يحمل تحرك حزام الأمطار في مصر من السواحل الشمالية إلى الدلتا والقاهرة، مشكلة مفاجئة للحكومة المصرية؛ فتأثيرات التغير المناخي جاءت بوتيرة أسرع بكثير من التوقعات، ما ينذر بأعباء مالية ضخمة مقابل محاولة تلافي تداعيات الطقس الجديدة.
قبل أيام، فوجئ أهالي المنصورة بسقوط كميات من الثلوج غير مسبوقة، بينما غرقت شوارع عاصمة المحافظة، المصنفة المدينة الطبية الأولى في دلتا مصر، مع استقطابها المرضى من محافظات الوجه البحري، في ظل تواجد عدد كبير من أطباء ومستشفيات الأمراض المزمنة بها.
رغم وقوع الإسكندرية ضمن حزام الأمطار القديم، لكن المحافظة حذرت للمرة الأولى قاطنيها بالبقاء في المنازل، مع سقوط كميات غير معتادة من الأمطار، صاحبها انخفاض غير معتاد في درجات الحرارة، وارتفاع غير اعتيادي في أمواج البحر.
وتعرضت غالبية شوارع الإسكندرية أيضًا للغرق، وعجزت شبكات الصرف الصحي عن حل الأزمة، رغم تشديد المحافظة على تنظيفها لاستقبال موسم الشتاء دون أزمات، واستغلال المياه المجانية الساقطة.
وأصبحت الموازنة العامة المصرية في مأزق حاليًا مع احتياجها لتدبير المليارات لإعادة ترميم شبكة الصرف بمدن الدلتا، التي تعتمد على مواسير ضيقة الحجم للصرف الصحي أو إعادة تكسير طرق تتضمن أخطاء في التصميم وتتضمن بلاعات أعلى منسوب الطريق ذاته.
اقرأ أيضًا: التحذير الأخير من الجليد الذائب.. معركتنا الأخيرة مع الاحتباس الحراري في القطب الشمالي ودلتا مصر
يتكلف تغيير المتر الواحد من شبكة الصرف الصحي ما بين 400 و500 جنيه، دون احتساب تكلفة إعادة الرصف، ما يجعل إجمالي تكلفة تغيير شبكة طولها الإجمالي 45 ألف كيلو نحو 22.5 مليار جنيه, أما تكلفة إعادة الرصف فتصل وحدها إلى 32 مليار جنيه.
الطقس في مصر.. جاف أم ممطر؟
عرفت مصر بوضوح فصولها المناخية، قبل أن يختلف كل شيء بسبب التغير المناخي، فبحسب محمد علي فهيم، أستاذ التغيرات المناخية بمركز البحوث الزراعية في وزارة الزراعة، فإنه “نتيجة للتغير المناخي حدث زيادة ارتباك في النظام المناخي” أدى لتقلبات مناخية حادة، منها الهطول الغزير للأمطار بدرجات كثيفة في فترات زمنية قصيرة.
وأكد ممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف، في تصريحات تلفزيونية بقناة “سي بي سي” أن مصر دخلت حزام الأمطار منذ فترة قصيرة، مدللًا على ذلك بهطول كمية أمطار شديدة وغير مسبوقة، يتم حاليًا وضع خطط لمواجهتها طبقًا للقدرة الاستيعابية للشبكات المتاحة.
ودفعت كميات الأمطار البسيطة التي تسقط على المدن الرئيسية مثل القاهرة، وزارة الإسكان لعدم تخصيص شبكة صرف خاصة بها، ودمجها مع الصرف الصحي، على اعتبار أن إنشاء شبكة خاصة تكلفتها مليارات الجنيهات، ولن تستخدم إلا مرات محدودة سنويًا وقد تتعرض للتلف السريع بسبب عدم الاستخدام.
كانت أكبر كمية من الأمطار سقطت على القاهرة في تاريخها، خلال التسعينات، عندما استقبلت 24 مليمترًا من المياه، وتم التعامل مع الشوارع الغارقة بالطريقة التقليدية المعتادة، بسحبها بوحدات شفط وإعادة إلقائها في شبكات الصرف.
ما يفاقم مشكلة الأمطار حاليًا هي موجة مخالفات البناء التي حدثت بعد أحداث ثورة 25 يناير، التي تسببت في ارتفاعات قياسية لأدوار العقارات وزيادة الكثافة السكانية بها، وعجز شبكة الصرف المتهالكة في الأساس على تحمل الضغط، وحتى باتت شبكات المياه هي الأخرى في أزمة، فالجيزة وحدها تتسرب فيها 37% من مياه الشرب بسبب الارتفاعات غير المرخصة.
يؤكد المهندس عادل حسن زكي، رئيس شركة الصرف الصحي في القاهرة، الأمر، في تصريحات تلفزيونية، بعد أن أكد أن الشبكة التي يتجاوز عمرها القرن، يمكنها التعامل مع مياه الأمطار حتى ارتفاع أربعة مليمتر، ولكن إذا تجاوزت كمية الأمطار المتوقع سقوطها، حاجز الخمسة مليمترات، فلن تستطيع التعامل معها.
تغيرات عنيفة
يقول مجدي علام، الخبير البيئي، في حديث لـ”مصر360″، إن مصر أصبحت تعاني من تغيرات مناخية جامحة وظواهر شديدة العنف حتى أن الفصول المناخية الأربعة بدأت تظهر فى يوم واحد، ففي الدقهلية كانت كميات الأمطار قليلة ثم تزايدت وتحولت إلى ثلوج.
