يخرج الطفل سيف يوميًا، متجهًا إلى مدرسته، ليس فقط حاملاً حقيبته المدرسية، ولكنه أيضًا محمل بوصايا والدته التي تكررها كل صباح، ضمن إجراءاتها المشددة خوفًا من الإصابة بفيروس كورونا.

“أنت شخص كبير ومسؤول عن صحتك وصحتي وصحة تيتا وجده ما تقعلش كمامتك أبدًا إلا لو بتاكل أو بتشرب وما تلزقش في أصحابك، إنت مسؤول عن صحتنا”.

يستجيب الابن، ذو الـ9 سنوات، إلى أغلب نصائح أمه، إذ يطهر يده بالكحول باستمرار، ولا يستخدم أدوات زملائه.

ورغم ذلك، تعيش صفاء حالة من القلق المتواصل منذ خروج ابنها إلى المدرسة حتى عودته إليها: “مرعوبة ينتقل عدوى مرة تاني لوالدتي أو والدي، أمي اتصابت في مايو وكانت تجربة صعبة جدا”.

السيناريو الآخر

تفكر صفاء، تعمل صحفية، باستمرار في تنفيذ السيناريو البديل بالامتناع عن إرسال طفلها إلى المدرسة :” في نفس الوقت اللي بفكر أقعده من المدرسة بفكر فيه هو ازاي يتعلم؟ لا أملك مهارات تدريس وصوتي هيعلى وهنتخانق كتير فمش هينفع أكون بديل للمدرسة”.

أوشك فيروس كورونا على الدخول إلى عامه الثاني، موزعًا العديد من المخاوف داخل المنازل، التي كادت أن تهدأ رويدًا، ولكنها لم تنته داخل قلوب الأمهات.

وأعلنت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد دخول مصر الموجة الثانية من فيروس كورونا، ما يستلزم تشديد الإجراءات الوقائية في التجمعات اليومية.

طلاب مدرسة في مصر (ا ب)

تهتم صفاء بحالة طفلها النفسية والتي تعلم بأنها تكون أفضل حين يتقابل مع أصدقائه وتدور الحياة بشكل طبيعي: “كأم أنا عايشة رعب وقلق سواء من كورونا اللي ممكن تيجي لحد من أهلي أو قلق على طفلي اللي هو محتاج دعم وحب جدوده اللي ممنوع من زياتهم”.

تتفق رشا مع صفاء في نفس حالة الخوف التي تعيشها يوميا، فهي أم لثلاث أطفال في أعمار متقاربة، وتقول: “مضطرة لنزول أطفالي إلى الحضانة والمدرسة، فأعيش في القاهرة بعيدا عن أهلي، حتى استطيع للذهاب لعملي والذي أحصل على إجازه منه حال تعرض الأطفال لأي درجة من درجات الإصابة من البرد”.

تذهب رشا لعملها وقلبها يملؤه الخوف على أطفالها وفي ذهنها أفكار لا تهدأ: “وقت الشغل بفكر فيهم ياترى لابسين الكمامة بيغسلوا إيديهم كويس، بيستعملوا الكحول”.

تتابع رشا المدرسة باستمرار للإطمئنان على حالة أطفالها والمدرسة بشكل عام،: “لم تظهر حالات بالمدرسة، الحمدلله”.

وعن إمكانية الإبقاء على الأطفال في المنزل، تقول رشا: “إن ساءت الأوضاع لن يكون أمامي اختيار، وبفكر يوميا في إنهم يفضلوا في البيت، الخوف على ثلاثة كبير على قلبي، وفي نفس الوقت احتاج للمدرسة لزيادة مهاراتهم”.

تحذيرات رئاسية

وكثرت في الآونة الأخيرة شائعات تعطيل الدراسة بسبب تزايد الإصابات بفيروس كورونا خلال الفترة الأخيرة، لكن هاني يونس، المتحدث باسم مجلس الوزراء نفى هذه الأخبار.

وحذر الرئيس عبد الفتاح السيسي من اتخاذ إجراءات أكثر صعوبة واللجوء إلى إغلاق المدارس والجامعات مرة أخرى حال عدم التزام المواطنين بالإجراءات الوقائية من فيروس كورونا.

سيناريوهات الإغلاق

ونظرًا لارتفاع أعداد الإصابة خلال الموجة الثانية من الفيروس، حددت وزارة الصحة 4 سيناريوهات لغلق المدارس حال ظهور إصابات كبيرة بين الطلاب.

وتضمنت خطة الغلق ، غلق الفصل 28 يومًا حال اكتشاف أكثر من إصابة مؤكّدةً، أوغلق المدرسة حال غلق أكثر من فصل في أسبوعين، أو غلق مجمع مدرسي حال غلق مدرسة كاملة، أو غلق مدارس المحافظة وفق توصية لجنة إدارة الأزمة.

