قبل انعقاد أولى جلسات البرلمان الحالي، تحديدًا في يناير عام 2016، أجرت جريدة “الشروق” حوارا مع محمد رجب آخر أمين للحزب الوطني المنحل، تحدث فيه عن حدود تدخل أجهزة مبارك الأمنية في اختيار مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية.
وأشار إلى أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة يناير وسقوط مبارك وحزبه هي الطريقة التي هندس بها أحمد عز أمين تنظيم «الوطني» انتخابات البرلمان في 2010.
زعيم الأغلبية بمجلس الشورى الأسبق، والرجل الذي حمل تركة الحزب الوطني الثقيلة بعد استقالة زميله حسام بدراوي على الهواء مباشرة قبل سقوط مبارك بأيام، قدم في حواره شهادة تفصيلية على جرائم نظام مبارك السياسية.. شهادة تدين النظام الذي انتمى إليه وصار أحد كبار قادته منذ ثمنينيات القرن الماضي.. شهادة يُطلق أهل القانون على صاحبها «شاهد ملك».
عندما سأله زميلنا الصحفي الشاب محمد خيال عن إمكانية إعادة إنتاج ثورة يناير مرة أخرى، رد رجب قائلا: «من وجهة نظرى مستحيل إعادة انتاج ما جرى، فقبل 25 يناير 2011 كانت هناك حالة احتقان واسعة، وكانت هناك رغبة لدى المواطن العادى فى إحداث تغيير بأى شكل بسبب الأوضاع الاقتصادية القاسية والخدمات المتدهورة، كما أن واحد من الأسباب الرئيسية التى أدت للثورة كان نتائج انتخابات مجلس الشعب 2010 والتى لو كانت تمت بطريقة صحيحة لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه».
وذكر رجب لمحاوره أنه حذر من اندلاع ثورة جياع قبل 2011 خاص بعد سقوط نظام بن علي في تونس، وقيل له حينها «ماتكبرش الموضوع»، وكشف أنه كان أحد المحتجين على إسقاط المعارضة كلها في انتخابات 2010 وأعلن اعتراضه على إخلاء البرلمان من أي صوت مخالف، فرد عليه أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني ومهندس تلك الانتخابات قائلا:«يعنى ننجحهم بالتزوير؟!»، فابتسم رجب وقال له «مصر كلها بتقول إنك زورت الانتخابات ونحن لا نملك ما نرد به».
وعن حدود تدخل الأجهزة الأمنية في «هندسة» الانتخابات واختيار المرشحين قال رجب: «أيامنا كنا نذهب إلى الأمن ونطرح نحن عليه الأسماء التى اخترناها، وكان دوره إعطاء المعلومات المتاحة لديه عن المرشحين، والأطراف السياسية هى التي تتخذ القرار النهائى على مسئوليتها، وكان هناك تبادل للأراء ولا يتم ترك العملية السياسية للأمن، لأن تركها بشكل كامل للأمن ستكون الخسائر كبيرة فالأمن يخضع للسياسة لكن السياسة لا تخضع للأمن».
ورغم أن مبارك القائد العسكري السابق، قضى أكثر من نصف عمره مرتديا الزي الميري، ألا أن معظم أركان حكمه كانوا ساسة وتكنوقراط، فرجال الحرس القديم في الحزب الوطني انتمى معظمهم إلى الاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ومع دخول الألفية الجديدة عملت أمانة السياسات بـ«الوطني» على ضم مئات الأكاديميين ورجال الأعمال، حدت تلك التركيبة بشكل أو بآخر من توجيه الأجهزة الأمنية بشكل كامل للقرار السياسي، بيد أن الهاجس الأمني ظل له تأثير كبير على قرارت السلطة وتوجهاتها.
رجب وباعتباره كان شريكا في العديد من القررات السياسية ومنها إدراة الانتخابات البرلمانية، أكد على أن رجال السياسة هم من من كانوا يقومون بالدور الأساسي في عملية اختيار مرشحي الحزب، «كان هناك تحديد لدور ومسئولية أجهزة الأمن وقتها، فلم نكن نطلب من الأجهزة ترشيح أفراد ولكن كنا نحن من نطرح الأسماء، وهو يرد بما لديه من معلومات عنها، فلابد أن يكون الترشيح مسنودا بمباركة أمنية»، مضيفا: «بالمناسبة الأمن عامل علاقة مع جميع الأحزاب السياسية ولكن يجب أن يكون دور الأمن استشاريا فقط بخصوص معلوماتهم عن الأسماء المرشحة».
انتقد رجب ما حدث في انتخابات البرلمان التي جرت نهاية عام 2015، من عمليات شراء واسعة للأصوات واستخدام المالي السياسي بشكل لم تشهده مصر من قبل، «الانتخابات الحالية الظاهر أنها تمت بدون تزوير فى الصندوق، لكن ما قبل الصندوق حدثت كوارث عديدة، أولها شراء الأصوات بأرقام باهظة لم تعرفها مصر فى حياتها.. لقد خضت انتخابات عديدة ولم أرَ فى حياتى هذا الكم من المبالغ التى اسُتخدمت».
