الجزائر – فتيحة زماموش

لازال موضوع حقوق المرأة في الجزائر من القضايا التي تشغل الناشطين في مجال الحقوق، وتحظى باهتمام كبير ومتزايد في مقابل القوانين التي سنّها المشرع الجزائري لتعزيز مكانتها في كافة الأصعدة، نظرًا للدور الذي تقوم به المرأة في الأسرة والمجتمع. 

أسئلة مهمة تظل تطرح في الجزائر بإلحاح: إذا كانت القوانين تنصِف المرأة، وبفضلها تحسنت وضعيتها، فما الذي يبرر وجود عديد القضايا المطروحة في المحاكم الجزائرية، الضحية الأكبر فيها المرأة سواء الأم أو الزوجة أو البنت أو الأخت؟ وهل أسهمت القوانين في حماية فعلية لحقوق يمنحها قانون المرأة؟ أم هي حصيلة ازدواجية القوانين ومقاومة المجتمع دون تنفيذها في أرض الواقع؟. 

حقوق المرأة في الجزائر.. الواقع فوق القوانين

بالأرقام، سجلت المصالح الأمنية أكثر من 6 آلاف حالة عنف ممارس ضد المرأة في الفترة من يناير إلى يونيو 2020، منها ما هو عنف جسدي بالضرب الجرح العمدي المفضي للوفاة والقتل العمدي، علاوة على الاعتداءات والتحرش الجنسي وسوء المعاملة.

وسجلت الجهة ذاتها أكثر من 8461 حالة عنف ضد المرأة في عام 2016 فقط، ما يعكس تفشي تلك الظاهرة في البلد العربي الشقيق.

 وهي أرقام لا تكشف المستور بحسب المحامية وردة بلهاني، موضحة لـ”مصر 360″ أن هذه الأرقام الرسمية لا تعني ما هو مستور في الوسط العائلي، إذ تتخوف بعض النساء من التبليغ عن تعرضهن للعنف سواء من قِبل الزوج أو الأبن أو الأب أو الأخ أو الجار، على سبيل المثال لا الحصر. 

وتكشف هذه الإحصائيات التي سجلتها المصالح الأمنية أن المرأة “لا زالت تعاني من مختلف صنوف التعنيف الممارس عليها، بالرغم من الترسانة القانونية التي سنها المشرع الجزائري، ويتضمنها قانون الأسرة، إذ تعدّ “عتبات حماية لها”، كما قالت المحامية. 

اقرأ أيضًا: الزوج المتهم الأول.. “كورونا” يفاقم العنف ضد المرأة في المغرب

وأضافت أن “حماية المرأة هو مسؤولية اجتماعية، لأنها تعتبر عنصرًا فاعلا في المجتمع لا يمكن أن نحمّلها أكثر من طاقتها، فهي العاملة والموظّفة والزوجة والمربية”، على حد قولها. 

وفي مفارقة صارخة بين المكانة التي حظيت بها المرأة الجزائرية خلال عقود من الزمن وبين واقعها، نجدها تشتكي أيضا من التهميش، إذ نجد المرأة تشغل مناصب ومتواجدة في مختلف القطاعات كالصحة والتعليم والتجارة أيضا، لكنها لا زالت تنادي بقوانين لحمايتها من العنف تارة ومن هضم حقوقها في كنف الأسرة الصغيرة وفي وسط العائلة الكبرى، تارة أخرى. 

وعلى سبيل القضايا المطروحة اليوم في المحاكم الجزائرية، مسألة بناء بيت الزوجية، فمشاركتها في تأسيس البيت ليس بالضرورة أنها ستأخذ حقها إن تعرضت علاقتهما لتصدّع، وهي الإشكالية التي طرحها المحامي فريد بلعون.

