ظلت مصر بحكم موقعها الجغرافي ملتقى مسارات غالبية كابلات الإنترنت عالميًا، وتراهن الحكومة على استثمار تلك الميزة بقوة مع المشاريع المستقبلية لسوق الكابلات الذي يشهد انتعاشًا عالميًا، لكن مخططاتها تصطدم بسعي منافسين إقليميين يسعون أيضًا لكي يكون لهم حصة من تلك الكعكة.
وكشفت شركة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تفاصيل عن مشروع شركة “جوجل” لمد شبكة كابلات جديدة تربط بين الهند وأوروبا بمسار يجمع بين إسرائيل والسعودية لأول مرة ودون الاقتراب من الأراضي أو المياه الإقليمية المصرية، بطول 5 آلاف ميل، وبتكلفة 400 مليون دولار.
يتضمن المشروع، الذي يحمل اسم “بلو رامان” تيمنًا بعالم الفيزياء الهندي الحاصل على نوبل شاندراسيخارا فينكاتا رامان، شركاء منهم شركة “عمانتل” العمانية للاتصالات و”تيليكوم إيطاليا”، اللتان ستشاركان في تمويل مد الكابلات، والكابل هو رقم 14 في سلسلة الكابلات البحرية التي تمتلكها “جوجل” كليا أو بشراكة مع شركات أخرى.
ويأتي المشروع في ظل مساعي الحكومة المصرية لتحويل مصر إلى ممر رقمي عالمي للبيانات ومصدر جذب لأكبر مراكز البيانات العملاقة والحفاظ على وضع مصر الاستراتيجي كممر آمن للكابلات البحرية، إلى جانب العمل على تعظيم دور الدولة إقليميًا وعالميًا في مجال الاتصالات الدولية.
ووفقا لصحفية “وول ستريت جورنال” فإن “جوجل” تريد البحث عن مسار جديد بعيد عن الرسوم الذي تفرضها الحكومة على مشغلي الاتصالات لاجتياز أراضيها ومياهها، والتي يمكن أن تضيف ما يصل إلى 50٪ من تكلفة طريق من أوروبا إلى الهند، وحركة الملاحة البحرية الكثيفة بالبحر الأحمر التي قد تعرض الكابل لمخاطر، حسبما ذكرت نصًا.
هل تتأثر مصر بالشراكة الجديدة؟
لكن مصدرا مسؤولا بـ”المصرية للاتصالات” أكد لـ “مصر 360″، أن أعباء مرور الكابلات البحرية من مصر منخفضة للغاية، رغم أنها تحتل المرتبة الثانية في عدد الكابلات المارة بها بعد الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحقق عوائد من ذلك النشاط تقترب من ملياري دولار.
وربما يراهن المسئول بـ”المصرية للاتصالات” على ارتفاع تكلفة المسار الذي تسعى جوجل لتطبيقه ومروره لمسافات طويلة بين برية وبحرية على عكس الكابلات التي تمر بمصر وتتسم بأن غالبيتها بحرية في توقف مشروع جوجل.
تمتلك مصر مركزا لمرور الكابلات البحرية الخاصة بنقل الإنترنت، حيث يمر من خلالها 24 كابلاً في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الكابلات البحرية التي تمر خلالها، بما يمثل 20.4% من جميع الكابلات البحرية حول العالم.
عراقيل بلور رامان
ووفقا للصحيفة “وول ستريت” فإن مشروع “بلور رامان” يواجه عدة عراقيل من بينها مروره بالعديد من الدول التي يتطلب الحصول على موافقتها ومن بينها الأردن وسلطنة عمان والسعودية، والأخيرة لم تمنحه الضوء الأخضر بعد.
وتدور تكنهات على إمكانية حصول المشروع على حجم كبير من النقاشات خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمقر شركة “جوجل” في وادي السيليكون بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، قبل عامين ولقاءه برؤسائها التنفيذيين، التي يقال إنها تناولت الحوسبة السحابية وتوطين التكنولوجيا وتطوير البيئة الرقمية.
مشروع اقتصادي بحت
ويقول الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد، لـ” مصر360″، إن المشروع اقتصادي صرف ولا يحمل أبعادا سياسية أو يرتبط بالتحركات السريعة للتطبيع مع إسرائيل عربيًا، فالمعيار الرئيسي هو تعزيز سرعات الانترنت الذي بات عنصر أساسي في الاقتصاد العالمي مع توقعات بأن يبلغ 23 تريليون دولار بحلول 2025.
وتبحث “جوجل” عن مسار مختلف عن غريمتها “فيسبوك” التي أعلنت عن خط جديد في لإنشاء كابل إنترنت بحرى جديد باسم ” 2 إفريقيا” بطول 37 ألف كيلومتر يربط بين أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا عبر مصر والمملكة العربية السعودية كنقاط ربط أساسية ثم يمتد إلى 16 دولة أفريقية ،ومن المقرر دخوله الخدمة بعد 3 سنوات.
ويتضمن مشروع “2 إفريقيا” إنشاء الكابل الجديد باستخدام أحدث تقنيات أنظمة الكوابل البحرية المقدمة من شركة الكاتيل للشبكات البحرية وهي SDM1 والتي تدعم سعات أكثر بتكلفة أقل، حيث تسمح بتشغيل عدد أكبر من أزواج الألياف الضوئية يصل إلى 16 زوجًا مقابل ثمانية أزواج من الألياف الضوئية كحد أقصى وفقًا لما يتم تقديمه في الأنظمة البحرية الحالية.