بعد السيطرة على “الشيوخ”.. “مستقبل وطن” يكتب شهادة وفاة الأحزاب
رجب حذر أيضا من محاولات البعض إعادة انتاج النظام القديم، رغم عدم امتلاكهم أي خبرة سياسية أو تنظيمية «من شكلوا تحالفا وقالوا إنهم ممثلون للدولة يعملون ضد الرئيس لأنهم يستخدمون أسلوب الدبة العمياء فبدلا من أن يساندوا الرئيس بالحقيقة يساندوه بالتزييف، وهذا راجع إلى أن خبرتهم التنظيمية والسياسية قليلة للغاية».
كلام رجب الذي مر عليه نحو 5 سنوات، كان منصبا على تجربة الانتخابات السابقة والتي شكلت البرلمان الحالي الذي أيد الرئيس والسلطة التنفيذية على طول الخط، ولم يعرف عن نوابه استخدام أدواتهم الرقابية لفرملة أي قرار أو قانون حكومي، اللهم كتلة المعارضة التي تشكلت بعد انعقاد المجلس من مجموعة نواب لم يزد عددهم عن 30 نائب أطلقوا على انفسهم تكتل «25 – 30»، وأعلنوا مبكرا عن معارضتهم لتوجهات السلطة، وكانت لهم مواقف حاسمة في محطات مهمة من تاريخ هذا البرلمان كرفضهم لاتفاقية الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية والتي تنازلت بموجبها الحكومة عن جزيرتي تيران وصنافير، واعترضوا على تعديل مواد الدستور التي تم تمريرها في أبريل 2018، لتزيد من إحكام قبضة السلطة التنفيذية على باقي السلطات وتمدد للرئيس فترات حكمه.
لا أعلم إذا كان آخر أمين للحزب الوطني المنحل تابع ما جرى في الانتخابات الأخيرة لغرفتي البرلمان المصري أم لا، ولا أعرف ماذا سيقول عندما يعلم أن من أدار وهندس العملية الانتخابية التي تجري وقائعها منذ شهرين تقريبا، مرر قانون انتخابات يجمع بين نظامي «القائمة» -المغلقة المطلقة- التي لا تسمح بأي هامش للتنوع والتعدد، و«الفردي» والذي تم تفصيل دوائره لتناسب أصحاب الملايين فقط، أجرى هذا المهندس عملية «فلترة» لقوائم كاملة ليضمن نجاح قائمة حزب السلطة دون أي منافسة، أما عن المال السياسي فحدث ولا حرج، فعمليات شراء الأصوات تمت في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الجميع، ولم تتدخل أي جهة لإيقافها.
ما يجري في انتخابات البرلمان الحالي من جرائم وموبقات فاق ما جرى في انتخابات 2015 التي تحدث عنها رجب في حواره، وتجاوز بمراحل ما جرى في انتخابات 2010 التي كانت أحد أهم أسباب اندلاع ثورة يناير 2011 وسقوط مبارك وحزبه ونظامه.
تمكن الحزب الوطني في انتخابات 2010 من حسم 420 مقعد أُضيف إليهم 53 مقعد حسمها مرشحون مستقلون لكنهم انضموا إلى «الوطني» قبل انعقاد البرلمان، ورغم انسحاب حزب الوفد وجماعة الإخوان من جولة الإعادة في المرحلة الأولى من تلك الانتخابات احتجاجا على عمليات التزوير والعنف التي شابتها، حصلت أحزاب المعارضة الباقية على 16 مقعد، وتمكن مرشحون مستقلون من حسم 15 مقعد.
سعى أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني بمعاونة الأجهزة الامنية حينها لتأميم برلمان 2010، حتى يمرر مشروع التوريث دون ضجيج المعارضة والإخوان، انتشرت عمليات تسويد البطاقات وشراء الأصوات، وشاب الجولة الأولى عمليات عنف واسعة، ومع كل ذلك نجح أكثر من 30 مرشح من الولوج إلى المجلس الذي كتب نهاية نظام مبارك، وفتح الباب أمام نزول الملايين للاحتجاج على سرقة وتزوير إرادتهم.
في الانتخابات الحالية بجولتيها الأولى والثانية لم يتمكن أكثر من 10 مرشحين معارضين ينتمي بعضهم إلى تكتل «25 -30 » من الوصول إلى جولة الإعادة على مقاعد «الفردي»، أما على مقاعد القائمة فحسمت «القائمة الوطنية» التي شكلها حزب «مستقبل وطن» مع أحزاب أخرى كلها تتنافس على تأييد السلطة الانتخابات من الجولة الأولى ودون إعادة لتضمن نصف مقاعد البرلمان، وهو ما يبشر بمجلس أكثر تأييدا والتصاقا بالسلطة التنفيذية من برلماني 2016 و2010.
إذا كان مهندس العملية الانتخابية لا يعرف مآل إليه برلمان 2010، وما جرى لمهندس العملية الانتخابية وللحزب الذي أزاح منافسيه وسرق إرادة المواطنين، وما تم مع حرس نظام مبارك القديم والجديد، فعليه الرجوع إلى شهادات رموز هذا النظام قبل أن يستكمل جريمته السياسية التي قد تعيد إنتاج الأحداث التي أعقبت الانتخابات بأسابيع.
المعادلة محسومة.. وبحسبة بسيطة (تدهور أحوال الناس المعيشية، وسرقة إرادتهم، والاستهانة بكرامتهم) لن ينتج عنه سوى ما نتج في 2011.