يقول بلعون، في تصريحات لـ”مصر360″ إن عددًا من الملفات تنتهي بعدم تمكين المرأة من حقها في السكن بعد الطلاق بل يتم تسجيل عقد ملكية السكن باسم الزوج، وهو الأمر الذي يعتبر معضلة العلاقات الزوجية على مستوى المحاكم، إذ لا تعطي الحق لامتلاك البيت إلا للرجل حتى ولو كانت المرأة قد أسهمت في مصاريف بنائه ومن مدخولها الشخصي. 

حبر على ورق

السؤال الذي تطرحه العديد من الأطياف الحقوقية في الجزائر بإلحاح، مفاده هل حظيت حقوق المرأة كقوانين في مدوّنة الأسرة بنفس الحماية في الميدان؟ إذ ترى العديد من الناشطات أن كثير من النساء يتعرضن للاضطهاد والتمييز داخل الأسرة، لا سيما ما تعلق بالميراث والآثار الناجمة على خطوة الطلاق، وتحمل المسؤولية عقب ذلك ومخافة تشتت الأبناء. 

رغم أن القوانين واضحة، تتأرجح المرأة بين العودة إلى بيت والديها عقب الطلاق، لكنها تخاف تشتت أبنائها، وسبب ذلك الفراغ في آليات تطبيق هذه القوانين، وعدم وجود ضمانات كافية، بل ويعدّ ذلك تهديدا لوضع المرأة في المجتمع، كما قالت الأستاذة في علم الاجتماع نورية بوراوي لـ”مصر 360″.

 وترى بوراوي وجود تذبذب في تنفيذ القوانين في بلد مازال يحتكم للأعراف في حلّ قضايا خلافية أهم عناصرها هي المرأة خاصة ما تعلق بالميراث، إذ يدعو الكثيرون إلى احترام التغيرات التي مست المركز الاجتماعي للمرأة والتحولات التي لحقت ببيئة الأسرة الجزائرية.

تجاذبات لعقود

من المتفق عليه في الجزائر، أن المرأة هي دعامة المجتمع الأساسية، باعتبارها من العناصر الفاعلة فيه، وبذلك تتطلع إلى تبوء مكانة رفيعة في دواليب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعزيز دورها في مختلف القطاعات وتفعيل عجلة التنمية، ومع هذا السياق تعمل الحكومة الجزائرية على “بلوغ مبدأ المناصفة بين الجنسين في شتّى المجالات”.

بالعودة للقوانين، تطالب الناشطات لحقوق المرأة في الجزائر إلى وضع آليات لتطبيقها كضمانة للمرأة، كما لفتت الناشطة الحقوقية المحامية زهيرة بن ضيف، قائلة لـ”مصر 360″ إلى وجود تناقض صارخ بين هذه القوانين والمدلول الاجتماعي الذي يهدِم المساواة باسم العرف وبات انتهاكا صارخا لحقوق المرأة، كما أضافت.

كما ذهبت إلى القول إنه من الواجب تعزيز المواد الدستورية بقوانين تتماشى مع التطورات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع الجزائري.

اقرأ أيضًا: حتى في الدول “المتقدمة”.. مؤشرات العنف ضد المرأة لأعلى

منذ التعديلات الدستورية في العام 2005، أصبحت المرأة تباشر إبرام عقد زواجها بنفسها في حضور وليها، وشدّد المشرع الجزائري على حصول الزوج على ترخيص قضائي من زوجته الأولى إن أراد تعدد الزوجات، وبموافقة زوجته الثانية.

اجتماعيًا، أكدت المحامية بن ضيف على أن المرأة وصلت إلى مكانة مهمة في مجال التعليم والعمل، كما أنها حجزت مكانتها في مناصب سياسية كبرى كالوزارة والبرلمان والمجالس البلدية فضلا عن المؤسسات العمومية، وهذا “ما يجعل بعض القوانين التي تحرم المرأة من بعض الحقوق في الميراث والحياة اليومية الخاصة، غير منسجمة مع القيم العالية للمساواة وحماية حقوقها”، تضيف المتحدثة. 

