في صيف 2017، أثار الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، جدلًا شديدًا في المنطقة العربية حينما أعلن خلال الاحتفالية بالعيد القومي للمرأة بتفعيل قيم المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام فيما يتعلق بالمواريث وتزويج المرأة المسلمة من غير المسلم بالعمل على إعادة النظر في القانون التونسي 73 المعني بهذا الأمر، مما أثار حفيظة الكثير من المسلمين في الداخل التونسي وخارجه، ولكن تلك الدعوة لم تكن وليدة احتفالية تونس بيوم المرأة فقد عُقدت العديد من الزيجات بين المسلمة والمسيحي أو اليهودي.
تونس تلغي حظر زواج التونسيات المسلمات بغير المسلمين
وقبل حوالي عشر سنوات من هذا التاريخ ، أعلنت الإعلامية المصرية “وفاء الكيلاني”، التي تقدم الآن على فضائية Dmc المصرية، برنامج يحمل اسم “السيرة”، أنها أحبت رجلًا مسيحيًا، وتنوي الزواج منه زواجًا مدنيًا لأن دينها الإسلامي يرفض أن تتم الزيجة بمفهومها العقائدي أو مفهومها الديني حيث يتم عقد القران في محكمة مدنية ويوثق أيضًا توثيقًا مدنيًا.
لاقت الكيلاني الكثير من النقد جراء هذا التصريح، ولكن قصة حبها بالإعلامي المسيحي طوني مخايل كانت أكبر من أن تقف أمام تلك الانتقادات التي فتحت النار عليها، وفي نفس الوقت فتحت ملف “الزواج المدني” مرة أخرى.
هذا الملف الذي يتم فتحه بين الحين والآخر، وأعيد الحديث عنه هذه الأيام بعد تصريح الدكتورة آمنة نصير،،أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، بخصوص عدم وجد نص قرآني يمنع زواج المسلمة من غير المسلم، يستخدم أحيانا سياسيًا في بعض الدول كورقة ضغط أو كسب تعاطف بعض القوى أو الفصائل السياسية والمجتمعية المتنوعة. ولكن حكاية وفاء لم تكن الأولى ولا الأخيرة التي يتم فيها اللجوء للزواج المدني لإتمام زيجة المسلمة بغير المسلم.
زواج ناهد شريف من صاحب ملهى ليلي لبناني مسيحي
في منتصف سبعينات القرن الماضي، لم يكن للزواج المدني في مصر تواجد ولم تعهد الثقافة المجتمعية الدينية المصرية، حتى جاء عام 1977 وقررت الفنانة المصرية المسلمة ناهد شريف، الزواج مدنيًا من رجل مسيحي لبناني يدعى “إدوارد جرجيا”، لتكون بذلك الزيجة المدنية الأولى في تاريخ النجمات المصريات، ولكن ناهد حافظت على ديانتها المسيحية، ولم تكن تلك هي الزيجة الأولى لها فقد سبق وتزوجت الفنان كمال الشناوي والمخرج حسين حلمي المهندس، وتلك الزيجة كانت الثالثة حينما التقت بالراقص وصاحب الملهى الليلي في لبنان وطالبها بالزواج رغم أنها تدين بالعقيدة الإسلامية، واشترطت أن يظل كل منهما على دينه، وقد أثمر زواجهما عن إنجاب ابنة تدعى “باتريسيا” وأطلقت عليها اسم “لينا”.
“الأحوال الشخصية في لبنان”… قوانين تشرع التمييز ضد المرأة
زواج مدني جمع بين الإعلامية وفاء كيلاني وإعلامي مسيحي
في العام 2000 جمعت قصة حب قوية بين مذيعة مصرية شابة مسلمة على إحدى القنوات السعودية تسمى وفاء كيلاني، بمذيع لبناني بالقناة ذاتها يسمى طوني مخايل، كان عائق الديانات يقف أمام اكتمال تلك القصة وتتويجها بالزواج، ولكن بعد مرور ثماني سنوات، قررا الزواج مدنيًا في حفل زفاف عائلي، حضره بعض الأصدقاء وقليل من الشخصيات الإعلامية والفنية.