اقرأ أيضا:
تطبيع في الخليج وخسائر محتملة في مصر.. الفاتورة الاقتصادية والسياسية التي قد تدفعها مصر ثمنا “للهرولة العربية الجديدة”
أول كابل تحت الماء
ومنذ تنفيذ أول كابل تحت الماء عام 1850 لتوصيل حركة التلغراف بين فرنسا وبريطانيا، تلعب الكابلات والموصلات البحرية تتزايد الاستثمارات الموجهة لتلك الصناعة مع ارتفاع الارتفاع الهائل في الطلب عليها، وسط توقعات بأن تشهد معدل نمو سنوي مركب بنسبة 5.3٪ طوال العام المتوقع من 2017 إلى 2025.
تتكون الكابلات البحرية التقليدية من عدة طبقات حاليا لتلافي انقطاعها فتضم غلاف من مادة البولي إيثيلين المقاومة للماء وشريط بلاستكيي سميك فوقها ثم حواجز مانعة لتسرب الماء مكونة من غلاف من البولي كربون المقاومة لصدأ ودرجات الحرارة ثم أسلاك حديدية غير قابلة للأكسدة من النحاس والألومنيوم،بجانب ألياف بصرية دقيقة يتم نقل الإشارات الضوئية في داخلها.
لكن كابلات الألياف الضوئية “الفايبر” فتضم خيوط من الألياف الزجاجية وتنقل البيانات عبر موجات الضوء ما يجعلها مؤهلة للنقل لمسافات طويلة بشكل عالي الأداء، بسرعة تصل إلى 20 جيحابت في الثانية ما يؤهلها للاستخدام الانترنت والتلفزيون والهاتف في العالم.
ترتبط معجزة الألياف البصرية إلى فيزيائي شاب يدعى ناريندر سينج الذي طور فكرة سفر الضوء في خط مستقيم إلى إنشاء ألياف بصرية تتحرك عبر أنابيب زجاجية رفيعة، بما يحل مشكلة تآكل الكابلات التقفليدية، وظلت الفكرة قد التجريب حتى نهاية الثمانينيات مع خط “TAT-8” ليحمل 40 ألف خط هاتف بزيادة عشرة الكابل التقليدية، قبل ان يتم تطويرها للاستخدام لشبكة الانترنت، وخلال الفترة من 2016 إلى 2020، تم مد أكثر من 100 كابل جديد بتكلفة تقديرية 14 مليار دولار.
ويبلغ عدد الكابلات البحرية في العالم لنحو 500 موزعة بين البيانات الرقمية وإشارات الهاتف وحركة مرور مواقع الويب ومعلومات الحوسبة السحابية بين مراكز البيانات، والحوسبة السحابية تتعلق بتوفير موارد تقنية المعلومات حسب الطلب عبر الإنترنت مع تسعير التكلفة حسب الاستخدام.
ما هي مكاسب مصر من مرور الكابلات البحرية؟
ولا توجد إحصائيات رسمية حول مكاسب مصر إجمالا من مرور الكابلات البحرية بأراضيها لكن البعض يشير إليها بمكاسب الشركة المصرية للاتصالات المملوكة للدولة فإيراداتها من حق مرور الكابلات البحرية على الأراضي المصرية ارتفعت من 2.096 مليار جنيه خلال مارس 2019 إلى 2.112 مليار جنيه في مارس 2020، وفقا لإقرار نتائج الأعمال التي أرسلته للبورصة المصرية وحصلت “360” على نسخة منه.
وقبل سنوات أثار ن
ايل الشافعي، مدير إحدى شركات الاتصالات في الولايات المتحدة الأمريكية الجدل، حينما ظهر لمدة ساعة تقريبا مع الإعلامية هالة سرحان، وقال إن 2 مليار دولار يضيعون على مصر بسبب عدم مطالبتها بحقوقها كاملة في رسوم الصيانة انخفاض رسم تكلفة مد الكوابل البحرية بها التي لا تتجاوز 10 آلاف دولار.
جهود مصرية
تعمل “المصرية للاتصالات” على الدخول في أي تحالفات تتعلق بخطوط الكابلات البحرية في المنطقة، وآخرهات مشروع لشركة “اتصالات” لمد كابل بحري “آسيا إفريقيا أوروبا-1” الذي يعتبر أطول الكابلات البحرية في العالم بالتعاون مع 17 مشغلاً دولياً لخدمات الاتصالات، بما في ذلك “تشاينا يونيكوم” (ميانمار)، و”سي آي إل” (كمبوديا)، و”جلوبال ترانسيت” (ماليزيا وسنغافورة)، و”في تي سي ميتفون” (كمبوديا)، و”موبايلي” (السعودية)، و”عمانتل”، و”أوريدو”، و”أو تي إي جلوب” (اليونان)، و”بي سي سي دبليو جلوبال” (هونغ كونغ)، و”شركة الاتصالات الباكستانية”، و”ريليانس جيو” (الهند)، و”ريتيليت” (إيطاليا)، وت”، و”تيليمن”، و”تي أو تي” (تايلاند)، و”فيتيل”(فيتنام)، وشركة الاتصالات الفيتنامية”.