كتب: محمد طه وأحمد صلاح
فتحت الصورة المنتشرة أخيرًا للفنان محمد رمضان محتضنًا المطرب الإسرائيلي عومير آدام، أبوابًا كثيرة للتساؤل حول القبول الشعبي للتطبيع.
الأمر الذي يذكرنا بقصة علي سالم، صاحب “مدرسة المشاغبين”، التي ظلت حاضرة لسنوات طوال، رغم “لعنة التطبيع” التي لحقت مؤلفها إلى آخر لحظات حياته.
نجم الحارة الشعبية
مع أدواره الصغيرة، التي كانت تبشر بنجم جديد في طريق الصعود على طريقة الراحل أحمد زكي، كانت البطولة الحقيقية لمحمد رمضان بأدوار وصُفت بـ”الصعلكة” من النخبة المثقفة، بينما احتفت بها بعض الفئات “الشعبية” التي رأته يمثلها ويعرض مشاكلها.
فمحمد رمضان يشبه المنتمين للأحياء الشعبية، بتفاصيلهم الجسدية ولغتهم وثقافتهم، التي أجاد التعبير عنها في “الألماني” و”عبده موته” و”الأسطورة”، وغيرها.
وإن لاقى كثيرًا من النقد، إلا أن نجمه صعد بهؤلاء، وأصبحت “لزماته” وجملته “ثقة في الله نجاح” على ألسنة محبيه، الذين حولوه إلى الفنان الأعلى أجرًا في مصر.
اقرأ أيضًا: “المنتدى العربي الرقمي”.. انتفاضة الصحفيين لمواجهة التطبيع مع إسرائيل
رمضان الثائر
في 2011، انتشر مقطع فيديو للفنان محمد رمضان، يخطب في المتظاهرين، عقب أحداث 25 يناير 2011، موجهًا لهم بعض الرسائل والخطابات التي توقد حماسهم.
وفي 30 يونيو 2013 أيضًا كان من المؤيدين للتظاهرات الرافضة لحكم الإخوان، ثم من أشد المؤيدين للرئيس عبدالفتاح السيسي، رافضًا دعوات التظاهر، ومعبرًا عن ذلك بأغنيته “عاوزينها فوضى”، ومشاركًا فيما عُرف بـ”تظاهرة تأييد الدولة” أمام النصب التذكاري للجندي المجهول بالقاهرة.
التطبيع سياسيًا
في 13 أغسطس الماضي، أزاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الستار عن اتفاق سلام وُصف بـ”التاريخي” بين إسرائيل والإمارات والبحرين، التي شهدت مظاهرات رافضة، على عكس الإمارات.
بطبيعة الحال سارع إعلاميو وسياسيو الإمارات على الترحيب بالتطبيع، باعتباره “خطوة سلام ورخاء للبلدين المطبعين”، ولعل هذا ما يفسر رد فعل المزروعي، الذي ورط رمضان بصورته مع الإسرائيلي.
من هو عومير آدام؟
ولد في الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما بلغ الثالثة من عمره، انتقلت عائلته لـ”مشمار هشبعا”.
وصل والده إلى رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي، وكان نائبًا لقائد وحدة “شلداغ”، إحدى وحدات كوماندو سلاح الجو الإسرائيلي.
كما شغل العديد من أفراد عائلته مناصبًا في الجيش الإسرائيلي، أما هو فكان جنديًا في فيلق “العتاد” الإسرائيلي.
وينتمي “آدام” إلى تيار الموسيقى اليهودية الشرقية، وهو حاليًا من أبرز نجوم موسيقى البوب في إسرائيل.
وكانت صفحة “إسرائيل بالعربية”، احتفت بصور رمضان مع لاعب منتخب إسرائيل لكرة القدم ضياء سبع والمغني عومير آدام في دبي، وأعاد نشر صورة عومير أفخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي.