وراحت وسائل الإعلام العربية تشيد بتلك القصة التي تحدت الأعراف والثوابت والموروثات وغير ذلك، وأثمر هذا الزواج عن إنجاب طفلين تعمدت وفاء التي أصبحت بمرور السنوات إعلامية عربية لامعة أن تبعدهما عن أنظار الإعلام تمامًا، ولكن منذ أكثر من أربع سنوات تقريبًا انفصل الزوجان في وسط شائعات تؤكد أن طوني أشهر إسلامه في أول الأمر من أجل الزواج بوفاء، ولكنهما نفيا هذه الشائعة. واتفقا على أن تظل حضانة الأطفال مع أمهما.
شقيقة الملك فاروق تعارض الأخ وتتزوج من موظف مسيحي
كانت الابنة المدللة لأبيها الملك فؤاد الأول، فتحية الابنة الصغرى للعائلة الملكية التي تحكم مصر في الربع الأول من القرن العشرين، وعلى قدر قيمتها ومكانتها المختلفة عند والدها، كانت صاحبة أهم وأبرز الأحداث التي هزت البلاط الملكي والعائلة الملكية الأشهر في تاريخ حكم الدولة المصرية، فقد تحدت فتحية الأعراف والتقاليد الدينية والموروث المصري في تلك الفترة، بعد أن أصرت على الزواج من موظف متوسط الدخل من عائلية ليست ملكية يُدعى رياض غالي أفندي، الذي كان يعمل موظفًا في السفارة المصرية في فرنسا.
في عام 1946 التقت به لأول مرة في رحلة كانت فيها رفقة شقيقها الملك فاروق في إيطاليا، تقرب منها حتى سيطرعليها كليًا وصممت على الزواج منه بالرغم من الرفض القاطع من قبل الملك فاروق ألا تتزوج شقيقته زواجًا مدنيًا ولكنها عارضته مما دفعه أن يجردها من لقبها الملكي وبالرغم من تصعيد الأمر سياسيًا بعد تهديد مصطفى النحاس لها بإعادتها رغمًا عنها إلى مصر، لكن كل هذا لم يمنعها من استكمال الزيجة، وتم طردها نهائيًا من مصر.
كيف يصبح الزواج المدني مخرجًا لحل الإشكالية؟
يُعرف الزواج المدني في بعض الأحيان أو بعض الثقافات باسم “الزواج العلماني”، ويقوم في الأساس على أن يتم توثيق الزيجة بين زوج وزوجة يتبعان ديانتين أو عقيدتين مختلفتين، في جهة أو مؤسسة حكومية أو ما تُعرف بـ “المحكمة الحكومية” ويتم في منأى عن الطبيعية الدينية أو الطقوس والمعتقدات الدينية لأي دين سماوي أو غير سماوي،.
فمن المتعارف عليه أن الزواج المدني الذي يلجأ إليه الكثير من أبناء الدول العربية، بالرغم من رفضه مجتمعيًا في عدد من الدول العربية باستثناء تونس التي أقرته بأمر من الرئيس السبسي في العام 2017 رسميًا، أو لبنان التي يلجأ أبنائه في بعض الأحيان إليه بحكم تواجد أكثر من 18 طائفة دينية في داخل الدولة لكل طائفة محكمة دينية تشريعية خاصة بها، ما دفع وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن بأن تخرج بتصريح مثير في فبراير من عام 2019، بأنها تريد أن تفتح ملف الزواج المدني بصورة جادة مع كافة المرجعيات الدينة والطوائف المختلفة التي تتواجد في الدولة من أجل إقراره رسميًا.
وبالرغم من هذه القيود والمحظورات التي تحيط بهذا النوع من الزواج إلا أن البعض يفضله حتى وإن كان الزوجان يتبعان الطائفة ذاتها بحكم طبيعة انتمائهما العلماني مثلًا، معتقدين بذلك أن الزواج لابد أن يقوم قائمًا على طبيعة مدنية بعيدة كل البعد عن الدين ولا يصح أن يضع الدين له أية قيود أو تشريعات.