اشتعل الوضع مجددًا في منطقة الشرق الأوسط، مع اغتيال كبير علماء الذرة في إيران محسن فخري زاده، والحديث عن محاولات تأزيم الوضع التي ينتهجها الرئيس الخاسر بالانتخابات الأمريكية دونالد ترامب، الأكثر دعمًا بين رؤساء الولايات المتحدة لإسرائيل -المتهم الأول في هذه الحادثة- وذلك تزامنًا مع خطوة واشنطن بإعادة تحريك مجموعة حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز” إلى داخل مياه الخليج العربي، ونشر قاذفات “B-52” قبل ذلك بأيام، في خطوة وصفتها شبكة “فوكس نيوز” بأنها “رسالة إلى طهران“.
اقرأ أيضًا: أثر جو بايدن في إيران.. كيف ينهي أزمة شعب الجمهورية الإسلامية؟
اعلنت إيران، أمس الجمعة، اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، في هجوم قرب العاصمة طهران. واتهمت إسرائيل بضلوعها في الهجوم، الذي قال مراقبون إن أهميته تكمن في كون زاده كان يعمل على تطوير سبل تصنيع رؤوس نووية خلف ستار برنامج مدني معلن لتخصيب اليورانيوم في إيران.
أشار تقرير لـوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في 2011 إلى فخري زاده باعتباره شخصية محورية في أنشطة إيرانية مشتبه بأنها تسعى لتطوير تكنولوجيا ومهارات مطلوبة لصنع قنابل نووية. كما أشار التقرير إلى احتمال أنه لا يزال له دور في مثل تلك الأنشطة.
ولد محسن فخري زادة عام 1958 في مدينة قم الإيرانية، وانضم إلى الحرس الثوري بعد الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979، و قيل إنه احتفظ برتبة رفيعة في الحرس الثوري حتى عندما أصبح عالمًا.
عمل محاضرًا للفيزياء في جامعة الإمام الحسين في العاصمة الإيرانية طهران. وكان يعد أشهر عالم نووي إيراني، لكنه حرص على الابتعاد عن الأضواء. ولطالما تحدثت عنه مصادر أمنية غربية على أنه يتمتع بنفوذ كبير ودور أساسي في برنامج إيران النووي.
ووفق الموقع الإسرائيلي، ذكر نتنياهو اسم زاده في عام 2018، عندما كشف النقاب تليفزيونيًا عن الأرشيف النووي، الذي قال إن عملاء الموساد أزالوه من مستودع سري بطهران. ونشر نتنياهو للصحفيين حينها صورة فوتوغرافية للعالم النووي الراحل، قائلاً: “تذكروا هذا الاسم، فخري زاده”.
اقرأ أيضًا: تهاوي النفوذ.. الثعلب الإيراني يواصل دفع ثمن مقتل “سليماني”
ليس الأول بين العلماء
لم يكن فخري زاده الأول في قائمة العلماء الذين استهدفتهم إسرائيل، في تاريخ عدائها ومن وراءها الولايات المتحدة لإيران، وفق عرض بكتاب “Rise and Kill First“، للمؤلف رونين برغمان -الصادر في 2018- حول عمليات اغتيال قُدرت بـ 2700 عملية، بعضها فشل، نفذتها إسرائيل خلال الـ70 عامًا الماضية، تمثل عمر دولة الاحتلال منذ ظهورها.
رونين برغمان وهو مراسل صحيفة “يديعوت أحرنوت” الشهيرة في جهاز المخابرات، تمكن -في كتابه- من انتزاع بعض القصص المثيرة من عملاء للموساد و”الشين بيت” وكذلك جيش الاحتلال الإسرائيلي. وذكر بعض أسماء هؤلاء العملاء، إلا أنه حجب البعض الآخر. وكان بين قائمة الاغتيال تلك حوالي 6 علماء إيرانيين في المجال النووي، اغتيلوا في السنوات العشر الأخيرة.
مسعود علي محمدي
في 12 يناير 2010، قُتل العالم النووي الإيراني مسعود علي محمدي بتفجير قنبلة عن بعد في طهران.
ووصف مسؤولون إيرانيون أستاذ الفيزياء بأنه عالم نووي، بينما قال متحدث إنه لم يعمل لصالح منظمة الطاقة الذرية، بل كان محاضرًا في جامعة طهران.
لكن مصادر غربية قالت إن علي محمدي كان يعمل بشكل وثيق مع فخري زاده وفريدون عباسي-دواني، وكلاهما خضع لعقوبات من الأمم المتحدة بسبب عملهما في أنشطة يشتبه بأنها تهدف إلى تطوير أسلحة نووية.
مجيد شهرياري
في 29 نوفمبر 2010، قُتل العالم النووي مجيد شهرياري في انفجار سيارة مفخخة في طهران، وأصيبت زوجته التي كانت ترافقه في الهجوم.
وكان لشهرياري دور في أحد أكبر المشروعات النووية الإيرانية، وفق ما أعلن رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية على أكبر صالحي، بينما وصف مسؤولون إيرانيون اغتياله بأنه “هجوم برعاية إسرائيلية أو أميركية على برنامج البلاد النووي”.
