يبدو أن الأخبار المتلاحقة لإلقاء القبض على مسؤولي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الأيام القليلة الماضية، ستحظى بأثر دولي واسع، مع استدعاء المبادرة لمؤسسها (تأسست سنة 2002) الناشط بالمجتمع المدني والصحفي حسام بهجت، لقيادة إدارتها و”مواجهة الحرب” الحالية، بعد إلقاء القبض على ثلاثة من مسؤوليها.
حسام بهجت
حسام بهجت صحفي تحقيقات بموقع مدى مصر، وشغل من 2002 وحتى 2013 منصب المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي أسسها في 2002 بالقاهرة، وهو أيضًا عضو بمجلس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العالمي للمجتمع المدني.
عُرف حسام بهجت كأحد أبرز المدافعين عن الحقوق والحريات المدنية في مصر. وبعد تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، كثف بهجت من جهود تعزيز الحقوق والحريات في مصر، قبل أن ينتقل للعمل الصحفي عبر موقع مدى مصر في 2013.
وفي نوفمبر 2015، نشر بهجت تحقيقًا بمدى مصر، أحيل بسببه إلى التحقيق أمام النيابة العسكرية، بتهمة “تكدير السلم العام وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير السلم العام”، لتعلن 13 منظمة حقوقية دولية ومحلية تضامنها مع بهجت، كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بان كي مون، بالإفراج عنه، ليخلى سبيله بعد نحو أربعة أيام.
وتضامنت معه قرابة 13 منظمة حقوقية، من بينها منظمة العفو الدولية، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، مركز هشام مبارك للقانون، القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات.
“انفراجة وشيكة” قبل واقعة المبادرة
في 16 نوفمبر الجاري، قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس محمد بشير، المدير الإداري للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، 15 يومًا على ذمة التحقيق، مع ضمه إلى القضية 855 لسنة 2020، التي جرى تدوير قضايا عديد ممن أخلي سبيلهم على ذمتها. واتهمت النيابة بشير بالانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب.
جاء ذلك بعد إعلان المبادرة استقبالها سفراء دول أوروبية، لاستعراض وضع حقوق الإنسان في مصر. وشملت قائمة الزائرين سفراء ألمانيا والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا وفرنسا وفنلندا وهولندا والقائمين بأعمال سفراء كندا والسويد والنرويج ونائب سفير المملكة المتحدة وممثلين عن المفوضية الأوروبية في القاهرة.
ولحق بشير في الملاحقات، مدير وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة كريم عنارة، ثم جاسر عبد الرازق المدير التنفيذي، وذلك خلال أربعة أيام فقط.
وفي مطلع الشهر الجاري، كانت الحكومة قد أطلقت سراح مئات السجناء، وكان من بينهم خمسة من أقارب محمد سلطان الناشط المصري الأمريكي، ما جعل كثير من المراقبين يتساءلون عن مدى تحقق “انفراجة وشيكة” في هذا الملف، قبل أن تحدث واقعة المبادرة المصرية.
اقرأ أيضًا: إخلاء سبيل 400 متهم بتدابير احترازية.. هل نشهد انفراجة سياسية قريبة؟
ومع ما شهدته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مؤخرًا، أبدت ميشيل دن، الباحثة الأولى في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط تعجبها، قائلةً: “الحكومة المصرية أفرجت أولًا عن خمسة من أقارب محمد سلطان، بالإضافة إلى عدة مئات من السجناء الآخرين، ثم لاحقت إحدى أبرز منظمات حقوق الإنسان في البلاد”، مضيفةً: “ربما في الأمر إشارة إلى إدارة بايدن القادمة، بأن الضغط على قضايا حقوق الإنسان سيواجه مقاومة شديدة”.
في المقابل، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد حافظ، عن رفض أي محاولة للتأثير على سير التحقيقات مع مسؤولي المبادرة باعتبارهم مواطنين مصريين، تم توجيه اتهامات لهم.
ردود فعل دولية
جاء رد الخارجية المصرية بعد إدانات دولية لحقت أنباء القبض على المسؤولين الثلاثة بالمبادرة المصرية، إذ حذرت الخارجية فرنسا من التدخل في شؤونها الداخلية، واعتبرت انتقادها محاولة للتأثير على التحقيق الجاري.
وكان من بين من انتقدوا القبض على مسؤولي المبادرة، مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي وصف ما حدث بأنه “جزء من نمط أوسع لترهيب المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان”، وأنها “غير متوافقة مع سيادة القانون”، كما عبرت دول غربية أخرى غير فرنسا، من بينها أيرلندا والنرويج، عن قلقها بشأن هذه الاعتقالات.
وقال السيناتور الديمقراطي كريستوفر أ. كونز، المرشح لمنصب وزير الخارجية بإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، في تغريدة عبر تويتر، إن “الاعتقالات كانت مثالًا مقلقًا آخر على الحملة القمعية ضد نشطاء حقوق الإنسان”، مشددًا على ضرورة احترام وحماية موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وعملها.
كما أعربت المملكة المتحدة عن قلق بالغ إزاء إلقاء القبض على المسؤولين الثلاثة، وذكرت في بيان أنها على اتصال دائم بالسلطات المصرية، وأن وزير الخارجية دومينيك راب آثار الأمر مع نظيره المصري. وأضاف البيان: “نحن نعمل بشكل وثيق مع شركاء في المجتمع الدولي يشاركوننا مخاوفنا”.
نقد مؤثر؟
وبعد حملة الانتقادات التي وجهتها العديد من المنظمات الدولية والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، إضافة إلى سياسيين وحكومات دول غربية، أخطرت نيابة أمن الدولة العليا، المبادرة المصرية، بتحديد جلسة صباح الغد، الإثنين 23 نوفمبر 2020، لاستكمال التحقيقات مع قيادات المبادرة المقبوض عليهم.
وتبدو جلسة الغد استثنائية، كون الثلاثة المقبوض عليهم كانت النيابة قررت حبسهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات. فهل تكون جلسة الغد المرتقبة بغرض الإفراج عن قيادات المبادرة المصرية؟