تستعد القاهرة، بدءا من أول ديسمير المقبل، لتغيير إيقاعها الصاخب والتنازل عن جزء كبير من روتين أشغالها، مع بدء تنفيذ القرارات الجديدة الخاصة بتحديد مواعيد فتح وغلق المحال التجارية والمطاعم والكافيهات.

وزير التنمية المحلية محمود شعراوي أعلن قبل يومين أن مواعيد فتح المحال التجارية، والمولات التجارية باستثناء المطاعم والكافيهات والبازارات، ستكون في السابعة صباحاً وتغلق الساعة الحادية عشر مساءً (صيفاً) والعاشرة مساءً (شتاءً) على أن يتم زيادة التوقيت يومي الخميس والجمعة وفي أيام الإجازات والأعياد الرسمية للدولة لُتغلق الثانية عشر منتصف الليل (صيفاً) والحادية عشر مساءً (شتاءً).

ونص القرار في مادته الثانية على أن تفتح المطاعم والكافيهات و البازارات بما في ذلك الموجودة بالمولات التجارية يومياً من الساعة الخامسة صباحاً، وحتى الواحدة صباحاً صيفاً  والساعة الثانية عشر منتصف الليل شتاء، على أن يتم زيادة التوقيت خلال فترة الشتاء يومي الخميس والجمعة وأيام الإجازات والأعياد الرسمية للدولة  لتُغلق الساعة الواحدة صباحاً.

وتضمن القرار استمرار خدمة التيك أوايـ وتوصيل الطلبات للمنازل بالنسبة للمطاعم و الكافيهات على مدار (24 ساعة) صيفا و شتاء.

ثورة تنظيم

“ثورة تنظيم” مواعيد العمل أثارت تساؤلات عدة حول جدواها من الناحية الاقتصادية والأمنية والسياحية، بالنسبة لأصحاب تلك المنشآت والعاملين بها، والأضرار التي قد تقع عليهم، خصوصا في ظل التعود على نظام العمل المتواصل، ومدى تأثر ذلك على بعض المهن الليلية.

القرار لم يكن بدعة ابتكرتها الحكومة المصرية لإفساد عادات الشعب في السهر أو العمل ليلا غير مبالين بسكان المناطق التي يقطنونها، ولكن سبقها إليه العديد من الدول، ففي أمريكا على سبيل المثال، تحدد كل ولاية ساعات العمل الخاصة بها للمحال التجارية والمطاعم.

ويبدأ العمل في نيويورك العمل في السادسة صباحا، وينتهي في الحادية عشر مساء، بينما في ولاية كاليفورنيا يبدأ العمل في الخامسة والنصف صباحا، وتغلق المحال أبوابها في العاشرة مساء.

وفي ألمانيا يبدو الوضع مختلفًا جزئيا، إذ تحدد كل مدينة المواعيد المناسبة لها، فمثلا تغلق المحال التجارية والمطاعم والمقاهي في العاصمة برلين وبعض المدن الكبرى أبوابها في الحادية عشر مساء،

وفي اليونان، تعمل المتاجر الكبيرة، والسوبر ماركت والمطاعم، من الإثنين إلى الجمعة من الساعة الـ9 صباحًا إلى الساعة 9 مساءً، وفي أيام السبت من الساعة 9 صباحًا إلى الساعة 8 مساءً، ويتم إغلاق جميع المتاجر عادة يوم الأحد.

مقهى الفيشاوي

ولطالما سعت الحكومة المصرية إلى تنظيم حياة الشعب من خلال فترات العمل ومواعيد الإغلاق، بهدف تقليل أحمال الكهرباء من جانب، والقدرة على ضبط الأمن من جانب آخر.

وسبق أن حددت حكومة هشام قنديل في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي العاشرة مساء موعدا لغلق المحال التجارية، لكن القرار قوبل باعتراضات شعبية كبيرة لتعارضه مع قطاع كبير من الشرائح التي ستتكبد خسائر مالية كبيرة حال الإغلاق المبكر، ما أجبرها على التراجع فيما بعد.

لكن هذه المرة، استطاعت الحكومة أن تمهد الطريق وتصنع مناخا مؤيدا لقراراتها من خلال تلميحات سابقة بأن ظروف جائحة فيروس كورونا قد تدفعنا إلى تحديد مواعيد ثابتة للإغلاق، تماشيا مع المواعيد التي حددت في وقت حظر التجوال.

