هل يجهز كورونا نظامًا كرويًا جديدًا للعالم؟ بالنظر إلى الظاهرة الغريبة التي يشهدها عالم كرة القدم حاليًا، من تداعي فرق ومنتخبات وظهور نجوم أخرى.
الظاهرة التي يشهدها العالم الكروي حاليًا تتجلى في فرق وأندية ومنتخبات معروفة بتواضع مستواها، حققت تفوقًا على أندية وفرق عملاقة لها تاريخها ووزنها وثقلها الكروي.
الأمر شهدته أكبر أندية العالم وأوروبا وصولاً إلى المنتخبات العملاقة في سماء الساحرة المستديرة، وحتى الكرة العربية في الدوري المصري وبعض دوريات الشرق الأوسط.
هذا التغير في الآداء جعل الجميع في حيرة من أمره، وباتت التساؤلات:
هل هذه الظاهرة دائمة أم مؤقتة؟
أين ذهبت تلك الفوارق الفنية الواضحة لكبار العالم كرويًا أمام الفرق الصغيرة والمنتخبات المتواضعة؟
الإجابة صعبة على كل الأسئلة المطروحة، والتي حار خبراء الكرة على مستوى العالم معها بالفعل.
كبرى الصحف البريطانية، مثل “تيليجراف” و”ميرور” وغيرها تساءلت عن تأثير كورونا على كرة القدم، وتحديدًا كبار الأندية وخاصة في البريميرليج.
فالدوري الإنجليزي يترنح به الكبار لصالح فرق صغرى احتلت الصدارة منذ انطلاق الموسم حتى الآن، مثل إيفرتون وساوثهامبتون وليستر سيتي.
حتى توتنهام، رغم قوته، لم نعتاد عليه متصدرًا للمسابقة، في ظل وجود العمالقة مانشستر يونايتد وليفربول ومان سيتي وأرسنال وتشيلسي.
الألماني يورجن كلوب بطل الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا ومونديال الأندية مع ليفربول، حاول الإجابة على هذا السؤال.
وكان تلقى هزيمة من أستون فيلا بالدوري قبل أسابيع قليلة، بنتيجة قياسية 7-2، لم تحدث منذ خمسينيات القرن الماضي.
أكد “كلوب” أن كورونا أثرت كثيرًا في المستوى الفني للاعبين، وغيب الفوارق الفنية والمعنوية والحماسية غياب الجماهير، ما أدى لهذه النتيجة الصعبة، التي نادرًا ما يشهدها عالم البريميرليج.
نتائج غريبة وعجيبة
بخلاف التأثيرات الاقتصادية الكبيرة الناجمة على تلك الصناعة بسبب تداعيات الفيروس الخطير، ومنها انخفاض نسب البيع والإعلانات والرعاية والعوائد.
كان لغياب الجماهير وتأجيل البطولات والمباريات دوره.
ويبدو أن الجانب الفني تأثر بشكل مفزع عن سابق العهد مع الكرة وكبارها، فشاهدنا مؤخرًا نتائج غريبة، تضرب بهيبة الأندية والمنتخبات الكبرى عرض الحائط.
وسقطت برشلونة بثمانية أهداف مقابل هدفين لصالح بايرن ميونيخ في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، هذا فضلاً عن خسارة منتخب ألمانيا من إسبانيا بسداسية نظيفة.
ترنح أيضًا أكبر فريقان بالعالم وإسبانيا ريال مدريد وبرشلونة كثيرًا في نتائجهما أمام فرق متوسطة ومتواضعة.
فخسر الريال من قادش الصاعد حديثًا للدوري الإسباني بهدف نظيف، ومن شاختار الأوكراني بدوري الأبطال، وتعادل مع بروسيا مونشنجلادباخ الألماني بنفس النتيجة.
”ليست لُعبة”.. كرة القدم تُشعل حروبًا وتوقف أخرى
كما سقط برشلونة أمام خيتافي بالخسارة، وتعادل أمام ديبورتيفو ألافيس.
وخسر بطبيعة الحال من الريال بالكلاسيكو على أرضية ميدانه، مع آداء متواضع للغاية للفريقين هذا الموسم، على عكس المواسم الطويلة السابقة.
ولم يختلف الحال كثيرًا في إيطاليا، فظهر الكبار يوفنتوس وإنتر ميلان ونابولي بصورة ضعيفة للغاية، وسقطوا أمام الصغار.
أما على المستوى المنتخبات فحدث ولا حرج، فالماتادور اكتسح الماكينات -بلا رحمة- بسداسية هي الأولى من نوعها في تاريخهما.
