3 أفلام فقط و15 مسرحية غنائية كل ما قدمته جارة القمر فيروز في مشوارها الفني الذي بدأ قبل 6 عقود. رقم يبدو قليلا ومتواضعا أمام سفيرة الغناء العربي مقارنة بإنتاجها الكبير، وإنتاج غيرها من المطربات اللواتي اقتحمن العالمين معا: الغناء والتمثيل.

تكمل فيروز، اليوم، عامها الخامس والثمانين، وهي لا زالت على العرش رغم ابتعادها عن الأضواء وأقلام الصحافة المتربصة بها، كعادتها،.

تاريخ سينمائي عمره ثلاث سنوات فقط

منذ أن دلفت عالم الغناء في عام 1950 وربما قبل ذلك بقليل، لم يجد المولعون بتلك المُغردة الصغيرة أثرًا في عالم السينما، بالرغم من أنها قد قدمت حصيلة مسرحيات غنائية وصلت إلى أكثر من 15 مسرحية غنائية، سوى ثلاثة أفلام فقط.

أول هذه الأفلام في عام 1965 حينما شاركت شقيقتها الصغرى هدى حداد ونصري شمس الدين بطولة فيلمها الأول “بياع الخواتم”، وهو فيلم غنائي من الطراز الأول قدمت فيه شخصية “ريما” التي جسدتها فيروز عدد من الأغنيات التي عاشت معنا وتغنى بها أبناء الأجيال المتعاقبة.

تلا ذلك فيلمها الثاني “سفر براك” عام 1967، ثم في العام التالي قدمت فيلمها الثالث والأخير “بنت الحارس” قدمت فيه شخصية فتاة تدعى “بنت الحارس” وكان ذلك في نهاية عام 1968.

وبهذا الفيلم انتهت مسيرة فيروز السينمائية التي لم تستمر سوى ثلاث سنوات متتالية فقط، ولكن وراء هذه الأفلام الثلاثة ثمة حكاية أفصحت عنها السيدة فيروز على استحياء في أحد لقاءاتها الصحفية.

كان ذلك خلال حوار أُجري معها في إطار تصوير فيلم تسجيلي يتناول جنبات من حياة سفيرة الغناء العربي  التي لا تكف عن التغريد السيدة “نهاد حداد” التي عُرفت بعد ذلك باسم “فيروز” وهو الاسم الذي أطلقه عليها مكتشفها حليم الرومي بعد أن ساعدها في الغناء بالإذاعة اللبنانية التي كانت من أقوى الإذاعات العربية المفتوحة على العالم كله.

وبقي السؤال لماذا دخلت فيروز عالم السينما على استحياء وخرجت منه بهذه السرعة؟

في أحد صيفيات العام الأول من خمسينات القرن الماضي، وفي داخل الإذاعة اللبنانية، كان اللقاء الأول بين فيروز والمجدد الموسيقي اللبناني في تلك الفترة، والفتاة المراهقة  “فيروز” ذات الضفائر السوداء الفحمية والعينين الغائرتين التي تحتضن كراستها وتجلس بجوار أبيها والموسيقار اللبناني “حليم الرومي”.

منذ تلك اللحظة أصبح عاصي هو عين فيروز التي ترى بها وأذنيها التي تسمع بها، على حد وصفها، وفي عام 1957 سطع نجمهما مع الأخ الثاني لضباط الشرطة “عاصي الرحباني” الذي سيصبح زوج فيروز بعد ذلك، منصور الرحباني، فشكلا الثالوث الذي قاد فيروز والمنطقة العربية لعالم فني وغنائي جديد ومختلف عما عهدته المنطقة العربية في هذه الفترة.

وفي خِضَم هذه النقلة الكبرى التي لم تستوعبها فيروز التي كانت تتسم بالخجل الشديد والصمت المستمر والرغبة في الابتعاد عن الأضواء، تقول فيروز في لقاء لها أجرته في العام 2018:”كنت أنا أُهرب بس بلشوا الناس يعرفوني، وهذا الشيء صار سريع، وكنت استحي وأهرب ودايما أمشي تا ماحدا يشوفني أو يعرفني، وبقيت هيك لفترة حتى ساعدني عاصي في كثر هالخوف والتغلب عليه”.

 

بدا من حديث فيروز هذا، أن عاصي الرحباني كان دائم الدفع لفيروز حتى تخرج للأضواء وتواجه ملايين الجماهير، رغبته المستمرة في أن تكسر فيروز خوفها وتكف عن الاختفاء خلف نظارتها السوداء السميكة، وفي منتصف الستينات حينما لمع نجم فيروز في سماء الغناء العربي حتى أصبحت تقارع السيدة أم كلثوم في مصر.

كانت القاهرة في تلك الفترة تُعرف بـ”هوليوود الشرق”، من يريد أن يسطع نجمه في عالم السينما العربية عليه أن يتوجه إلى القاهرة ويشق طريقه وسيجد حتمًا النجاح إذا كانت لديه الموهبة الحقيقية.

لهذا كان على فيروز أن تترك أبنائها الأربعة وتتجه إلى القاهرة، لم تستطع فسافر كل من هنري بركات ويوسف شاهين إلى بيروت خصيصا للقاء فيروز وعرض عمل سينمائي من إخراج هنري بركات يسمى “بنت الحارس” الذي يشاء الأقدار أن تمر السنوات وتقدمه فيروز ويكون خاتمة أعمالها السينمائية.

 

قبل زيارة ماكرون لفيروز.. “الفنانون والرؤساء” لقاءات شخصية بأهداف سياسية

 ليست نادمة على دخول عالم السينما

تقول فيروز في لقاء أجرته معها فضائية الجزيرة الوثائقية في صيف عام 2018 :”ما قبلت  عرض هنري بركات كنت خايفة كتير، عاصي كان ما يرد على شو بجاوبه لما خبرته إني رافضة التمثيل، لأنه كان هو يشوف شو النتيجة، يعني كنت أمشي بعد ما أرفض، لإيام ضل إبكي وقله ما بعرف احكي ما بعرف امشي يقلي ما عليكي وتمشي الإشيا” وبالفعلت “سارت الإشيا” ووافقت فيروز على  ما قاله عاصي الرحباني، وقدمت أول أفلامها السينمائية “بياع الخواتم” .

وتصف فيروز أفلامها الثلاث قائلة :”أنا بعتبر الأفلام اللي عملته بقي فيها كل الإشيا اللي بنحبه البيوت والقصة والمطارح والجبال والناس، تحافظ على كل الإشيا اللي حبيناها وحبينا أن تبقى”.

كأن فيروز بهذه الجملة تشعر بالامتنان لزوجها عاصي الرحباني الذي دفعها دفعًا إلى السينما لتسطر فيها بأحرف من نور كما اعتادت تاريخ ثلاثة أفلام غنائية استعراضية، تجسد شخص لبنان وطبيعته الساحرة وتاريخه الذي يعج بالبطولات والأمجاد، ليس هذا فقط فقد كانت أفلام فيروز “البِكر” الخالية من صور العنف أو الإيحاءات والمشاهد الجنسية أو القُبلات، ترصد التطور الذي يحدث لوعي المواطن العربي واللبناني على وجه التحديد بأهمية جغرافيا هذه الدولة وفلسفته الإنسانية التي تقوم على المحبة والتسامح.