تحمل أعمال الدورة الخامسة عشرة لمجموعة العشرين، التي تعقد افتراضيًا في الرياض، أهمية من طابع خاص، يتعدى كثيرًا كونها أول قمة تعقد برئاسة عربية، مع انعقادها في خضم الموجة الثانية لوباء كورونا، فضلا عن تشكيل ملامح قيادة جديدة للولايات المتحدة تتبنى سياسة مغايرة تمامًا للمرحلة “الترامبية”.

تعتبر الدورة الحالية هي الأصعب في تاريخ المجموعة منذ تدشينها مع انتشار الموجة الثانية لكورونا، ومفاضلة زعماء العالم بين استمرار فتح الاقتصاد وتحمل مزيد من الإصابات أم الإغلاق ومواجهة الركود والتعطل وربما شبح المجاعات خاصة في الاقتصاديات الضعيفة في إفريقيا.

وقالت منظمة التجارة العالمية، في تقرير لها صدر أمس الجمعة، إن الانتعاش القوي في التجارة خلال الربع الثالث، سيتباطأ في الأشهر الأخيرة من العام، في ظل الإجراءات التي تتخذها دول العالم لمواجهة كورونا، وفرض قيود جديدة مثل عمليات الإغلاق التي تضغط على قدرة سلاسل التوريد.

كما عدلت المنظمة توقعاتها انخفاضًا بنسبة 9.2٪ بحجم التجارة السلعية العالمية عام 2020.

واستبق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، القمة التي تنعقد افتراضيًا  على مدار يومين تحت عنوان “اغتنام فرص القرن الواحد والعشرين”، بالتأكيد على أن الدول الفقيرة والمثقلة بالديون في العالم النامي الأكثر عرضة للخطر، لأنها على حافة الانهيار المالي، وتصاعد الفقر والجوع وتواجه معاناة لا توصف.

استفادة الفقراء

من المزمع أن تعلن المجموعة عن خطة لتمديد تأجيل مدفوعات خدمة الديون للدول النامية لمدة ستة أشهر حتى منتصف 2021 مع إمكانية تمديد آخر،.

من المرجح أن يضغط الأعضاء الأوروبيون بمجموعة العشرين بالذات من أجل المزيد، على أن يكون تخفيف عبء الديون عن أفريقيا الموضوع الرئيسي للرئاسة الإيطالية لمجموعة العشرين نهاية عام 2021.

تبلغ قيمة الاحتياطات الأجنبية لدول مجموعة العشرين نحو 8.53 تريليون دولار، تتصدرها الصين بنحو  3.128 تريليون، ثم اليابان بقيمة إجمالية 1.384 تريليون، فروسيا الاتحادية بقيمة 582.8 مليار، فالهند بإجمالي 568.5 مليار، والسعودية في المرتبة الخامسة 447.6 مليار، ثم كوريا الجنوبية السادسة بـ 426 مليارًا.

حصة العرب

ووفقاً للفريق السعودي لمجموعة عمل الهيكل المالي الدولي، تقدر حصة الدول العربية من مبادرة مجموعة العشرين لتأجيل مدفوعات الديون، تقدر بنحو 600 مليار دولار، موضحًا أن الهدف من المبادرة، السماح لهذه الدول بالتوقف عن دفع ديونها مؤقتا للدول الداعمة الرئيسية مع توجيه هذه الموارد لتطوير القطاعات الصحية وتخفيف الآثار الاقتصادية.

وبحسب الموقع الرسمي لمجموعة العشرين، فإن عدد الدول التي استفادت من تأجيل الديون عالميًا تبلغ 46 دولة، فيما بلغ إجمالي قيمة الديون المؤجلة منذ يونيو  2020 و حتى نهاية أكتوبر  من العام ذاته نحو 14 مليار دولار، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وتعمل بنوك التنمية متعددة الأطراف على تقديم 75 مليار دولار خلال الفترة من أبريل حتى ديسمبر 2020 للدول المستحقة للاقتصاد من المبادرة، كجزء من التزام المجموعة بتقديم 230 مليار دولار للدول النامية ومنخفضة الدخل.