 

استمرار مواعيد غلق المقاهي والمحلات.. مكاسب اقتصادية واجتماعية

 

لا تأثيرات سلبية

أما الآن، تلقى القرارات الجديدة قبولا لدى خبراء الأمن والاقتصاد خلال حديثهم مع “مصر 360″، إذ أكد الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الشافعي، أن القرارت التنظيمية المقررة ستعود بالنفع اقتصاديا واجتماعيا على الجميع سواء الدولة أو المواطن، مبينا أن الانتظام يؤكد أن مصر أصبحت دولة حديثة، ويعطي مؤشرات إلى الخارج بوجود حياة منظمة في البلاد تمكنهم من تحقيق أهدافهم.

وذكر الشافعي أن التجربة التي خاضتها مصر مع بدء أزمة كورونا واتخاذ قرارات الغلق الجزئي والتي أدت إلى زيادة نسبة البطالة إلى 9.6%، وفقا لبيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، قبل أن تعود الحياة إلى طبيعتها تدريجيا ويسمح بالعمل حتى الثانية عشر مساء لينخفض معدل البطالة إلى 7,3% في الربع الثالث من العام الجاري، لتؤكد التجربة الحالية أنه لن يكون هناك تأثير سلبي على أصحاب المحال والمطاعم والكافيهات والعاملين.

وأيدت مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى الدكتورة هدى الملاح، تصريحات وزير التنمية المحلية بأن القرارات تتضمن العديد من المزايا، من بينها توفير استهلاك الطاقة، وتنظيم ساعات عمل المنشآت العامة، وإعطاء فرصة للأجهزة المحلية بالأحياء والمراكز والمدن والوحدات المحلية وشركات النظافة للقيام برفع المخلفات والقمامة من الشوارع.

غير أن أن أصحاب المحال سيستفيدون من انخفاض تكلفة التشغيل أيضا، وكذلك المواطنين سيستفيدون من انخفاض النفقات الشهرية “جزئيا”.

“الورش والأعمال الحرفية”

قرارات شعراوي كشفت أن محال الورش والأعمال الحرفية داخل الكتلة السكنية ستبدأ عملها في الثامنة صباحاً وتغلق في السابعة مساءً (صيفاً) والسادسة مساءً (شتاءً)، عدا الورش الموجودة على الطرق ومحطات الوقود والورش المرتبطة بالخدمات العاجلة للمواطن والتي يصدر بها قراراً من رئيس اللجنة العليا لتراخيص المحال العامة.

تعليمات الوزير بينت أنه يجوز تعديل مواعيد فتح وغلق محال الورش والأعمال الحرفية داخل الكتلة السكنية في حالة وجود ما يستوجب ذلك، بقرار منه بناءً على اقتراح الوزير أو المحافظ المختص بعد العرض على اللجنة العليا لتراخيص المحال العامة، لافتا إلى استثناء محال البقالة والسوبر ماركت والمخابز والأفران، مع مراعاة الأنشطة الليلية لبعض المحال مثل محال بيع الفواكة والخضروات ومحلات الدواجن وأسواق الجملة والصيدليات.

ورش ميكانيكا

وبرأي هدى الملاح، فإن قرارات غلق محال الورش والأعمال الحرفية “مثالية” وتتشابه مع المواعيد المقررة في الدول المتدقمة، وأنها ستعود بالنفع على المواطن فلن يواجه الإزعاج الذي عانى منه على مدار العقود الماضية، فضلا عن أن أصحاب المنشآت والعاملين سيعملون على إنجاز نفس الأعمال التي كانوا ينجزونها في الأيام العادية في المواعيد المقررة، ومن ثم تقل فاتورة التشغيل بالنسبة لهم بنسبة كبيرة.

“استفادة أمنية”

وزير التنمية المحلية أكد أن القرارات الجديدة ستعمل على تحقيق الانضباط للشارع والقضاء على العشوائية والفوضى ومنع الإشغالات والتكدس المرورى في بعض المناطق، بالإضافة إلى الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين وعدم الإزعاج وخفض حدة الضوضاء والحفاظ على المرافق العامة للدولة والبنية التحتية، وهو ما يتفق معه الخبير الأمني اللواء محمد رشاد.

