي والأمني، الأمر الذي برز في أحداث إقليمية متفاوتة، من بينها الأزمة الليبية.

وثمة حراك واسع داخل المجتمع المدني التونسي، يستهدف تعقب الأدوار السياسية التي يقوم بها وكلاء الإخوان في تونس، سواء على المستوى الأيديولوجي أو التنظيمي، وذلك بعد الأعداد الهائلة التي تمكنت من الالتحاق بالتنظيمات الجهادية، لاسيما داعش،.

وقد تجاوزت الآلاف، بحسب التقديرات المعلنة من جانب وزارة الداخلية التونسية، فضلاً عن العمليات الإرهابية التي تعرض لها المعارضون، مثل شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، العام 2013.

3 آلاف إرهابي

وانخرط نحو ثلاثة آلاف شاب تونسي في التنظيمات الإرهابية، وقد تم تسهيل خروجهم من تونس، في عهدي حكومة حمادي الجبالي، وعلي العريض، العام 2013، وفقا لوزارة الداخلية التونسية.

ومن بين أبرز العمليات الإرهابية التي شهدتها تونس الحادث الذي نفذه سيف الدين الرزقي، في النصف الثاني من العام 2015، وتسبب في مقتل عشرات السياح والأجانب بأحد الفنادق، في محافظة سوسة الساحلية.

يأتي “اعتصام الدستوري الحر وعدد من الوجوه المستقلة، القريبة من اليساريين والقوميين، في تونس، أمام فرع اتحاد علماء المسلمين بالعاصمة، في وقت استنفذ فيه هذا الحزب تقريباً كل المسارات الأخرى لحل هذا الفرع (مسارات التقاضي القانونية وغيرها). يقول الصحافي التونسي صغير حيدري.

ويضيف حيدري لـ”مصر 360″: “إن الحزب خسر قضيتين ضد الفرع، بينما القضاء التونسي قال إنه غير معني بحل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين-فرع تونس، وأن هذه المهمة توكل للحكومة التي هي بالفعل تربط أي تحرك بحزامها السياسي، الذي يضم حركة النهضة التي كان رئيسها من بين مؤسسي هذا الاتحاد، وهو ما لم ينفه القرضاوي في زيارته لتونس، العام 2012، عندما أشاد بدور الغنوشي في دعم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”.

ومثلما تراوغ حركة حماس في فلسطين بخصوص علاقتها بجماعة الإخوان، وارتباطها التنظيمي بهم، حيث تراوح بين الإعلان عن ذلك، أحياناً، أو تنفيه، أحياناً أخرى، تفعل حركة النهضة بتونس الأمر ذاته، وذلك تحت وطأة اعتبارات براغماتية، تفرض استعارة بعض الأسماء والتخلي عن بعضها الآخر، للتخفيف من حمولتها التنظيمية والأيديولوجية، بما يسمح لها هامش مناورة، وحركة أوسع.

“الغنوشي”.. نزع ورقة التوت عن رجل النهضة القوي في تونس

الخصوصية الثقافية والاجتماعية لتونس، والتي تحظى بدرجة كبيرة من الانفتاح حول الأفكار والممارسات العلمانية، أثرت على أدبيات التيار الإسلامي، منذ لحظة النشوء والتأسيس، في ثمانينات القرن الماضي، ما جعلها تشير إلى “انفتاحها على قيم الديمقراطية” بجانب تأكيدها على “استعادة الهوية الإسلامية التونسية”، بينما تتحرى أعضائها المحتملين.

كما أن مستوى التشريع القانون في تونس متقدماً للغاية في الجانب الحقوقي، إذ تعد الدولة العربية الوحيد المحظور فيها تعدد الأزواج، منذ خمسينات القرن الماضي، وقد تأثرت بأفكار المفكر التونسي، الطاهر الحديد، الذي يعد النسخة المحلية من المفكر المصري، قاسم أمين. 

الإسلاميون التقدميون في تونس

يقول الدكتور صلاح الدين الجورشي، أحد أبرز قيادات ما يعرف بـ”اليسار الإسلامي”، في تونس”، إنه “لم يكن خطاب الجماعة في البداية إخوانياً صرفاً، بل كان خليطاً من السلفية والتصوف، وشيئاً مما كتبه مالك بن نبي الذي التقت به عناصر من النواة الأولى للجماعة في مطلع السبعينيات، وتحاورت معه في بيته قبل أن يوافيه الأجل بحوالي سنة، وهذا التمازج بين مصادر متعددة للفكر الإسلامي، يفسر إلى حد ما المرونة التي ميزت العمل في الجانب التنظيمي”.

ويضيف الجورشي المنشق عن “الجماعة الإسلامية”، قبل أن يصبح اسمها “حركة النهضة” في كتابه: “الإسلاميون التقدميون في تونس”: “سعت المجموعة في البداية إلى افتكاك موقع داخل جمعية المحافظة على القرآن الكريم لتتخذ منه غطاء قانونياً، ثم لما فشلت المحاولة، تبنت الجماعة طريقة “جماعة التبليغ ” التي تتمحور حول الوعظ بالمساجد، وتحريض المتعاطفين إلى الخروج إلى الناس ودعوتهم إلى الإيمان والصلاة.

غير أن هذا التنوع في عناصر الخطاب سرعان ما تراجع لصالح أدبيات حركة “الإخوان المسلمون”، التي كان يطلق عليها كبرى الحركات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي”. 