تمثيل سياسي بارز

وفي المجال السياسي، سجلت الجزائر نسبة 31 % من النساء منتخبات في البرلمان بغرفتيه: المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة.

 وبذلك أفادت وزارة التضامن الوطني والأسرة في تقاريرها حول قضايا المرأة والمشاركة السياسية على أن الجزائر صنفت كأول دولة عربية في مجال التّمثيل النسوي في المجالس المحلية المنتخبة بفضل القانون العضوي المحدد لكيفيات توسيع حظوظ المرأة في هذه المجالس (بلديات، دوائر وولايات) حسب التقسيم الإداري للمناطق في الجزائر.

ضمانات ونظرة المجتمع

ومن خلال الرواية الرسمية، يعتبر الدستور الجديد الذي تم الاستفتاء عليه في الفاتح من نوفمبر الجاري، قد عزّز حماية حقوق المرأة، ويمنحها مكانة أوسع في المجتمع.

كما يقدم الدستور ضمانات للمرأة وحمايتها من مختلف التمييز والعنف وتمكينها من العمل والتسلسل الوظيفي وفي الممارسة السياسية، ويأتي هذا في تناسق مع ما صرحت به وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة والتشغيل والضمان الاجتماعي بالنيابة، كوثر كريكو، التي أكدت في تصريحات صحفية على أن “المواد المدرجة في الدستور تمنح تحفيزات للمرأة لتبوئها مكانة وتقلّد المناصب بالهيئات والمؤسسات موضحة أنه سيتم تحصينها بضمانات قانونية من شأنها ترقية المرأة”.

وتطرقت المادة 68 من الدستور الجزائري المتعلقة بترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل وتشجيع ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية.

وقالت رئيسة الهيئة الوطنية لحماية وترقية المرأة والطفولة مريم شرفي، إن الجزائر كرست الالتزامات الدولية في المساواة بين الجنسين وحماية المرأة من العنف وضمان حقوقها والمشاركة في الحياة السياسية.

المرأة الجزائرية تحظى باهتمام كبير في السياسات الوطنية لحمايتها وضمان حقوقها وترقيتها من خلال “المبادئ الدستورية المكرسة والالتزامات الدولية لبلادنا لاسيما لافتة إلى أن المادة الـ40 من الدستور التي 

تنص على منح الأهلية القانونية للمرأة بالتساوي مع الرجل في المشاركة السياسية في المجالس المنتخبة.

أما في عالم الشغل، تشير إحصائيات وزارة التضامن الوطني والأسرة إلى أن أكثر من 75 بالمائة من الموظفين الاجراء هم من فئة النساء في القطاع العام، فضلا عن استفادتها من قروض صغيرة في القطاع الخاص بنسبة تفوق الـ63% من مجموع القروض الممنوحة.

كما بلغ عدد النساء المزاولات للنشاطات التجارية أزيد من 160 ألف امرأة مع نهاية الثلاثي الأول من السنة الجارية.

لكن في الواقع، تظل القوانين في الجزائر في صالح النهوض بالمرأة وتفعيل دورها في المجتمع، غير أن الأعراف الاجتماعية ما زالت تسيطر على رؤية ذكورية للمرأة، حيث قالت الأستاذة في علم النفس الأسري وهيبة لعضايمية لـ”مصر 360″ أن المرأة خاضت في جميع القطاعات، وأصبحت تسهم في المدخول المادي للأسرة، غير أنها في آن واحد مازالت لم تكتسب حقوقها. 

وأضافت لعضايمية أن تغيير هذه النّظرة تحتاج إلى عمل متواصل لتغيير بعض المعتقدات التي لا تتماشى مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الجزائري، لافتة إلى أن نصف النساء يشاركن في مصاريف البيوت ورفع من مستوى المعيشة مع الرجال، لكنهن في نفس الوقت لازلن يعانين من هضم الحقوق والتعنيف خاصة في المدن الداخلية، ويكافحن أمام سطوة الرجل وعجز تنفيذ القوانين.