انتقلت ياسمين عبدالله، اسم مستعار، للعيش في حي هادئ، اعتمدت على وسائل مواصلات تضمن لها خصوصية، وتخلت كذلك عن ملابسها القصيرة والضيقة، لكنها لم تسلم أيضا من التحرش اليومي.

تقول ياسمين: “في يوم واحد تعرضت للتحرش الجسدي مرتين، دون مبرر،  فلا أقوم بوضع مساحيق ملفتة أو ارتدي ما يرونه مثيرا”.

محاولات كثيرة يفعلها الفتيات لتفادي سماع عبارات خادشة للحياء أو لمس أجزاء من أجسادهن، لكن لا مفر.

تحرص ياسمين على ارتداء سماعات أذن يصدر منها موسيقى صاخبة تكاد تصيب أذنها بضرر، لتتفادي التحرش اللفظي، لكن حيلتها لا تفلح مع الأصوات الذكورية العالية، وهو الأمر الذي جعلها تذهب لطبيب نفسي لشعورها برهبة من التعامل مع الآخرين.

ياسمين وأخريات يتعرضن لحوادث كثيرة من التحرش يوميا، غير قابل للحصر، منهن من تصل بالمذنب إلى القسم، وآخريات لا يستطعن ويواصلن حياتهن.

لازم نتكلم

في هذا الإطار، تنظم الجامعة الأمريكية بالقاهرة، سلسلة حوارات “لازم نتكلم”، تبدأ اليوم وتستمر حتى 14 يونيو، لزيادة الوعي بقضية التحرش، ودعم الجهود الوطنية والعالمية المتعلقة بهذه القضية خاصة في الجامعات.

تأتي مبادرة “لازم نتكلم”، ضمن جهود الجامعة المتواصلة لتعزيز تراثها في دعم سياسة التكافؤ ومكافحة التحرش وعدم التمييز وخلق بيئة آمنة بالحرم الجامعي، بالشراكة مع مؤسسات أخرى ومؤثرين بارزين  لزيادة الوعي.

وتصنف محافظة القاهرة على أنها واحدة من المدن الأكثر خطورة في العالم على النساء، من حيث الاعتداءات والحوادث اليومية التي تتعرض لها الفتيات.

القاهرة أكثر المدن الكبرى خطرا على النساء في العالم

وفي تقرير لهيئة النيابة الإدارية، كشف أن عدد قضايا التحرش والاعتداء الجنسي ضد المرأة في 2013 بلغ 74 قضية، وفي 2014 61 قضية، وفي 2015 (51)  قضية، وفي 2016  116 قضية.

ولفت التقرير إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الأعداد المدرجة في هذا التقرير لا تعبر بدقة عن عدد الجرائم المرتكبة، نظرا لما لهذه الجريمة من طبيعة خاصة ومع انتشار ثقافة لوم الضحية المتغلغلة في المجتمع ، عادة ما تحجم الضحايا عن تقديم بلاغات رسمية عما يرتكب في حقهن من تلك النوعية من الجرائم.

كيف نعمل معًا للقضاء على التحرش؟

تأتي أولى سلسلة الحوارات بعنوان “كيف نعمل معًا للقضاء على التحرش؟، وذلك لمعالجة كافة أوجه القضية، من خلال مناقشة تأثير النشأة منذ الصغر على اختلاف نظرتنا للذكور والإناث، وتناول وسائل الإعلام والسينما للتحرش، وكيف نضمن الأمان للمرأة في الأماكن العامة؟.

تتنوع الجلسات الشهرية لتشمل الحديث عن عالم الإنترنت: هل نحن آمنون؟، كيف نواجه التحرش بكفاءة في الحرم الجامعي؟، وكيف نحقق الأمان والشمولية والتنوع في أماكن العمل؟، وتأتي أخر الجلسات عن الإطار القانوني والعنف ضد المرأة؟.

تتذكر ياسمين أن أول حادث تحرش بمنزلها، ولكنها حتى بلوغها عمر الـ 30 عاما لا تستطيع البوح بما حدث، حتى أنها لم تسلم حين قررت أن تمنع التعامل مع المواصلات العامة وتعتمد على التاكسي أو الشركات الخاصة. تضيف:” حاول أحد السائقين أن يتحرش بي بقيامه بالاستمناء أثناء الطريق”.

تشعر ياسمين وأخريات ببرودة بالجسد تمنعهن من التعامل مع الأمر، ولكن لم يكن أمام ياسمين إلا أن تقوم بفضح السائق في الشارع والذي لم ينصفها فكان له رأي آخر وهو ذهاب حقها فهي المخطئة.