ثمة ارتباط وثيق ومعلن بين التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي تم تأسيسه، في العام 1982، على يد المرشد الخامس للجماعة، مصطفي مشهور، وحركة النهضة التي كانت تعرف، وقتذاك، بـ”الجماعة الإسلامية”، حيث انخرطت ضمن المجموعات الأخرى في التنظيم العالمي للإخوان، من خلال راشد الغنوشي، الذي كان يحتل منصب وصفة “أمير الجماعة”.

وبالعودة لاعتصام الدستوري الحر، فإن الاعتصام يحرج، بالدرجة الأولى، حركة النهضة، المتهمة بدعم هذا الاتحاد الذي يقدم “تعليماً موازياً” للتعليم الرسمي التابع للدولة.

إذ يقوم الاتحاد بالإعلان عن “دورات تخص التعليم الديني والتأهيل الشرعي، تخالف المناهج الرسمية وتحض على التشدد والتطرف”، بحسب الصحافي التونسي صغير حيدري.

كما يحرج الاعتصام، بحسب المصدر ذاته، القوى التي تدعي أنها مدنية وحداثية، وتدافع عن قيم الجمهورية، بسبب المخاطر التي تحدق بهذه القيم، وذلك عندما يتم المساس بالتعليم الذي هو من ركائز الدولة الوطنية. 

عبير موسى تتحدى القرضاوي

وبحسب النائبة في البرلمان التونسي عبير موسى، ورئيسة كتلة الحزب الدستورى الحر التونسى، فإن الاعتصام ضد “اتحاد القرضاوي يأتي احتجاجاً على تخاذل الحكومة مع تنظيمات مشبوهة، ومتورطة بتبييض وتمويل الإرهاب”.

وأضافت موسى، أن حزبها سيتصل كذلك بمنظمة “اليونسكو”، للتنبيه إلى مخاطر الدورات التكوينية الدينية التي تقدمها هذه الجمعية، والتي تتعارض مع التعليم المدني الرسمي للدولة التونسية، وتستهدف نشر الفكر الظلامي لدى الناشئة، وكذا داخل المجتمع التونسي.  

اتحاد القرضاوي

يعد يوسف القرضاوي والداعية الإسلامي أحمد الريسوني، من بين أبرز الأسماء المرتبطة بالفرع التونسي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي تأسس في العام 2004، وقد تم تسجيله في العاصمة الأيرلندية، دبلن، بينما عقدت اولى جمعية عمومية له في العاصمة البريطانية، لندن.

بيد أن “اتحاد القرضاوي” كما يصفه المعتصمون، يقوم بأدوار مشبوهة تتصل بإيجاد حواضن اجتماعية وفكرية للإسلام السياسي، ومن ثم، الترويج للدعاية السياسية الخاصة بالإخوان.

كما أن الاتحاد يعمل في تونس بدون ترخيص، ما يزيد من غموض نشاطه والتسهيلات التي يحظى بها. 

 

اتحاد القرضاوي.. ذراع للنهضة في تونس وشبهات تلف عمله

كيف يتحرك الدستور الحر ؟

ومن جانبها، تشير الصحافية التونسية، أمل الصامت، إلى أنه بالرغم من أن الاعتصام شهد مشاركة قوى سياسية مختلفة، وحتى بعض الشخصيات الدينية المعروفة، وكذا منظمات المجتمع المدني، إلا أنه انتسب للحزب الدستوري الحر، المعروف بمعاداته الشديدة، ورفضه القاطع لجماعة الاخوان والحركات الاسلامية في تونس والعالم.

وهذا الحزب شئنا أم أبينا، حشد العديد من الأنصار، خلال فترة قصيرة، منذ انبعاثه على الساحة السياسية بتونس، بحسب الصامت، بينما فاز بعدد مقاعد في البرلمان لم تفز بها أحزاب برزت بقوة بعد الثورة، وذلك يعود إلي “تبنيه منهج معاداة الفكر الإخواني، وسياسة الحركات الاسلاموية التي خيبت آمال الكثير من التونسيين، طيلة الفترة الموالية لثورة 2011”.

وتضيف الصامت لـ”مصر 360″: “لم نعد نستطيع القول، اليوم، إن الدستوري الحر، وعلى رأسه عبير موسي، مجرد معطى صغير في الساحة السياسية، وهذا يظهر من حجم الحشود المتنوعة التي نجحت في استقطباهم في الاعتصام”.

لذا ترجح الصحفية التونسية نجاح الاعتصام الذي يقوده الدستوري الحر، بمشاركة أطياف سياسية مختلفة، يسارية وقومية، من أجل حل اتحاد علماء المسلمين فى تونس، والمعروف إعلاميا بـ”اتحاد يوسف القرضاوى”، مع العلم أن الاعتصام تترافق معه حملة الكترونية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.

ارحلوا عنا

وهناك هاشتاج تحت وسم “ارحلوا عنا”، انتشر أمس، وهو ما يكشف عن وجود تحضيرات جادة، وتنظيم قوي، وراء الاعتصام وأهدافه، وليس أمراً عفوياً أو مؤقتاً.

وحول أهداف الاتحاد ودوره، تقول الصامت، إن “هيكلاً تنظيمياً انتسب لداعية مثل يوسف القرضاوي، ارتبطت به دعاوى عنف وقتل وتكفير، فمن المؤكد أنه سيتجه إلى تدمير الثقافة والتنوع في تونس، وسيقضي على الحقوق المدنية والدستورية، كما أن تونس التي تتواجد فيها جامعة الزيتونة، والجامع المعمور، ليست بحاجة إلى اتحاد ديني، يؤدي أدواراً طائفية، وشخصيات مثل “القرضاوي”، بفكرها الأصولي والسلفي المتشدد.