كتبت: شيماء محمد
من المتوقع أن يكون لفوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، تداعيات واسعة النطاق على الشرق الأوسط بشكل عام، وعلى إيران بشكل خاص.
ولا يمكن إنكار أن فوز بايدن، أعاد للإيرانيين الأمل مجددًا، بعد أربعة سنوات من حملة “الضغط القصوى”، التي قادتها إدارة دونالد ترامب، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران، أو ما يُعرف رسميًا بــ”خطة العمل الشاملة المشتركة” فى مايو 2018، وإعادة حزمة من العقوبات التى ادت الى تدمير الاقتصاد الايراني، بهدف اجبار طهران على مفاوضات جديدة لإبرام صفقة أخرى.
جو بايدن يعكس المسار مع إيران
في سبتمبر الماضي، أعلن جو بايدن، في مقال نُشر على موقع شبكة “سي إن إن“، سياسته المستقبلية تجاه ايران، وكتب “إذا عادت طهران للامتثال الكامل للاتفاق النووي، ستعود الولايات المتحدة إليه كنقطة انطلاق لمتابعة المزيد من المفاوضات”.
اقرأ أيضًا: “سانباك”.. هل ينجح “ترامب” في إعادة كامل العقوبات على إيران؟
وأكد بايدن، خلال حملاته الانتخابية مرارًا وتكرارًا، على فشل سياسة “الضغط” التي اتبعتها إدارة ترامب تجاه ايران، معلنًا أنه سيـعكس المسار، لإحياء الدبلوماسية بين واشنطن وطهران.
ويبدو أن تصريحات بايدن ونتائج الانتخابات الأخيرة التي حسمت وصوله إلى البيت الأبيض تُبشر بإنهاء أزمة كبرى للشعب الإيراني، الذي يعاني من التضخم وانهيار العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار، والكثير من الضغوط الاقتصادية خلال السنوات الماضية. لكن هل سيلعب القادة الإيرانيون هذه المباراة الجديدة مع الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس الجديد جو بايدن؟
الامتثال مقابل الامتثال
ظلت طهران ملتزمة بكافة بنود خطة العمل الشاملة المشتركة، لمدة عام بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب، ولكنها بعد أن فقدت ما أطلقت عليه “الصبر الاستراتيجي“، قررت تخفيف التزامها ببنود الصفقة النووية، عبر خمس خطوات، كانت نتيجتها زيادة مستويات تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز ما تسمح به خطة العمل الشاملة المشتركة، وعدم السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوقت طويل من تفتيش مواقعها النووية.
لكن في الوقت نفسه، أعلنت إيران أن انتهاكها بنود الصفقة النووية، خطوات قابلة للتراجع، إذا عادت واشنطن إلى الاتفاق النووي لعام 2015.
وفي كل الأحوال، مازالت إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، ملتزمة بخطة العمل الشاملة المشتركة، بل إنها مستعدة للعودة الكاملة، وأعلنت -بعد فوز بايدن– أنها مستعدة لـ”الامتثال مقابل الامتثال”، والتأكيد على عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقيات الدولية، قبل اتخاذ أي خطوة، أو خوض تفاوض جديد.
هنا، سيواجه كلا البلدين، مأزق من الذي سيعود إلى الامتثال الكامل قبل الآخر، فمن ناحيتها تريد طهران، التي فقدت الثقة في واشنطن، الضمانات اللازمة لعدم تكرار ما حدث في عهد ترامب، وعلى الجهة المقابلة، يريد بايدن أن تعود طهران للامتثال الكامل، كي يستطيع رفع العقوبات النووية التي فرضتها إدارة ترامب عليها.
رفع العقوبات
في الأيام القليلة الماضية، أغرقت إدارة ترامب -التي أوشكت ولايتها على الانتهاء- إيران في فيضان جديد من العقوبات غير النووية، المرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية، وجرائم الإرهاب، وانتهاك حقوق الإنسان.
أرادت إدارة ترامب -وفق ما يشير خبراء- زيادة تعقيد الأمور أمام بايدن المنفتح للحوار مع طهران، بينما طالبت طهران إدارة بايدن المنتخبة، برفع العقوبات النووية وغير النووية، والتي وضعت اقتصادها على شفا الانهيار.
أحدث مثال على هذه العقوبات، عندما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة على وزارة النفط الإيرانية، وشركة النفط الوطنية، فضلاً عن وضع وزير النفط الإيراني على القائمة السوداء الخاصة بواشنطن.
إلى أي مدى يستطيع بايدن رفع عقوبات ترامب عن إيران؟
يبدو الأمر معقدًا، فإذا كان رفع العقوبات النووية أمل سهل، فإن العكس صحيح تمامًا مع العقوبات غير النووية، خاصةً وأن انتخابات مجلس الشيوخ تشير إلى سيطرة الجمهوريين، ما يصعب مهمة بايدن في إقناع النظام الأمريكي، برفع العقوبات المرتبطة بدعم الإرهاب وحقوق الإنسان.
