“عشمي كبير في ربنا ثم القضاء العادل، إن محمد أشرف يخرج بالسلامة من المحنة اللي اتورط فيها بدون قصد وخصوصًا إنه إنسان لا يمكن يفكر يؤذي مشاعر حد.. أرجو بس إنه محدش يفكر من أي جهة يستغل الموضوع لصالحه، لأن محمد أشرف طيب ومايقصدش أبداً يزعل أو يجرح حد.. وإن شاء الله يرجع بالسلامة لشقتنا اللي لسه مكملناش فيها أسبوعين بعد جوازنا. ادعوله وادعولي ربنا يخليكم ويحفظلكم ولادكم”.

طغت هذه الوتيرة من الاستعطاف والمناجاة على منشورات أسماء عماد، زوجة الكوميديان الساخر محمد أشرف، المتهم بازدراء الدين الإسلامي، على خلفية مقطع فيديو يسخر فيه من طريقة إلقاء بعض مقدمي برامج إذاعة القرآن الكريم.

عماد لم تتوقف يومًا منذ أزمة زوجها عن دعمه وشرح قصده وتبرير موقفه، وإعادة نشر مقطع الفيديو الذي ظهر فيه زوجها معتذرًا عن إساءة غير مقصودة في حديثه الساخر.

 

https://www.facebook.com/asmaa.emad89/videos/10164198989835265

محاولات قد تبدو بائسة لدى البعض ممن يتعاملون مع الأمر بمنطق بديهي “السخرية من شخص لا تعني السخرية من الدين”. بينما تبدو ضرورية لدى آخرين يعتبرون أن مثل هذا “الأداء الكوميدي الساخر من الرموز الدينية يستوجب اعتذارًا وعقابً”، على غرار ما حدث مع واقعة الشاب يوسف هاني، الذي قرر قاضي معارضات الإسماعيلية إخلاء سبيله، قبل عدة أيام، بعد تقديمه اعتذار أمام المحكمة وتأكيد احترامه للدين الإسلامي والنبي محمد، على خلفية واقعة تبادل تعليقات إلكترونية عبر موقع تواصل اجتماعي.

 

التهمة الدائمة هي “إهانة الثوابت”.. الكوميديان صاحب فيديو إذاعة القرآن الكريم في قبضة “الوطنية للإعلام”

قضية الكوميديان الساخر

بالعودة لقضية محمد أشرف، تعود وقائعها ترجع إلى أكتوبر الماضي، عندما انتشر مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ يعود إلى يناير الماضي، يظهر فيه شاب على منصة أمام جمهور حفل “جلوكال شو” يتناول قضايا بسخرية على طريقة “ستاند آب كوميدي”. يضحك الجمهور حينًا ويكتفي بالابتسام حينًا آخر. كان جزء من هذا العرض الكوميدي الساخر متعلق بأداء مقدمي برامج إذاعة القرآن الكريم.

https://www.youtube.com/watch?v=n42Qiszecrc&ab_channel=%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1%D8%AA%D9%83AlaaTech

هاجت الدنيا وماجت لتقرر بعدها النيابة العامة المصرية، حبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات، بناء على البلاغ المقدم ضده من الهيئة الوطنية للإعلام، على خلفية اتهامه بازدراء الدين الإسلامي بسبب سخريته من مذيعي إذاعة القرآن الكريم.

اعتذار لا يفي بالغرض

ورغم اعتذار أشرف علنًا في مقطع فيديو سجله ونشره خصيصًا لكل من أغضبهم المقطع السابق، ورغم حذف صفحة برنامج “ذا جلوكال شو” الفيديو المثير للجدل؛ إلا أن هذا الاعتذار لم يشفع له من وقف التحركات القضائية ضده، حيث قررت النيابة في 12 نوفمبر حبس أشرف 4 أيام على ذمة التحقيقات بعدما وجهت له اتهامات “ازدراء الدين الإسلامي وتهديد قيم الأسرة المصرية وسب وقذف مقدمي برامج إذاعة القرآن الكريم ونشر محتوى يهدد الأمن والسلم الاجتماعي من شأنه التحقير من إذاعة القرآن الكريم”.

كما تقدّم المحاميان سمير صبري وأيمن محفوظ، ببلاغين إلى النائب العام المصري، حمادة الصاوي، ضد أشرف، بتهمة ازدراء الدين الإسلامي.

مطالب بتغيير نص القانون

على خلفية قرار حبس أشرف، تباينت ردود الأفعال، وعاد الجدل مجددًا بشأن توجيه تهمة ازدراء الدين.

فمن جانب، دافع عدد من الفنانين والمثقفين والحقوقيين عن أشرف، ضد ما وصفوه بـ”المبالغة في ردة الفعل”، ومن بينهم المخرج عصام السيد، والسيناريست محمد سلمان عبد المالك، والمنتج محمد العدل.

