انطلاقًا من عقيدة “الخروج على الحاكم حرام”، رفعت الدعوة السلفية في أحداث يناير 2011، شعار “إصلاح لا ثورة”، رفضًا لدعوات الـ 25 من الشهر الأول للعام الذي كُتب فيه آخر سطر في حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.

هنا بدأت فكرة ارتداء عباءات السياسة تداعب عقول مسؤولي الدعوة، خاصة في ظل صعود التيار الديني وغلبته في الحشد الجماهيري، الذي افتقدته المعارضة السياسية التقليدية، وخسره شباب الثورة بتوقف استراتيجيتهم عند حد الانتهاء من حكم الرئيس.

الصعود اللافت

في مايو من العام 2011 تأسس حزب النور، وبدأ خطواته السياسية الأولى المتسارعة، لينجح في حصاد ما نسبته 22% من مقاعد برلمان 2012، إلا أن هذا الصعود اللافت لم يكن يتناسب مع خبرات الحزب الوليد.

ورغم تصدر قيادات التيار السلفي المشهد السياسي، ومشاركتهم في مجموعة الخمسين لكتابة الدستور، فشلوا في إدارة الملفات السياسية، وفاقم وضعهم الأحداث التي شهدتها فترة وصول جماعة الإخوان -المصنفة إرهابية- إلى رئاسة الدولة، وما أعقبها من صدام عنيف، ما أجبر التيار -صاحب سياسة المنطقة الرمادية- على التقهقهر خطوات، والوقوف في صف الدولة ووجه الإخوان، حليف الأمس.

برلمان 2012
برلمان 2012

البرجماتية السلفية

خلال فترة تولي الإخوان مقاليد الحكم، بدا واضحًا أن المزاج العام لدى جموع المصريين لم يعد يحتمل التلويح بعصا الدين داخل مؤسسة الرئاسة والأروقة النيابية، رفضًا لاستغلال الشرع في خدمة المكاسب السياسية، فضلاً عن محاولات الجماعة إزاحة الحزب السلفي وإقحامه في معركتها مع الدولة وأجهزتها وجموع المعارضين أنفسهم.

ومع أحداث 30 يونيو وفي قراءة جديدة للوضع، قررت قيادات الدعوة والحزب عدم خوض معركة البقاء بصفوف الإخوان، معلنين دعمهم الجيش في استجابته لمطالب الشعب، من مبدأ “الحفاظ على الهوية الإسلامية والشريعة في آن واحد”، والذي فسرته الدعوة بضرورة تحالفها مع الدولة على الانصياع وراء دعوات الإخوان، حمايةً للتواجد الإسلامي بأروقة السياسة.

ظهر هذا الموقف جليًا، في البيان التاريخي لوزير الدفاع -آنذاك- عبدالفتاح السيسي، الذي أعلن في 3 يوليو 2013 عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، بينما كان الحضور خلف السيسي يضم نحو 14 شخصية من مختلف الأطياف السياسية والدينية، بينهم الأمين العام المساعد لحزب النور المهندس جلال المرة، للتدليل على دعم التيار السلفي للدولة المصرية.

اقرأ أيضًا: السلفية وانتخابات “الشيوخ”.. شبح الخروج من المشهد السياسي يهدد حزب النور

دخل حزب النور برلمان 2012 بـ 121 مقعدًا لحزب النور مقعدًا، ليحصد ثاني أعلى نسبة تمثيل بعد ذراع الإخوان السياسية “الحرية والعدالة”، في المجلس الذي سرعان ما سقط بحكم قضائي ملزم ببطلانه، قبل أحداث 30 يونيو، التي نجح “النور” ومعه التيار السلفي في تجاوزها بشق الأنفس.

أعاد حزب النور الكرة وشارك في انتخابات مجلس النواب 2015 لكن الأجواء حينها كانت تمتلئ برفض تيار الإسلام السياسي كله، ما تلقى الحزب على إثره ضربة موجعة، حاصدًا 12 مقعدًا نيابيًا فقط، بعد معركة انتخابية شرسة في معاقل الدعوة بغرب الدلتا.

مر مجلس النواب 2015 دون بصمة واضحة لنواب حزب النور، الذي تراجعت شعبيته أكثر فأكثر، وإلى الظل تراجع، دون أن يحصل أي من نوابه على رئاسة لجنة أو أمانة، فكان بقاؤهم تحت القبة لأداء الدور التقليدي للنائب في دائرته.