وفي إفريقيا تجد كل الدراما، إذ نجح منتخب مصر في الفوز على توجو خارج ميدانه بثلاثية مقابل هدف، بينما قبلها بثلاثة أيام في القاهرة فاز بشق الأنفس بهدف نظيف.
وكذلك فاز منتخب الفراعنة الأوليمبي وديًا على نظيره البرازيلي، لأول مرة في تاريخ مصر بكل الأعمار، وبهدفين مقابل هدف.
كذلك فاز منتخب السودان الأول على غانا في الدقيقة 93 بالتصفيات المؤهلة لكأس الأمم الإفريقية بالكاميرون 2022.
أما منتخب سيراليون فصنع العجب، حيث نفذ ريمونتادا تاريخية أمام نيجيريا، وعاد في النتيجة بالشوط الثاني، بعدما كان متأخرًا بأربعة أهداف في دراما وإثارة لا مثيل لها سوى في أجواء كورونا الاستثنائية تمامًا.
أهم الأسباب وراء تلك الظاهرة
انعدام التركيز وتفشي الاستهتار:
بلا شك ظهرت حالة من عدم التركيز والبعد عن المستوى بين كافة النجوم حول العالم، سواء مع أنديتهم أو منتخبات بلادهم، نتيجة استهتار أو ربما ملل جراء تداعيات الفيروس الخطير مؤخرًا.
وأدى ذلك إلى تقليل الفجوة كثيرًا بين اللاعبين الأقل مستوى في باقي الأندية الأخرى وكذلك المنتخبات، ما أدى لتفوق واضح منهم على الكبار.
شاهدنا أكثر من دليل على ذلك، منها الريال أمام برشلونة في الكلاسيكو، وبرشلونة أمام يوفنتوس.
وليفربول أمام أكثر من منافس من فرق الوسط كليدز يونايتد ووست هام وشيفيلد يونايتد واتلانتا بدوري الأبطال.
وكذلك مان يونايتد أمام باريس سان جيرمان في دوري الأبطال.
وعلى المستوى المحلي، الأهلي والزمالك أمام الوداد والرجاء المغربيان بنصف نهائي دوري أبطال إفريقيا، ومنتخب مصر أمام توجو خارج الديار.
من الإنفلونزا الإسبانية لـ كورونا..كيف تعاملت كرة القدم مع الأوبئة السابقة؟
دون أدنى شك جعل غياب الجماهير المدرجات مثل مسرح بدون حضور، خاصةً وأن الأمر غير معتاد عليه أوروبيًا.
فالفرق الأوروبية الكبرى، فقدت أكثر من ثلث قوتها جراء غياب جماهيرها التي تمثل المحرك الرئيسي لها وللاعبيها.
ولنا في جماهير وحال الريال وبرشلونة أكبر دليل، وكذلك ليفربول وجماهير أنفيلد الجبارة ودفعتها الكبيرة للاعبيها في أعتى الظروف.
وأيضًا جماهير مان يونايتد والسيتي وتشيلسي، وجماهير يوفنتوس والإنتر في إيطاليا.
ومثل غياب الجماهير والدعم وقلة تركيز النجوم وتشتيت أذهانهم بتداعيات كورونا وفقدان أسرهم وأحبائهم أو بعدهم عنهم واستهتارهم أهم أسباب ذهاب الفوارق الفنية الكبيرة بين الكبار والصغار في عالم كرة القدم.
ظاهرة مؤقتة أم دائمة؟
لا أحد باستطاعته الإجابة على هذا السؤال، لكن بكل تأكيد ستمثل عودة الأمور إلى طبيعتها خلال الفترة المقبلة فارقًا.
خاصة إذا مرت الموجة الثانية من الفيروس بخير، وظهر لقاح فعال يقضى على المرض، ويبشر بعودة الجماهير.
ويرهن كثير من الخبراء عودة النجوم إلى التركيز وعدم الاستهتار بعودة الحياة إلى طبيعتها.
ووفق هذا الرأي، قد تسترجع الكرة نظامها القديم بعد أن يتعافى العالم من تداعيات “كوفيد-19″، التي أصابها كغيرها من الصناعات الشلل التام.
لكن إذا استمر الأمر على هذا النحو الحالي، فربما تطول مدة حضانة هذا النظام الغريب التي تفرضه كورونا على العالم كرويًا، وتستمر الفرق والأندية الكبرى في التراجع أمام الصغار.
فهل يجهز كورونا نظامًا كرويًا جديدًا للعالم؟