جانب-من-التعليقات-على-قضية-محمد-أشرف
جانب-من-التعليقات-على-قضية-محمد-أشرف

على الجانب الآخر، هناك مع يتمسك بمكانة وقدسية الرموز الدينية، وتنحيتها جانبًا على أي مجال للسخرية والتهكم، إعمالًا بمبدأ أن القانون الدولي كفل حرية الاعتناق، لكن أنه لم يسمح بازدراء الأديان، وأن هناك فارق بين حرية الرأي والتعبير وبين ازدراء الأديان والتقليل من معتقدات الآخرين وهو ما يعاقب عليه القانون المصري في مادته 98 من قانون العقوبات المصري.

وتنص المادة 98 على “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنية ولا تجاوز ألف جنيه لكل من استغل الدين في الترويج أو التحييذ بالقول أو بالكتابة أ بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو التحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الضرر بالوحدة الوطنية أو بالسلم الاجتماعي”.

كما تنص المادة 160 من قانون العقوبات المصري على أنه “مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يعاقب بالحبس مدة ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن 5 آلاف جنيه كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو دين أو احتفال أو رموز أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس”.

وتتحقق جريمة ازدراء الأديان، بحسب القانون المصري، بوقوع الفعل المُجرم، وتوافر النية بغض النظر عن تحقق الهدف المرجو من هذا الفعل من عدمه، وذلك إما لاستغلال الأديان السماوية في الترويج والتحبيذ باستخدام أي وسيلة من وسائل النشر لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين، أو بتوافر القصد الجنائي واتجاه الإرادة إلى ازدراء الأديان السماوية أو تحقيرها أو إثارة الفتن أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.

ازدراء الأديان في مصر

في الشأن الداخلي المصري، هناك العديد من الوقائع التي حوكم فيها مواطنون بتهمة ازدراء الأديان ليس الدين الإسلامي فقط، تطبيقًا للنصوص الواردة في قانون العقوبات المصري.

ويعد الباحث إسلام البحيري أبزر النماذج شيوعا في الأحكام الصادرة بتهمة ازدراء الأديان، حيث عوقب بالحبس  5 سنوات خفضت لعام واحد بتهمة ارتكاب جريمة ازدراء الدين الإسلامى، من خلال تصريحاته المشككة فى الأحاديث النبوية، وأئمة المذاهب الأربعة.

إسلام البحيري

وبحسب حيثيات الحكم، أراد البحيري من بث أفكاره عبر برنامجه التلفزيوني، إثارة الفتنة بين أطياف المجتمع المصري وزعزعة عقيدته الدينية الوسطية للنيل منه وإهدار ثوابت علم الحديث ومصادره بهدف التحقير من الدين الاسلامي وازدرائه.

الدعاة والتنويريون الجدد.. ثقافة محدودة في مواجهة قضايا شائكة

وفي كل مرة أثير فيها الجدل حول هذه التهمة، كانت مطالبات حقوقية وسياسية تعلو من أجل تعديل النصوص القانونية، باعتبار أن تهمة “ازدراء الأديان” قانون العقوبات تشوبها شبهة عدم دستورية لمخالفتها المواد 53 و64 و65 و67 من الدستور المصري التي تتناول عدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين والعقيدة والجنس والأصل والعرق واللون واللغة والإعاقة والمستوى الاجتماعي والانتماء السياسي والجغرافي”.

مطالبات بحدف مادة ازدراء الأديان

وفي أبريل 2016، وقع 68 نائبًا على مقترح قدمته آمنة نصير، عضو مجلس النواب، بمشروع قانون بتعديل بعض الأحكام الواردة بالقانون رقم 58 لسنة 1937 بإصدار قانون العقوبات وتعديلاته، وذلك بــحـذف نص الفقرة (و) من المادة 98 (مادة ازدراء الأديان) من القانون المشار إليه، وذلك لتعارضها البـين مع فلسفة وأحكـام الدستور المصري الصادر في 2014 وبالأخص في مواده أرقام 64، 65، 67، 71، 92، 95. لكن اللجنة التشريعية بمجلس النواب، رفضت آن ذاك مقترح آمنة نصير وبقيت المادة قيد التطبيق.

وجاء في المذكرة التفسيرية للمشروع المقترح “جاءت نصوص الدستور المصري 2014 لتصون قيمة الحرية الشخصية وتضمن حرية الاعتقاد والرأي وتكفل لصاحب الفكر حقه في التفكير والتعبير مهما كان فكره مخالفاً لما عليه سواد المجتمع، ومثل ذلك حلقة هامة في مسيرة التطور الطبيعي لحفظ حقوق الإنسان وصون كرامته على أرض أقدم حضارات الدنيا، ولتواكب مصرنا مسيرة الإنسانية لاستكمال مسيرة طي صفحات بغيضة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ من تكبيل الحريات وتكميم الأفواه، ومن الرمي بالهرطقة التي شاعت في أوربا على يد الكنيسة أو الوصم بالزندقة التي ظهرت في بلاد المشرق على يـد من أرادوا احتكار الدين لحساب فهمهم الخاص له، وفرضه على كل صاحب رأي وفكر يخالفهم”.