شعار لحزب النور في أحد الشوارع

السقوط المدوي وقبلة حياة

في 2020، دفع الحزب بـ 12 مرشحًا إلى سباق مجلس الشيوخ -المعاد إلى الحياة- إلا أن المرشحين الاثنى عشر سقطوا جميعًا بلا استثناء، ما مثل صدمة كبيرة داخل الحزب، الذي انقسم داخليًا بين ضرورة البقاء في العمل السياسي وانعزال إجباري تفرضه حالة الرفض المحيطة بممثلي التيارات الدينية.

قطع هذا الجدل حول البقاء السياسي للحزب قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بتعيين 2 ممن يحسبون على التيار السلفي؛ أحدهم من الشباب وهو المهندس محمد التركي عضو تنسيقية شباب الأحزاب، والآخر هو المهندس أشرف ثابت نائب رئيس الحزب السابق، ما وصفه بعض المراقبين بـ”قبلة حياة”، وإشارة بعدم رغبة الدولة في إقصاء الحزب والتخلص من الدور السلفي.

تلقف حزب النور الرسالة، ووجه الشكر إلى رئيس الجمهورية على خلفية المعينين الاثنين بمجلس الشيوخ، في وقت صرح المهندس أشرف ثابت، برفض حسابه على الحزب الذي تقدم باستقالته منه قبل نحو 3 سنوات، ما يشير أيضًا إلى الحال السياسية التي وصل إليها “النور”.

محاولاً الاحتفاظ بالمقاعد الاثنى عشر -المنتزعة في برلمان 2015- دفع حزب “النور” مجددًا بعناصره إلى معترك الانتخابات البرلمانية 2020، فلم يحسم سوى 7 مقاعد، وفق ما تشير النتائج الأولية لجولة الإعادة بـ 13 محافظة شهدت المرحلة الأولى من التنافس.

اقرأ أيضًا: “المقاعد الدينية”.. انتخابات الشيوخ تعيد عداء السلفية للمرأة

تاريخ قد لا يتكرر

قال أحمد عطا، الباحث في الحركات الإسلامية، إن التيار السلفي ظهر في أعقاب ثورة 25 يناير بقوة جارفة، وبصفوف منظمة قادرة على إحداث تغيير في الحسبة السياسية، مشيرًا إلى ما عُرف بـ “جمعة قندهار” كواحدة من العلامات الفارقة على قدرة التيار السلفي وقوته ومدى توسعه في ربوع مصر، قبل أن تقرأ الدولة الوضع جيدًا، وينفرط عقد التيار شيئًا فشيئًا.

وأضاف عطا، لـ “مصر 360“، أن هناك الكثير من الدلالات والأسباب على عدم وجود رغبة من الشارع المصري لدعم أي مرشح تحت غطاء تيار إسلامي؛ موضحًا أن شعار التيار الإسلامي لم يعد جاذبًا وفعالاً بعد أن فقد مصداقيته في الفترة من يناير 2011 إلى يوليو 2013، التي شهدت صراعًا على المناصب السياسية بين كافة أحزاب الإسلام السياسي.

ويرى عطا أن المصريون يتعاملون مع تيارات الإسلام السياسي حاليًا باعتبارهم “تجار سلطة”، وأن نفاد رصيدهم الجماهيري هو ما أنتج فشلهم الكبير في انتخابات الشيوخ والنواب ٢٠٢٠، إذ لم يعد لهم سوى الوجود الهيكلي دون ظهير سياسي، وسط مناخ عام رافض لوجود أحزاب راديكالية.

ويقول الباحث في الحركات الإسلامية أن التاريخ الحديث للتيار السلفي السياسي أيضًا لم يكن يُحسب لصالحهم، إلى جانب افتقادهم للتمويلات -سواء داخلية أو خارجية- التي كانت الإخوان تتمتع بها، فضلاً عن العزوف العربي والأجنبي الحاصل حاليًا عن تيارات الإسلام السياسي بوجه عام، الأمر الذي يجعل ما حدث من صعود سياسي سريع للدعوة السلفية في 2012 تاريخ قد لا يتكرر قريبًا.