ووفقا لدراسة للأمم المتحدة، فإن 89.3% من التحرش الجنسي يحدث في الشارع , 81.8% في المواصات العامة, 53.3% في الحدائق العامة بينما 59.3% يحدث في الاسواق و 60.7% علي الشواطئ و 39.2% عن طريق المكالمات الهاتفية. كما أن 63% من البلاغات المقدمة لـ”خريطة التحرش” تشير إلى أن التحرش يحدث في المدارس وأماكن العمل والأماكن الخاصة مثل المنازل.

“أول تحرش كان عمري

حملات عديدة ظهرت مؤخرا على مواقع التواصل الإجتماعي لحث الفتيات على كسر حاجز الصمت وفضح المتحرشين، منها حملة “أول تحرش كان عمري” والتي كشفت عن قصص كثيرة مفجعة تقع للفتيات في الشارع وفي وضح النهار وكذلك خلف الأبواب الموصدة.

أنا ناجية

كما ظهرت حملة “أنا ناجية” والتي وضحت أن الفتيات لا ينجين من ذلك الفعل نفسيا حتى بعد مرور عشرات السنوات، والاضطرار إلى مواجهة المجتمع الذي بدوره لا يقوم بدعم الضحية ولكنه يحولها إلى مجرمه.

واجتاح فضاء الإنترنت مؤخرا حركة “شرطة الاعتداءات”وبالتحديد على موقع التواصل الاجتماعي” انستجرام” والتي أنشأتها الطالبة بالصف الرابع بالجامعة الأمريكية نادين أشرف، وهي من ضمن المحاورين في سلسلة “لازم نتكلم”.

شرطة الاعتداءات

ساهمت صفحة “شرطة الاعتداءات” على فضح المتحرش أحمد باسم زكي، وهو الطالب بالجامعة الأمريكية، والذي يواجه حاليا تهم الشروع في مواقعة فتاتين بغير رضاهما، وهتكه عرضهما بالقوة والتهديد، وتهديدهن وأخريات بإفشاء ونسبة أمور لهن مخدشة لشرفهن، وذلك بعد إعلان الفتيات عن تفاصيل التحرش خلال الصفحة مع تقديم اثباتات، وتقديم 4 منهن وطفلة لبلاغات رسمية.

القصة الكاملة للمتحرش أحمد بسام ذكي

تشعر نادين أشرف بالامتنان لبدء وإقامة الحوارات حول هذا قضية التحرش نتيجة لهذه الحركة في المنازل، وفي المدارس، وفي مجموعات الأصدقاء، وفي كل مكان، واتمنى أن يستمر الحوار.

فعن الصفحة تقول، “أنشئت تلك الصفحة لشعوري بالغضب من عدم الاستماع لقصص صديقاتي، أردت أن يكون الجميع على دراية بما يحدث”.

وفي بحث لهيئة التدريس بالجامعة الأمريكية يهتم بمعرفة سبب انتشار التحرش الجنسي، تحت عنوان” إعادة تعريف الذكورية في الشرق الأوسط: نضال المبادرات المناهضة للعنف القائم على النوع في مصر”، أوضح خلاله تحديد خصائص معينة للرجال الذين يرتكبون مثل هذه الحوادث ضد المرأة. ولتي تنوعت بين معاناة أشخاص مقربون منهم من التحرش، أو هم أنفسهم كانوا ضحايا وناجين من حوادث العنف الجنسي أو العنف الأسري، أو قد تعرضوا للتنمر في المدرسة أو في أماكن عامة لعدم كونهم “رجوليين” بالقدر الكافي.

“إن التحرش ليس قضية نسائية”، تقول هانيا شلقامي أستاذ مشارك بمركز البحوث الاجتماعية، موضحة أن الأبحاث التي نجريها عن النوع تتطرق إلى القضايا الأساسية التي تؤدي إلى حدوث العنف الجنسي وعدم المساواة بين النوع.

غير أن التحرش الجنسي هو عرض من أعراض المشاكل الهيكلية في الدوائر الاجتماعية والمادية والسياسية.

يتحدث في فاعلية إطلاق سلسلة الحوارات- والتي ستكون بعنوان “كيف نعمل معًا للقضاء على التحرش؟”- أعضاء المجلس الاستشاري للسلسلة وهم: مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، وهشام الخازندار، الشريك المؤسس والعضو المنتدب لشركة القلعة القابضة، ونادين أشرف، طالبة بالجامعة ومؤسسة صفحة شرطة التحرش assault police، وكريستين عرب ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر، وهدى الصدة، أستاذ الأدب الإنجليزي والمقارن بجامعة القاهرة، وعمر سمرة، مغامر ورائد أعمال، ورباب المهدي، أستاذ مشارك ورئيس قسم العلوم السياسية، يدير الحوار فرح شاش، أخصائية علم النفس المجتمعي.