رشاد ذكر أن القرارات التنظيمية لها أبعاد عديدة من الناحية الأمنية إذ ستسمح بالتقارب الأسري بشكل كبير ومن ثم مواجهة ظاهرة التفكك الموجودة في المجتمع وبالتالي سيقل معدل الجريمة في الشارع المصري، فضلا عن تسهيل عملية المتابعة الأمنية الموجودة في الشارع من دوريات وغيرها في ظل انخفاض أعداد المواطنين، فضلا عن حل مشكلة التكدس المروري بصورة كبيرة.

وزادت معدلات الجريمة الأسرية في مصر بنسبة 20% خلال العام الماضي مقارنة بالأعوام السابقة بسبب الخلافات الزوجية. في وقت كشف المركز القومى للبحوث الجناية والاجتماعية أن جرائم القتل الأسرى فى مصر تشكل من ربع إلى ثلث إجمالى جرائم القتل، وأن نسبة 92% من هذه الجرائم تتم بدافع العرض والشرف نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات.

ولفت الخبير الأمني في تصريحات خاصة إلى أن الأجهزة الأمنية ستتحمل أعباء كبيرة مع بدء تطبيق القرارات ومتابعة التزام المواطنين، لحين التعود على المواعيد الجديد، مشددا على ضرورة وجود عقوبات رادعة على المخالفين، وتطبيقها بصورة قوية حتى تنجح الدولة في تنفيذ خطتها.

“كورونا” يعبث بمؤشرات التجارة العالمية.. هل ستتأثر مصر؟

العالم الليلي

ربما لا تواجه الحكومة أية مشاكل مع قطاع الحرفيين أو المطاعم التي تعمل 24 ساعة بنظام “الدليفري”، لكنها في الوقت نفسه ستكون مطالبة بتوفير حماية اجتماعية للعاملين في الملاهي الليلية داخل الفنادق السياحية وخارجها، حيث لا تناسبهم بكل تأكيد المواعيد الجديدة المنظمة للعمل حتى الواحدة صباحا في العطلات.

 كشف وزير السياحة خالد العناني أنه تقرر فتح المطاعم والكافيتريات والبازارات المرخصة سياحياً يومياً من الساعة الخامسة صباحاً حتى الساعة الواحدة صباحاً صيفاً والساعة الثانية عشر منتصف الليل شتاء، على أن يتم زيادة التوقيت خلال فترة الشتاء يومي الخميس والجمعة وفي أيام الإجازات والأعياد الرسمية للدولة لتُغلق الساعة الواحدة صباحاً، مع استمرار خدمة التيك واي، وتوصيل الطلبات للمنازل بالنسبة للمطاعم والكافيتريات على مدار اليوم صيفاً وشتاء.

شكاوى سياحية

القرار السابق لاقى اعتراضا من غرفة ‎المنشآت والمطاعم السياحية، بدعوى أن الغرفة لم يتم استطلاع رأيها في القرار، محذرة من خروج مصر من المنافسة بين المقاصد السياحية المنافسة حال تنفيذ الخطة الحكومية، وأن المواعيد تضعف القوة الناعمة التى تتمتع وتتميز بها مصر سياحياً والتي تتمثل في المهرجانات والحفلات الغنائية والمسارح والمطاعم والنوادى الليلية.

وطالبت الغرفة بتمديد موعد الغلق حتى الساعة الثالثة صباحا حتى تستطيع المطاعم دفع تكاليف العمالة والتشغيل، مشيرة إلى أن  تبكير مواعيد الغلق سيجعل المطاعم العاملة حاليا تحقق خسائر مادية كبيرة ما قد يدفعها لتغيير نشاطها وهو ما يعتبر خسارة كبيرة للقطاع السياحى خاصة أن غالبية المطاعم السياحية المصرية باتت لها شهرة كبيرة داخل مصر وخارجها.

ودعت الغرفة الحكومة إلى أن تكون مواعيد غلق الديسكو تيك ومسارح المنوعات حتى الساعة السادسة صباحاً،ك مواجهة ومنافسة شرشة في المقاصد السياحية المحيطة لمصر مثل تونس والمغرب ولبنان وتركيا بل ومهرجانات الرياض حالياً.

 

 

“فرصة التعديل”

الحكومة لم تغلق الباب في هذه المنطقة، حيث أشارت بيانات وزارتي التنمية المحلية والسياحة إلى إمكانية إجراء تعديلات على مواعيد فتح وغلق المحال الموجودة بالمحافظات الساحلية والسياحية بقرار من رئيس اللجنة العليا لتراخيص المحال العامة بناءً على اقتراح المحافظ المختص أو رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.