لكن، إذا استطاعت إدارة بايدن التعامل مع الأطراف الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي) في خطة العمل الشاملة المشتركة لإيجاد حل لهذا المأزق، بتقديم تعويضات مالية لإيران -مثلاً- بواسطة خطة ائتمانية، فمن السهل تخطي هذه العقبة، في الوقت الحالي على أقل تقدير.
اقرأ أيضًا: بين “بايدن وترامب”.. العلاقات الإيرانية الأمريكية فرقتها السياسة وعززها الاقتصاد
صعود المتشددين في إيران
سيغادر حسن روحاني منصبه في أغسطس 2021، وستأتي الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراؤها الصيف المقبل، برئيس جديد على الأغلب سيكون من التيار المتشدد، بعد أن شهدنا سيطرة المعسكر المحافظ على البرلمان الإيراني الحادي عشر، في فبراير الماضي.
وسيكون أمام بايدن تحدي التعامل مع رئيس من التيار المتشدد، الذي طالما رفض فكرة التفاوض مع الولايات المتحدة، والانفتاح على الغرب. لكن فى الوقت نفسه، يشير خطاب في 2019 للزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي -وهو الذي يمتلك القرارات النهائية بالبلاد- إلى عدم إغلاق الباب كاملاً أمام المفاوضات مع واشنطن، فقد صرح قائلاً: “عندما تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي انتهكته، ستتحاور إيران مع الدول الأخرى التي هي جزء من الاتفاق، ويمكن لأمريكا المشاركة أيضًا”.
هنا، يمكن اعتبار خطاب خامنئي إشارة إلى الرئيس الايراني المستقبلي، باللجوء إلى المرونة في أمر التفاوض مجددًا مع الولايات المتحدة، مستفيدًا من الثمن السياسي الذي نالته إدارة حسن روحاني، في المفاوضات النووية مع واشنطن، والتوصل إلى الصفقة النووية لعام 2015.
المطالبة بالتعويض
من بين التحديات الأخرى التي تواجه إدارة بايدن في التعامل مع الاتفاق النووي الإيراني، إلى جانب الإرث الكبير لترامب، تبرز مطالبة الجمهورية الإسلامية بالتعويض الأمريكي، إذ تحدث القادة الإيرانيون، عن ضرورة تقديم الولايات المتحدة التعويضات للشعب الإيراني، عما فعلته به العقوبات الاقتصادية والانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة.
ويأتي الحديث في إيران عن التعويضات، في إطار أنه ضمن شروط العودة الإيرانية إلى الصفقة النووية. لكن بعد فوز بايدن بأيام قليلة، تغيرت هذه النبرة إلى حد ما.
وفي مقابلة تلفزيونية، قال سعيد خطيب زاده، المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، إن المطالبة بالتعويضات قد تصبح النتيجة النهائية لإيران، في حالة اختار الرئيس المنتخب حديثا، جو بايدن، عدم متابعة العودة النظيفة للاتفاق النووي.
العودة النظيفة هنا، تعني الإبقاء على بعض العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، دون الاتجاه إلى رفعها بالكامل، لكن في الوقت نفسه لم يضع خطيب زاده أمر التعويضات كشرط أساسي لعودة إيران للامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة.
إذا تم تأجيل مسألة التعويضات، إلى ما بعد العودة الكاملة من كلا الطرفين للاتفاق النووي، ستبقى مسألة أخرى شائكة، وهي استعادة الثقة بين طهران وواشنطن فيما يخص الصفقة النووية.
الإشارات القادمة من طهران، تتجه إلى أنه حال أوفي جو بايدن بوعوده الانتخابية، واستطاع العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن إيران ستعود، وسيكون المجال مفتوحًا أمام مفاوضات دبلوماسية على نطاق واسع، لذلك يرى القادة الإيرانيون أنه على بايدن الإسراع في القيام ببعض الإيماءات المبكرة للإشارة إلى عمق التزام واشنطن بالدبلوماسية.
وفي النهاية، تريد طهران العودة إلى الاتفاق النووي، ويبدو أنها منفتحة على فكرة إحياء الدبلوماسية مع واشنطن، في إطار يضمن لها المحافظة على مصالحها الاستراتيجية، بينما فى المقابل، يريد بايدن تطهير السياسية الخارجية الأمريكية من إخطاء الرئيس ترامب، والتأكيد على أن الولايات المتحدة مازالت القوة العظمي، التي تحافظ على أسس الديمقراطية والدبلوماسية في العالم.
لكن لتحقيق الهدف المنشود، يتعين على كلا الطرفين، تحديد الآليات المناسبة للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، مع الأخذ في الاعتبار التوترات والتطورات الإقليمية.