النجم المصري محمد رمضان مع لاعب منتخب إسرائيل لكرة القدم ضياء سبع في دبي 🇮🇱🇪🇬 pic.twitter.com/jjjn29bFmH
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) November 21, 2020
الفن دوما يجمعنا.. عرض الإعلامي الإماراتي حمد المزروعي صورة للنجم المصري محمد رمضان مع المطرب الإسرائيلي عومير آدام في دبي 🇮🇱🇪🇬🇦🇪 pic.twitter.com/sv4X3r5nUb
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) November 21, 2020
اقرأ أيضًا: الخليج وإسرائيل..سر ارتفاع موجة التطبيع في المنطقة
في 1994 زار الكاتب المسرحي علي سالم، مؤلف المسرحية الشهيرة “مدرسة المشاغبين”، إسرائيل بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو، والتقى عددًا من الشخصيات اليهودية هناك.
وعندما عاد سالم إلى مصر أصدر كتابًا بعنوان “رحلة إلى إسرائيل”، سرد فيه أحداث وتفاصيل رحلته ولقاءاته، تمت ترجمته إلى العبرية والإنجليزية، وصدر أيضًا في إسرائيل.
هذه الزيارة والدعم الذي سبقها لمبادرة الرئيس الراحل أنور السادات للسلام مع دولة الاحتلال في نوفمبر 1977 قوبل بنقد لاذع ورفض وتحركات رسمية أيضًا.
حاول علي سالم بكتابه الذي طرحه وزيارته إلى الكيان الإسرائيلي أن يحول نظرتنا كعرب إلى أن “إسرائيل” باتت أمرًا واقعًا، علينا أن نقبلها، ونتعايش معها، ونحاول إفشاء السلام في المنطقة، مفرقًا بين الحكومات والشعب، على حد طرحه.
لكنه لم يسلم من رد الفعل العنيف الذي وصل إلى حد إعلان اتحاد الكتاب فصله من عضويته، لإصراره على التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ومواصلة أنشطته ضمن الجماعات التي تدعو لإقامة علاقات سلام معه، مخترقًا بذلك القرار الذى اتخذه الاتحاد عام 1995 بوقف التعامل مع الكيان الصهيوني.
ومُنذ زيارته إسرائيل وحتى وفاته، عانى علي سالم، الذي كتب أيضًا مسرحية “أغنية ع الممر”، التي تحولت إلى فيلم جسد نكسة الهزيمة أمام إسرائيل في 1967.
واشتكى سالم مقاطعة أعماله من قِبل الدولة والمثقفين، وقال في حوار أجرته معه “جريدة الشرق الأوسط”، ردًا على عزلته، قال فيه: “أشغل نفسي بكتابات صحافية، رغم عدم سعادتي بذلك. فأنا كاتب درامي أولاً، وهذا يسعدني أكثر من أي عمل آخر، ولي أعمال درامية لم تر النور حتى الآن، من بينها مسرحيتان من فصل واحد، ومسرحيتان طويلتان”.
وتوفي علي سالم في سبتمبر من العام 2015 عن 79 عامًا، بأزمة قلبية، شهدها وحيدًا في ظل استمرار حملة مقاطعته.
غالبية الشعوب العربية ترفض التطبيع
في أوائل أكتوبر من العام الجاري، نُشر استطلاع رأي، أظهر أن غالبية الشعوب العربية ترفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
شمل الاستطلاع 28 ألف مشارك في 13 دولة عربية لا تشمل الإمارات، وأوضحت نتائجه أن 88% من المواطنين العرب في البلدان المستطلعة ترفض الاعتراف بإسرائيل، بينهم 85% من المصريين، و91% من الفلسطينيين، و93% من الأردنيين، و65% من السعوديين.
رمضان وتمثيل الدولة فنيًا
في 2017، سعى محمد رمضان لتمثيل الدولة فنيًا، وكتب عبر حسابه الرسمي بـ”فيسبوك”، يطالب الرئيس عبدالفتاح السيسي، بدعوته فى المناسبات القومية.
كما حرص رمضان في أعمال لاحقة إبراز صورة بطل يتناسب مع المعايير التي دعت الدولة لإبرازها، فقدم في 2018 مسلسل “نسر الصعيد”، الذي أظهر ضابط الشرطة الشريف المواجه للفساد.