وتشير البيانات الصادرة عن القمة، فإنها ستتخذ إجراءات لدفع النمو العالمي بعدما ضخت نحو 11 تريليون دولار عبر  المنظمات المالية الدولية بجانب دعم النظام الصحي العالمي بنحو 21 مليار دولار.

سيطرة عالمية

تضم مجموعة العشرين الاتحاد الأوروبي و19 دولة هي: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا.

تتناوب الدول الأعضاء على رئاسة مجموعة العشرين كل عام، وتؤدي دولة الرئاسة دورًا قياديًّا في إعداد برنامج الرئاسة ولقاء القادة الذين يصدرون بيانًا ختاميًا بناءً على سياسات تُناقَش خلال الاجتماعات التي تُعقد طوال العام، بعد عدد من الاجتماعات التي تضم الوزراء وكبار المسئولين وممثلي المجتمع المدني.

تمثل المجموعة ثلثي عدد سكان العالم، وتستحوذ دولها على 77% من إجمالي التجارة الدولية، وتأسست عام 1999، وكانت تعقد على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، وتم تأسيسها كرد فعل على الأزمات المالية التي حدثت نهاية التسعينيات، خاصة الأزمة المالية بجنوب شرق آسيا وأزمة المكسيك.

مؤرقات سياسية

حاولت السعودية استثمار رئاستها لمجموعة العشرين في الترويج لسياساتها في الحد من تداعيات كورونا عالميا بتقديم 500 مليون دولار لتقديم المساعدات الدولية بطريقة فاعلة بالتعاون مع المنظمات الدولية لتقديم الخدمات للجميع، والإشارة لتقديمها العلاج مجانًا لجميع المواطنين والمقيمين ومخالفي نظام الإقامة في جميع المنشآت الصحية العامة والخاصة.

محمد بن سلمان في قمة العشرين
محمد بن سلمان في قمة العشرين

وتؤكد الرياض أنها تسعى لتهيئة الظروف التي يتمكن فيها الجميع، خاصة النساء والشباب، من العيش والعمل وتحقيق الازدهار، والحفاظ على كوكب الأرض من خلال تعزيز الجهود المشتركة لحماية الموارد العالمية، وتشكيل آفاق جديدة عبر تبني استراتيجيات جريئة وطويلة المدى لمشاركة منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي.

مذكرات أوباما

وبعيدًا عن تلك الأهداف، كانت الأنظار متجهة صوب كتاب “الأرض الموعودة” الذي أصدره الرئيس السابق باراك أوباما، في توقيت مثير للشبهات بعد عودة الديمقراطيين الذين ينتمي إليهم للحكم، بفوز جون بايدن، والذي يعتبروه البعض معالم طريق للمرحلة الجديدة.

في مذكرات أوباما، تحدث عن لقاء العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وعن زواجه بـ 12 امرأة وجيش الأبناء والأحفاد، واختفاء المرأة السعودية عن المشهد، والبذخ في منازل الأمراء بعدما رصد أدق التفاصيل حتى المائدة التي يمتد طولها 50 مترًا التي تم تجهيزها على شرفه وحقائب الهدايا من الذهب والمجوهرات التي رفضها.

تتماهى مذكرات أوباما مع التصريحات التي أطلقها بايدن خلال حملته الانتخابية التي قال فيها إن إدارته ستعيد تقييم العلاقات الأمريكية مع السعودية وستنهي دعم بلاده للحرب في اليمن ولن تساوم على قيمها بهدف بيع الأسلحة أو شراء النفط.

ولم يغفل الإشارة إلى مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بتركيا، متبوعًا بعبارة: “سأدافع عن حقوق الناشطين، والمنشقين السياسيين، والصحفيين حول العالم”.

مقتل جمال خاشقجي: القضاء السعودي يصدر أحكاما بالسجن على 8 متهمين.. و3 أسئلة دون إجابة

قبيل انعقاد القمة، أعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن أوروبا “لم ولن تتجاهل قضية الحريات وحقوق الإنسان في السعودية“، ووصفا مسألة حقوق الإنسان وحرية التعبير في المملكة بـ”الجدية والمتكررة”، مشيرين إلى أن مسئولي الاتحاد يتابعون عن كثب كل هذه الملفات، خاصة ما يتعلق بحقوق المرأة والنشطاء ويثيرونها بشكل ثنائي مع الطرف السعودي.

