لم يكن عبدالرحيم، الرجل الخمسيني الذي يجد قوت يومه بصعوبة، يعلم أن جيب بنطاله القديم يحتوي كنزًا باهظ الثمن من العملات القديمة.
كان عبدالرحيم يبحث عن شخص يقترض منه بعض المال ليعينه على ما تبقى من الشهر، حين كان بإحدى مقاهي منطقة حلوان ليسمع أحدهم يتحدث عن بيع العملات القديمة. كان الجالس على الطاولة المجاورة تاجر عملات قديمة، عرف منه عبدالرحيم أن بعض العملات التي لم تعد متداولة الآن، ذات قيمة كبيرة.
على الفور، شحذ عبدالرحيم ذهنه لتذكر كل الأماكن التي ألقى بها عملات كان يعتقد بأنها بلا قيمة، قبل أن يكتشف بالصدفة أنها ربما تكون سبيل نجاته من استدانة جديدة.
العملات القديمة.. كنز في البنطال
عرف عبدالرحيم، من التاجر الذي ذهب لمجالسته، أنه يعمل في بيع العملات القديمة بالوراثة، وأنها تجارة يمتهنها كل أفراد عائلته. يقول له التاجر: “دي هواية”، مؤكدًا على أنها تحتاج إلى صبر.
اقرأ أيضًا: تداعيات الجائحة.. سوق الـ”بتكوين” تنتعش
تُقيّم كل عملة بحسب الفترة الزمنية التي تنتمي لها، وكذلك بحسب ندرتها الآن، فمثلًا جنيه الجمل، الذي يعود لفترة الملك فؤاد، وهو أول جنيه ورق يطبع باسم الدولة المصرية، إذ كانت العملة قبله تطبع باسم الدولة العثمانية؛ تصل قيمة هذا الجنيه حاليًا لـ200 ألف جنيه مصري.
هذه الورقة البالية، المنسية في جيب بنطال قديم، تساوي ثروة لشخص مثل عبدالرحيم. تدور به الأرض. يفكر في ما لديه من عملات. يتمنى راجيًا أن يكون من بينها جنيه الجمل.
وهناك أيضًا العملات المعدنية القديمة مثل المليم. وهناك الأقل قدمًا، والتي ربما تتواجد في الكثير من منازل المصريين الآن، دون أن يعلم أصحابها بقيمة ما يمتلكون. الريال الفضي مثلًا قد تساوي قيمته عشرة آلاف جنيه مصري. البريزة تصل قيمتها لخمسة آلاف جنيه، والشلن لألفي جنيه. وكلما كان أقدم، كلما كان أثمن.
هواية الملوك
في سرايا عابدين، كان الجميع يعلمون أن الملك فاروق يهوى اقتناء العملات القديمة، ويدفع مقابلها أبهظ الأثمان.
كان الجنيه الإنجليزي المصري حينها يباع مقابل أكثر من ثلاث جنيهات ذهب، وفقًا لمنير الدقاق، تاجر العملات القديمة بمنطقة وسط البلد في القاهرة.
يصف الدقاق لـ”مصر360″ تجارة العملات القديمة بـ”الأمر المسلي للغاية”، كما أنها بالنسبة إليه كنز معلوماتي: “كل عملة تعرفنا عن أحوال بلدها آنذاك”.
جنيه إدريس
جنيه إدريس واحد من أكثر العملات ندرة في مصر، وسمي على طباخ الملك فؤاد، إدريس.
ولهذا الجنيه قصة طريفة، فحين كان عرش مصر خاليًا بانتظار تنصيب حاكم جديد، حلم الطباخ إدريس بأن الملك سيؤول لفؤاد، ثم أخبره بذلك. لم يصدق الأمير فؤاد مآل الحلم، نظرًا لأنه كان وقتها الأخ الأصغر، وكان من المستبعد وصوله لعرش مصر. لكنه وعد إدريس أنه إذا ما صار حاكم مصر فسيجعله يجوب العالم كله.
وبالفعل تحقق حلم الطباخ إدريس، وصار فؤاد ملكًا على مصر، وطبع صورة إدريس على الجنيه الذي تبلغ قيمته الآن نحو 500 ألف جنيه، ويعرف بجنيه الفلاح أو جنيه إدريس.
وبحسب منير الدقاق، تاجر العملات القديمة، فإن التجار اتفقوا فيما بينهم على بعض العملات باعتبارها الأكثر قيمة، من بينها مثلًا ريال السلطان فؤاد، وهو العملة التي طبعت في عهد فؤاد الأول حين كان لا يزال سلطانًا وقبل أن ينادى به ملكًا.
وسبب غلاء ريال السلطان فؤاد أنه لم يطبع منه إلا القليل. وكانت قيمة الريال آنذاك تساوي ثلاثة فدادين من الأرض الزراعية. وبحسب الدقاق فقد بيع قبل عشر سنوات في مزاد عالمي مقابل 270 ألف دولار أمريكي.
العملات القديمة هواية بلبل
انشغاله الدائم في العمل عطل مسيرته الجامعية، ففي حين كان من المفترض أن يتخرج قبل ثلاث سنوات، لا يزال محمود الشهير بـ”بلبل” مقيدًا في السنة الرابعة بكلية التجارة.
لكن عمل بلبل لا ينطوي على الحاجة، إذ ينتمي لعائلة ميسورة من عائلات حدائق القبة، غير أنه يهوى، منذ الصغر، جمع العملات القديمة، ثم امتهن تجارتها.
اقرأ أيضًا: مواسم جني القطن.. عندما تقتل أحلام البسطاء ويفنى تراث الغناء
يقول بلبل لـ”مصر360″: “كنت أجمع العملات القديمة من جدي وجدتي. كانا يحتفظان بالكثير منها”، يبدو أنه ورث عنهما هذه الهواية التي تحولت لتجارة، يبدو أنها تغنيه عن الشهادة الجامعية، فلدى بلبل زبائن يأتونه خصيصًا من خارج مصر.
يشرح لنا بلبل بعض الفروقات بين العملات، مثل أن العملات الملكية، أي التي تعود للعصر الملكي في مصر، أغلى من العملات الجمهورية. كما يقول إن تزوير العملات يحدث غالبًا في العملات المعدنية أكثر من العملات الورقية، رغم سهولة كشف المزور منها من خلال الوزن وبعض التفاصيل في الرسوم على العملة.
حين أصبح المزور أغلى من الحقيقي
في العديد من الأفلام المصرية القديمة يتردد تعبير “الريال البراني”، إشارة للريال المزور عن عملة الريال الحقيقي.
المفارقة أن الريال البراني، المزور، صار أعلى قيمة في سوق تجارة العملات القديمة، من الريال الحقيقي، كونه الأكثر ندرة الآن بسبب إعدامه سابقًا منعًا لتداوله. لكن في مجال القديم والأنتيك، لهذا الريال المزور قيمة كبير.