وقدم رمضان قبله في 2017 فيلم “جواب اعتقال”، الذي يعرض لفكر الجماعات الإرهابية وخطورتها على المجتمع. كما شارك رمضان فترة خدمته العسكرية في العام نفسه مجندًا بالصاعقة، في فيلم “حراس الوطن”، الذي تناول تفاصيل الحياة اليومية لمجندي الصاعقة.
وقبل 3 أشهر من التحاقه بالجيش، نشر تغريدة عبر “فيسبوك”، أرفقها بصورة في أحد المناطق العسكرية، أثناء تقديمه أوراق التحاقه، معلقًا على الصورة: “بإذن الله العريش” رغبة منه فى خدمة الوطن ومحاربة الإرهاب في سيناء.
وفي هذا الوقت شكك الكثيرون في حقيقة احتمالية دخول محمد رمضان الجيش، واعتقدوا أن الأمر مجرد “شو إعلامي لكسب جماهيرية أكبر”.
ومع تحوله لإحياء الحفلات الغنائية التي لم يسلم من انتقادها بسبب أسلوب ظهوره وتصريحاته وتصرفاته، التي يراها البعض مثيرة للجدل في كثير من الأحيان، يبدو أن محمد رمضان لم يتمكن من تحقيق هدفه في تمثيل الدولة فنيًا، كما كان يسعى، ويظهر ذلك في ذهاب أدوار البطولة في أهم عملين، عبرا عن توجهات المرحلة الحالية فنيًا، لأحمد عز في فيلم “الممر”، وأمير كرارة في مسلسل “الاختيار”.
ويرى مفسرون أن ظهور محمد رمضان الأخير مع المطرب الإسرائيلي آدام في دبي، لم يكن ما تسعى الدولة له في الفترة الحالية، ويثبت ذلك موقف نقابة المهن التمثيلية التي أشارت باستدعائه رسميًا لسؤاله عن ملابسات هذا اللقاء، الذي كشفه الإعلامى الإماراتى حمد المزروعي.
View this post on Instagram
“لعنة التطبيع”
وفي تعليقه على صور محمد رمضان مع المغني الإسرائيلي عومير آدام، قال أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، إنه تواصل مع رمضان، الذي أبلغه بعدم معرفته بهوية الشخص الذي جمعته صورته به.
وأضاف زكي، في مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى، ببرنامج “على مسؤوليتي” على “صدى البلد”: “لا أعتقد أن ذكاء محمد رمضان سيخونه، محمد مش بالغباء ده عشان يتصور مع إسرائيلي».
كما أكد أنه سيستدعي رمضان رسميًا إلى النقابة، ويطالبه بنشر بيان رسمي لإيضاح الحقيقة.
اقرأ أيضًا: الجهر بمعصية «التطبيع»
ولفت أشرف زكي إلى موقف نقابته من التطبيع، قائلًا: “نحن النقابة الفنية الوحيدة التي شطبت عضوًا حينما أعلن تطبيعه مع إسرائيل، وهو الأستاذ علي سالم، لست مدافعًا عن أحد، لكني أعرض الصورة بحيادية تامة”، مؤكدًا أن الاتحاد العام للنقابات ضد التطبيع.
إلى ذلك، وصف النائب عبدالحميد كمال، عضو مجلس النواب عن محافظة السويس، ظهور النجم محمد رمضان، يعانق المطرب الإسرائيلي، خلال تواجدهما في دبي بالإمارات، بـ«المخزي»، مضيفًا أنه يتسبب في إصابة الفنان المصري بـ”لعنة التطبيع“، على حد قوله.
وقال كمال، في تصريحات صحفية: “الفنان محمد رمضان تصرف بشكل غير مسؤول، ولم يراع شعبيته، وتأثيره على الشباب، الذي مازال يعتبر إسرائيل العدو الأول للعرب، وأن الحاجز النفسي بين العرب والكيان الإسرائيلي كبير”.
وشدد النائب على ضرورة أن يستبعد الفنان محمد رمضان من المشاركة في أعمال وطنية تجسد بطولات الجيش والشرطة في الفترات المقبلة، لأنها تتطلب مواقف وطنية من الفنان المشارك، على حد قوله.