وأشار علام إلى تكرار الأمر ذاته مع الرياح التي كانت سرعتها ستة أمتار في الثانية، وتضاعفت إلى 12 مترًا، ما أدى لاقتلاع الأشجار، علاوة على تذبذات درجات الحرارة التي كانت ترتفع درجتين بين الليل والنهار، ووصلت حاليًا إلى عشر درجات.
ووفقًا للإدارة المركزية للمناخ والبحث العلمي بالهيئة العامة للأرصاد الجوية فإن الدراسات الأولية أظهرت حدوث تغيرات في فصلي الخريف والربيع بمصر، خصوصًا فيما يتعلق بتكرار الموجات الرعدية والعواصف الترابية، وهناك كثير أيضًا من الظواهر، التي لم تكن معتادة في هذين الفصلين وباتت تتكرر كثيرًا.
هذا وكانت العديد من الدراسات، توقعت ظهور تأثيرات التغير المناخي على المدن الساحلية الأربع: الإسكندرية وبورسعيد ودمياط ورشيد، بناء على معدل ارتفاع مستوى سطح البحر بنسبة نصف متر، لتغرق ثلثيها بالمياه، لكن التغيرات المتلاحقة الأخيرة ستعدل من الدراسات المستقبلية المتعلقة حول المناخ بمصر.
وتؤكد دراسات مركز معلومات تغير المناخ، أن ما تشهده مصر حاليًا من تقلبات مناخية، كان يتوقع حدوثه عام 2050، والتأثيرات المستجدة لها تفوق كثيرًا الطقس، وأصبحت تداعياتها كبيرة على قطاعي الزراعة والصيد والسياحة، بما يفوق توقعات خبراء التغير المناخي.
كما حذرت دراسة جديدة بعنوان “تغير المناخ والأزمات الزراعية المصرية”، قُدّمت في مؤتمر علمي بالإسكندرية، عن ارتفاع نسبة الملوحة بأراضي الدلتا التي أصبحت تحتل المركز الثالث عالميًا بعد هولندا والصين في نفاذ المياه المالحة إليها، وتناقص الأمطار بالساحل الشمالي، وهبوط مياه الخزان الجوفي بالمناطق الصحراوية، وزيادة الاستهلاك المائي للمحاصيل لمواجهة الرطوبة العالية.
خيرات ضائعة
وأجرت الدراسة تجارب حقلية بأسلوب المحاكاة الافتراضية على المناطق المناخية الزراعية المختلفة بمصر لمدة تتراوح بين 25 و40 عامًا، مظهرةً تراجع إنتاجية القمح بنحو 9% مع ارتفاع الحرارة درجتين فقط، والذرة الشامية بنسبة 19% حال ارتفاعها بنحو 3.5 درجة.
فيما أكدت دراسة لمعهد أوكيناوا للعلوم التقنية باليابان، أن تغير المناخ جعل الأعاصير تستغرق وقتًا أطول حتى تضعف بعد وصولها إلى اليابسة، وتدمر المزيد من المجتمعات، حيث وجد الباحثون أنه بسبب ارتفاع درجات حرارة البحر، فإن متوسط أعاصير شمال الأطلسي تستغرق الآن 33 ساعة لتفقد قوتها، مقارنة بـ17 ساعة قبل حوالي 50 عامًا.
الدكتور أحمد دياب، الخبير بشؤون المياه، قال لـ”مصر360″، إن مصر عليها الاستعداد للأمطار المفاجئة، وإعادة تقييم البنية الأساسية بما يتوافق مع المتغيرات المناخية، ومراعاة ذلك في الإنشاءات الجديدة من خلال التصميمات والخامات، خاصة أن البنية الأساسية بمصر تم تصميمها علي نظام المناطق الحارة غير الممطرة.
اقرأ أيضًا: بمناسبة اليوم العالمى للبيئة.. رصد للجهود المصرية لإعمال الحق في بيئة صحية
هذا وتمثل مياه الأمطار هدًرا يمكن الاستفادة منه، ففي مارس من العام الماضي استقبلت مصر خلال ثلاثة أيام فقط نصف مليار متر مكعب تم تصريفها مع 14 مليون متر مكعب من الصرف الصحي تُصرف في الشبكة يوميًا، وذلك وفقًا لمركز التحاليل والتنبؤات الجوية بهيئة الأرصاد الجوية.
وتؤكد دراسات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن مصر حصلت على 80.25 مليار متر مكعب من المياه في العام المالي 2019/2018، نحو 55.5 مليار متر مكعب من نهر النيل، و13.65 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة (تستخدم في الزراعة فقط)، و9.45 مليار متر مكعب من المياه الجوفية.
يؤكد دياب على ضرورة تطوير شبكات الصرف للاستفادة من مياه الأمطار وتخزينها لاستغلالها فيما بعد إما في الزراعة والري أو الشرب مثلما تفعل غالبية دول العالم فمياه الأمطار أنقي أنواع المياه للشرب بعد معالجتها أوليًا بتكلفة أقل، مضيفا أن الدولة أنشأت سدود حاجزة وقاطعة وبحيرات بسيناء، وتواجه مشكلة في تعميميها بسبب التكلفة المرتفعة.