كما أن الظرف التاريخي لإضافة الفقرة ( و ) عنوة للمادة 98 بموجب القانون رقم 29 لسنة 82، تعود لأحداث الزاوية الحمراء التي نشبت في يونيو 1981، هي السبب الرئيسي لصياغة وإقرار القانون 29 لسنة 82. وبعيداً عن ملابسات هذه الأحداث وما قيل في تفسير سبب نشوب أحداثها ، فإن تداعياتها القانونية لا زلنا نكتوي بنارها إلي يومنا هذا”.

تعريفات الجريمة

هذه الفلسفة القانونية هي الأقرب لرأي  ناصر أمين، مدير مكتب الشكاوى بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، الذي أعلن سابقًا رفضه النصوص القانونية والدستورية المتعلقة بعقوبة ازدراء الأديان بوضعها الحالي، باعتبارها “تعالج الحالات القديمة وقت إقرار المادة في بداية الثمانينيات من القرن الماضى”، و”تختلف عن الظروف الحالية، فضلًا عن مخالفتها الصريحة لنصوص الحريات فى الدستور المصري”.

هذا المنطق نفسه، الذي بررت به المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، في مطالبتها بوضع تعريف منضبط لجريمة ازدراء الأديان بما يتسق مع الدستور. إذ رأت المنظمة أن حرية العقيدة هي حق من حقوق الإنسان الأساسية، وأنها ثابتة لجميع البشر، وأن حرية العقيدة المكفولة بموجب الدستور والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان هي ضمانة لتمتع الأفراد بحقهم في حرية العقيدة وممارسة شعائرهم الدينية وليس لاستخدامها من جانب السلطة الحاكمة لمعاقبة أفراد على تصرفاتهم.

وعليه طالبت المنظمة المصرية، بتغيير قانون العقوبات في متن المادة 98 لكونه يتعارض بشكل جلي مع الدستور المصري وخاصة المادة 64 والتي تنص على أن حرية الاعتقاد مطلقة، وكذا المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان المعنية بحرية المعتقد، وإسقاط التهم الموجهة للأطفال بموجب هذه المواد، مع ضرورة إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات إعمالا لروح ونص الدستور، وفتح حوار مجتمعي لكل الأطراف حول قانون إنشاء مفوضية مكافحة التمييز، وتحديد واضح لخطاب الكراهية والحض على العنف.

ازدراء الأديان يتجاوز الجغرافيا

عالميًا، لا يمكن إنكار وجود قوانين تجرم ازدراء الأديان في عدد كبير من الدول على مستوى العالم، وإن كانت لا تستخدم عبارة “الازدراء” وتحل محلها بعبارة “صون المشاعر الدينية”.

ومن ضمن الدول التي تجرم “ازدراء الأديان بنصوص قانونية مباشرة”، عدد من الدول العربية من بينها مصر والسعودية والسودان والكويت، فضلًا عن دول أخرى مثل الهند وأيسلاندا واليونان وجنوب أفريقيا، وكذلك سويسرا وإسبانيا.

كما أن عددا لا بأس به من الدول الأوروبية تحبس كل من حرض على “الكراهية” بسبب اللون أو الدين أو العرق، مثل كندا والبرازيل وفنلندا، والدنمارك وفرنسا وألمانيا.

لبنان

ومع ذلك فإن المطالبة بـ”عدم التعامل بحساسية مفرطة تجاه الرموز الدينية” تأتي من واقع تجارب دول عربية مجاورة، أبرزها لبنان على سبيل المثال، الذي وسع من مفهوم حريات المعتقد، وأقر أحكامًا قضائية بذلك

وكان آخرها الحكم القضائي الصادر في يناير  من العام الماضي، عندما أصدر القاضي المنفرد الجزائي حكمًا بإبطال التعقبات بحق مدعى عليهما أحدهما قسّ، أحيلا أمامه من قبل النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بتهمة إقدامهما على إثارة النعرات الطائفية وتحقير الشعائر الدينية، في حكم اعتبره مراقبون تكريس حقيقي لحرية المعتقد. يتماشى ليس فقط مع الدستور اللبناني، بل مع المواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد  الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق العربي لحقوق الإنسان.

الأردن

الأردن أيضا من الدول التي تتوسع في استخدام عقوبة ازدراء الأديان بحق مواطنيها، بل يصل الأمر هناك إلى تصفية المثقفين مثلما حدث في واقعة اغتيال الكاتب اليساري ناهض حتر، الذي سبق وواجهة تهمة الازدراء.

ناهض حتر

واعتقلت الحكومة 16 شخصا بتهمة الازدراء وإثارة النعرات الطائفية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد مقتل الكاتب حتر، لاقترافهم أفعال خارج عادات وموروثات الشعب الأردني.

وطالبت هيومن رايتس ووتش، الحكومة الأردنية، بإيقاف الملاحقات القضائية بتهمة التشهير بالدين، على خلفية محاكمة المتضامنين مع ناهش حتر.