وأقر ميشيل أن الاجتماعات الافتراضية التي تعقد هذا العام بسبب وباء كورونا قد عرقلت العمل الدبلوماسي الأوروبي على المستوى الدولي، مشددا على أن الأمر لن يدفع بروكسل للتراخي أو التخلي عن الدفاع عن قيمها ومبادئها.

إصلاحات سياسية لمحو السجل الحقوقي

وتبنت السعودية على مدار العام الماضي سياسات لدعم سجلها في الجانب الحقوقي بإلغاء عقوبة الإعدام للقصر أو الأشخاص الذين أدينوا وهم قاصرون وحظر الجلد،وتأييد  حق المرأة في العيش المستقل، والزواج دون موافقة ولي الأمر الذكور، بجانب العمل على إنهاء نظام الكفالة الذي يمنع العمال الأجانب من تغيير وظائفهم أو مغادرة المملكة دون إذن أصحاب العمل.

لكن تلك الإصلاحات لم تكن كفيلة وفق المنظمات الحقوقية، إذ تقول لين  معلوف، نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، إنه بالنسبة للسلطات السعودية، تعتبر قمة مجموعة العشرين بالغة الأهمية، ولحظة مهمة بالنسبة لهم للترويج لأجندة الإصلاح الخاصة بهم للعالم، وإظهار أن بلادهم منفتحة للأعمال التجارية، إلا أنه في غضون ذلك الإصلاحيون الحقيقيون في المملكة يقبعون وراء القضبان”.

“حقوق الإنسان الأممي”: خاشقجي يحرج السعودية.. والصين وروسيا تتحديان أمريكا

ويقول مسئول سعودي رفيع لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، إن رئاسة مجموعة العشرين ساعدت في خلق زخم لإصلاح حقوق الإنسان، مشددًا على أنها كانت بالفعل جزءًا من خطط الأمير محمد لإصلاح المملكة، بينما أكد واد العواد، رئيس مفوضية حقوق الإنسان، على تويتر: “إصلاحات حقوق الإنسان بالسعودية تصنع التاريخ، تنمو وتتطور باستمرار بوتيرة لم يسمع بها من قبل”.

 

مقتل جمال خاشقجي تسبب في أزمة كبيرة للسعودية
مقتل جمال خاشقجي تسبب في أزمة كبيرة للسعودية

استفادة مصر من القمة

ويقول المحلل المالي نادي عزام إن مصر ستستفيد اقتصاديًا من السياسات التي تتبناها مجموعة العشرين التي من المفترض أن تساهم في مزيد من الانتعاش العالمي والمساهمة في دعم حركة التجارة العالمية وتبني سياسات لمواجهة تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية ودعم توزيع اللقاحات على الدول بصورة عادلة.

وبلغ إجمالي حجم الصادرات المصرية لدول مجموعة العشرين، بدون صادرات الاتحاد الأوروبي- 13,7 مليار دولار عام 2018, وتتمثل أبرز 6 سلع يتم تصديرها للمجموعة عام 2018 في بترول خام, أسمدة, فواكه طازجة, غاز طبيعي مسال, سجاد وأغطية أرضيات, وملابس جاهزة.

ويقول عزام إنه المجلس التنفيذي لصندوق النقد وافق في يونيو الماضي على منح مصر تمويلا بقيمة 5.2 مليار دولار ضمن برنامج مدته عام واحد لمواجهة آثار أزمة فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد، بجانب 600 مليون دولار من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لدعم الشركات المصرية خاصة الصغيرة والمتوسطة منها في مواجهة تداعيات كورونا، وزيادة التسهيلات لتمويل التجارة، منها 200 مليون دولار لبنك قطر الوطني الأهلي، ومثلها للبنك الأهلي المصري، و100 مليون لكل من بنك الكويت الوطني مصر، والبنك التجاري الدولي.