كتبت: سوزان عبد الغني وهبة أنيس

بأدوات تنظيف، وكمامة، وقفازات، يجتمعون لبدء المهمة التي وضعوها على عاتقهم، لتنظيف المناطق الأثرية المهملة، وإزالة القمامة منها، من أجل تحقيق هدف أسمى هو  إعادة إحياء آثار العاصمة من جديد، تحت عنوان “سيرة القاهرة”، لتختصر الكلمتين نشاط المبادرة التطوعي في الاهتمام وتنظيف المناطق الأثرية.

“القاهرة مدينة التفاريح والتباريح عامرة بكل قبة وكل ضريح بالبشر والحجر ونحن كالمجاذيب تخطفنا المدينة القديمة لنطوف بين دروبها وردهات الأماكن، بين ثنايا البنايات القديمة بين الحجر وقصائده وساكنيه الجدد ممن لفظتهم المدينة، المكان دائماً هو البطل والخط الدرامى هو الزمن وكيف دارت دورته علي المكان فأصبح بأكثر من وجه “، يقول عبد العظيم فهمي والشهيربـ زيزو عبده، أحد مؤسسي المبادرة.

عبر جولة في أدغال منشية ناصر للوصول إلى خانقاه الأمير تنكزبغا، التى كانت يوما ما جزءا أصيلا من جبانة المماليك قبل أن يتغير وجه المدينة فى المائة عام الأخيرة، بدأت جولات المبادرة والتي شملت ترميمم وتنظيف 4 أماكن أثرية حتى الأن.

زيرو عبده

قبة الحصواتي

بدأت المبادرة في سبتمبر الماضي بتنظيف بقبة الحصواتي، كما أوضح فهمي، التي تقع بمنطقة الخليفة، ولكنها تحولت لمكان مهمل بالرغم من أنها منطقة ذات قيمة تاريخية.

قبة الحصواتي يعود تاريخ بنائها إلى زينب ابنة الشريف هاشم بن الحسين، والتي تعتبر واحدة من آثار العصر الفاطمي، ويرجع تاريخه لعهد الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله.

وعلى مدار ما يقرب من 24 ساعة تمكن الشباب المشارك في الحملة من إعادة القبة لصورتها الأصلية بعدما تحولت لمقلب من القمامة أخفت معالمها، وبعد رفع القمامة وتنظيف الرخام والزخارف عادت القبة من جديد كمكان أثري يجذب الناظرين إليه من جديد.

متطوعون من مختلف التخصصات

يشارك في المبادرة وفقا لـ”فهمي”، ما يقرب من 8 لـ10 أشخاص، بالإضافة إلى عدد كبير من المتطوعين الذين يشاركون في تلك الحملات لتنظيف الأماكن الأثرية.

كما أن فريق المبادرة يعمل بالجهود الذاتية لأعضائه المتخصصين في مجالات مختلفة كالطب والآثار والهندسة وغيرها من المجالات، التي تجعل كل فرد متخصصا في مجاله، لتقدير قيمة الأثر والاهتمام به وعودته لأصله.

حملة تنظيف آثار القاهرة
حملة تنظيف آثار القاهرة

سيرة القاهرة

إطلاق اسم “سيرة القاهرة”، على المبادرة جاء بعد تفاعل عدد كبير من المواطنين مع الحملة، وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، كما قال أحد المشاركين بها “تفاعل معنا عدد كبير من المواطنين بمنطقة الحصواتي ومنهم من أحضر لنا المشروبات وطلب المساعدة، الأمر الذي دفعنا لفكرة توسيع الحملة لنطلق أكبر والتفكير في إطلاق اسم سيرة القاهرة عليه لتمتد وتشمل كافة المناطق الأثرية بالقاهرة والاهتمام بها”.

وبعد دراسة وحصر الأماكن الأثرية، وجد فريق المبادرة أن هناك العديد من المناطق الأثرية التي تحتاج لنظرة بعدما تحولت لمقابل قمامة، أو تأثرت بسبب المياة الجوفية “أحزننا الأمر لأن جميعنا من محبي التراث والأماكن الأثرية، وعند إطلاق المبادرة سعدنا بوجود تفاعل من شباب عدة محبين للفكرة ويرحبون بالمشاركة”.

تنظيف المناطق الأثرية البداية للمبادرة، وتأتي عقب ذلك خطوة توعية الأهالي بالاهتمام بنظافة المنطقة حتى لا تعود لها القمامة مجددا، والاهتمام بالأثر بشكل دائم، وشجعهم على الأمر أيضا تفاعل الجهات المسؤولة وسرعة إصدار التراخيص للشباب بتنظيف المناطق المحددة، ومساعدتهم أيضا من قبل قطاع الآثار.