 

طلاب مدارس في مصر يخضعون لفحص كورونا

وشهد الأسبوع الأول من بداية العام الدراسي في ظل جائحة كورونا فقط حوالي 13 حالة فقط بمحافظات الفيوم والبحر الأحمر وأسيوط، بخلاف الحالات التي ظهرت بالمدارس الدولية بالقاهرة والجيزة.

وكان الدكتور  طارق شوقى، وزير التعليم والتعليم الفنى أكد أن الحالة مطمئنة فى المدارس بشأن فيروس كورونا، لافتًا إلى أن نسبة الإصابة الآن 2 فى المليون، مضيفًا “الدولة لو شمت ريحة مشكلة إحنا اللى هنتحرك حفاظا على أرواح أبنائنا”.

تعلميات الصحة العالمية

وفي وثيقة نشرتها منظمة الصحة العالمية في مايو 2020 بعنوان اعتبارت بشأن تدابير الصحة العمومية الخاصة بالمدارس في سياق جائحة كوفيد-19، جاء فيها إنه يجب أن يسترشد القرار بإغالاق المدارس أو إعادة فتحها بنهج قائم على المخاطر،  مع الأخذ في الاعتبار السمات الوبائية للفيروس على المستوى المحلي، وتأثير إغلاق المدارس على ضياع فرص التعليم وإلانصاف والصحة العمومية ورفاهية الأطفال.

وجاءت نشرة الصحة العالمية فيما يتعلق بالسياسات الإدارية لفتح المدارس بضرورة وضع قواعد للحضور والدخول؛ والتقسيم إلى مجموعات منغلقة ، وتحديد مواعيد متعاقبة لبدء اليوم الدراسي وأوقات الراحة، وإعادة تنظيم المساحة المادية أو تنظيم استخدامها، وتحديد نقاط الدخول/الخروج، ووضع علامات توضح اتجاه السير، ومرافق غسل اليدين، وتصميم إشارات بيئية  للتوجيه، والحفاظ على بيئة نظيفة، وضمان التهوية الكافية والمناسبة، وارتداء الكمامات المناسبة للفئات العمرية المختلفة.

ولأولياء الأمور يجب تحري الأعراض ويجب اختبار الحالات المشتبه وتطبيق سياسات البقاء في المنزل، إعادة تنظيم وسائل النقل المدرسية وأوقات الوصول/المغادرة.

ما هي الخسائر المتوقعة من وراء إغلاق المدارس؟

ويتسبب إغلاق المدارس في آثار سلبية واضحة على صحة الأطفال وتعليمهم ونمائهم ودخل الأسرة والأقتصاد العام، بحسب نشرة الصحة العالمية، ففي تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء” أثر كورونا على الأسر المصرية” والذي يشير إلى انخفاض استهلاك الأسر، بسبب تأثر الدخل العام، من اللحوم والدواجن والأسماك والفاكهة، في الوقت الذي ارتفع استهلاك الأسر من الأرز وزيت الطعام والبقوليات، وهو بالطبع ما سيكون له آثار سيئة على صحة الأطفال.

كما حدث تناقص بنسبة 40% في تغطية خدمات التغذية للأمهات والأطفال في 135 بلدًا. حتى أكتوبر 2020، حيث خسر 265 مليون طفل في العالم وجباتهم المدرسية، كما قد يخسر أكثر من 250 مليون طفل دون سن الخامسة فوائد برامج مكملات فيتامين ألف التي تحمي حياتهم، بحسب تقرير اليونيسيف.

وفي تقرير “تفادي ضياع جيل الكورونا” الذي أصدره “اليونيسيف” للاحتفال باليوم العالمي للطفل، حذرت من تداعيات كبيرة ومتعاظمة على الأطفال مع اقتراب دخول جائحة كوفيد-19 عامها الثاني.

وأشار اليونيسيف إلى أن واحدة من كل تسع إصابات بكوفيد-19، في 87 بلدًا توافرت منها بيانات مصنفة بحسب العمر، تقع بين الأطفال والمراهقين دون سن العشرين، أي 11% من مجموع الإصابات المسجلة في هذه البلدان والتي بلغت 25.7 مليون إصابة حتى الثالث من نوفمبر الحالي.

وبينما يمكن أن ينقُل الأطفال عدوى الفيروس لبعضهم البعض وللفئات العمرية الأكبر سناً، ثمة أدلة قوية تشير إلى أن صافي فوائد إبقاء المدارس مفتوحة مع اتخاذ إجراءات السلامة اللازمة يفوق تكاليف إغلاقها، حسبما يشير التقرير. فالمدارس ليست المحرّك الرئيسي لانتقال العدوى مجتمعيًا، والأرجحية أكبر أن يصاب الأطفال بالفيروس خارج مدارسهم.