الفريق بعد حملة تنظيف واسعة
الفريق بعد حملة تنظيف واسعة

يهتم مؤسس المبادرة زيزو عبده بمشاركة متابعيه على التواصل الاجتماعي بالإنجازات التي تحققها المبادرة بعودة الأثر إلى ماكان عليه قديما، بنشر ملخص شامل بالصور لما حدث من تنظيف وعناية ليعلم الآخرين أهمية مايتم فعله وكذلك أهمية الأثر.

ففي سبيل حسن أغا أرزنكان رقم ٤٢٠ والكائن بشارع تحت الربع وأنشئ فى ١٨٣٠ م ، تم رفع مخلفات القمامة من الداخل والخارج وتنظيف اللوحات الكتابية، ولكن سبق ذلك عقد حلقة دائرية لشرح تاريخ الأثر،.

حسن أغا أرزنكان يعود لسنة ١٨٣٠ م، وهو من كبار رجال محمد على باشا، ومن أهم وظائفه ناظر الحرمين الشريفين وكبير البوابين وهى وظيفة مرموقة فى سياقها الزمني، كما تولى وظيفة ناظر حظائر المواي وهى تعادل الوظيفة المملوكية (آمير آخور)، يشرح عبده.

وتعد مدينة القاهرة من أكثر مدن الشرق التي استأثرت بالكتابة والتأريخ حيث أطلق عليها لقب “جوهرة الشرق”، نظرا لأن عمر القاهرة يزيد على الألف عام بكثير.

تشارك في أعمال التنظيف عدد من الفتيات والسيدات اللاتي يشعرن بمسؤليتهن تجاه الآثار القديمة.

تقول بسمة محمد، إدارية في أحد الشركات، “دائما ما أمر على منطقة القاهرة الفاطمية ويثيرني المنظر بالضيق واتمنى بالفعل أن يتم تنظيف تلك المنطقة لرجوع الاهتمام بها ومعرفة تاريخ تلك الأماكن وأهميتها”.

فتيات المبادرة
فتيات المبادرة

 

اشتركت بسمة في المبادرة فور علمها بتأسيسها بداية من الفاعلية الثانية، وتتابع: “سعيدة إني بساهم إن الأثر يرجع لرونقه، وتسليط الضوء عليه فنحن نمتلك كنوز، وما نفعله سيساهم في عودة الفن والجمال في حياة المجتمع وبالأخص المنطقة المجاورة بعد رفع القبح الذي كان يغلفه”.

لا تتوقف المبادرة حد تنظيف الأثر، ولكن تطول لتصل إلى الأهالي المحيطة بهدف تحقيق مفهوم الاستدامة وتوعيتهم وكذلك إشراكهم، بالإضافة إلى تقديم ملاحظات للجهات المعنية من خلال طرح الحلول والبدائل للاستخدام الأمثل للأثر.

التصاريح

يتحرك مؤسسي المبادرة داخل إطار يفرضه عليه الواقع من خلال ضرورة الحصول على التصاريح اللازمة والتي أحيانا ما تعيق عملهم.

يتطلب عمل المؤسسين أخذ موافقات لازمة من الجهات المعنية متمثلة في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للآثار وقطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، ليتم تحديد موعد جديد لفاعلية جديدة.

ويقول محمد صلاح أحد المؤسسين: “لابد من إطلاع الجهات المعنية بالأمر ليكون على دارية” مشيرا إلى حصول المبادرة على وعد بمقابلة بالمجلس الأعلى للآثار لاستخراج تصريح مجمع لتنظيف عدة أماكن في أسرع وقت”.

تطوير القاهرة القديمة 

يغرد القائمون في المبادرة “سيرة القاهرة للحفاظ على تراث العاصمة” محلقين بمجهوداتهم الذاتية لإعاادة الحياة لأثار دفنها التراب والزمن.

يتسق هذا مع خطوات الحكومة المصرية لإعادة صياغة الخريطة السياحية في مصر من خلال الترويج الأمثل للتراث الثقافي والتاريخي المصري، وتحسين الصورة البصرية لمنطقة وسط القاهرة.

تشمل أعمال التطوير والتي تهدف إلى إبراز هوية منطقة وسط القاهرة ميدان التحرير، ومشروع تطوير بحيرة عين الصيرة، ومشروع تطوير منطقة سور مجرى العيون، ومشروع تطوير سوق المواردي بالسيدة زينب.

هذا بالإضافة إلى مشروع تطوير “قرافة المماليك”، والتي تضم 15 أثرا يعود للعصر المملوكي، بالمنطقة الجنوبية، مثل مجموعة ابن برقوق، ومسجد الأشرف برسباي والأمير قرقماس.

وتشمل الأعمال تطوير “منطقة سور مجرى العيون” والذي يقام على مساحة 90 فدانا بمصر القديمة، نقل جميع الورش والمدابغ إلى المدينة الجديدة للجلود بمنطقة الروبيكى.