فريدون عباسي دواني
أصيب رئيس قسم الفيزياء في جامعة الإمام الحسين عباسي-دواني وزوجته في انفجار سيارة مفخخة في ذات اليوم الذي قتل فيه شهرياري، في 29 نوفمبر 2010.
وشغل عباسي-دواني منصب نائب رئيس ومدير منظمة الطاقة الذرية في فبراير 2011، وفقًا لما ذكرته وقتها وكالة فارس للأنباء، لكن وكالة “إرنا” ذكرت أنه أقيل من منصبه في أغسطس 2013.
وفرضت الأمم المتحدة عقوبات على عباسي-دواني، بسبب ما قال مسؤولون غربيون حول مشاركته فيما يشتبه أنها أبحاث لتطوير أسلحة نووية.
وقال حيدر مصلحي وزير المخابرات في ذلك الوقت “هذا العمل الإرهابي نفذته أجهزة مخابرات مثل المخابرات المركزية الأميركية سي.آي.إيه والموساد الإسرائيلي وجهاز إم.آي6 البريطاني”.
داريوش رضائي
في 23 يوليو 2011، قُتل أستاذ الفيزياء الإيراني داريوش رضائي رميًا بالرصاص، في عملية اغتيال نفذها مهاجمون مسلحون في شرقي العاصمة الإيرانية.
وكان رضائي، الذي بلغ الخامسة والثلاثين من عمره عندما تعرض للاغتيال، يعمل محاضرًا في الجامعة وحاصل على درجة الدكتوراة في الفيزياء.
وقال نائب وزير الداخلية الإيراني -آنذاك- إنه لم يكن على صلة بالبرنامج النووي الإيراني، بعد أن أشارت تقارير أولية في بعض وسائل الإعلام إلى مثل تلك الصلة.
مصطفى أحمدي روشن
في يناير 2012، قُتل المهندس الكيميائي أحمدي روشن (32 عامًا) في انفجار قنبلة لاصقة في سيارته، وضعها راكب دراجة نارية في طهران.
وقالت إيران إن روشن كان عالمًا نوويًا أشرف على قسم في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم. وألقت إيران بمسؤولية الهجوم على إسرائيل والولايات المتحدة.
اقرأ أيضًا: “سانباك”.. هل ينجح ترامب في إعادة كامل العقوبات على إيران؟
اغتيال يعرقل مساع محتملة لبايدن
من جانبه، أعاد دونالد ترامب نشر أخبار، عبر حسابه في “تويتر”، بشأن اغتيال زاده، دون التعليق على الموضوع.
كما أعاد نشر تغريدة للصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان تنص على أن هذا العالم كان رئيسًا لبرنامج إيران العسكري السري، وأنه كان مطلوبًا لدى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد”، على مدى سنين، وأن اغتياله يوجه ضربة إلى إيران من الناحية النفسية والمهنية.
وهو ما يأتي وسط حديث عن سيناريو محتمل لهجوم أمريكي ضد إيران قبل انتهاء فترة ولاية ترامب، الساعي إلى عرقلة خطوات خلفه جو بايدن، الذي انتقد في مرات عدة تعاطي ترامب من الملف الإيراني.
ويزيد من هذا التوتر الحاصل حاليًا، عملية الاغتيال الأخيرة التي تعرض لها العالم الإيراني، وقال الرئيس حسن روحاني عنها إن “لن تعرقل مسار إيران في المجالات العلمية، بل ستؤدي إلى تشديد عزمها”، وإن “على أعداء إيران أن يدركوا أن إيران أكثر شجاعة من ألا ترد على جريمة الاغتيال”.
وكانت إيران شنت هجومًا بالصواريخ الذاتية الدفع (الباليستية) في يناير الماضي على قاعدتين جويتين، توجد فيهما قوات أمريكية في العراق، دون أن يحدث ذلك إصابات، ردًا على اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، العقل المدبر لأنشطة إيران في الشرق الأوسط.
ولم يكن ذلك الرد الوحيد، إذ اعتبرت صحيفة “لوريون لوجور” اللبنانية تصويت البرلمان العراقي على إنهاء الوجود الأجنبي في العراق في الشهر نفسه (يناير) انتصارًا سياسيًا واستراتيجيًا لطهران، هذا إلى جانب ما أقدمت عليه طهران من تخفيض التزاماتها النووية والاستمرار في برنامجها النووي حسب احتياجاتها التقنية، وإعلانها زيادة قدرتها على تخصيب اليورانيوم.
ويرى جوليان بورغر، محرر الشؤون الدولية في صحيفة “الجارديان“، أن اغتيال زاده لن يكون له تأثير كبير على البرنامج النووي الإيراني الذي ساعد العالم الراحل في بنائه، لكنه بالتأكيد سيجعل من الصعب إنقاذ الاتفاق النووي الذي يهدف إلى تقييد هذا البرنامج. ويضيف أنه يبدو حتى الآن أن الهدف الأقرب لاغتياله هو تقويض أي مساع لإحياء هذا الاتفاق.
ويضيف أنه وفقًا لمسؤولين سابقين، اتجهت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى إسرائيل لوقف تلك الاغتيالات في عام 2013، وبدأت محادثات مع طهران أدت بعد ذلك بعامين إلى الاتفاق النووي الإيراني، والذي قبلت طهران بموجبه القيود المفروضة على أنشطتها النووية في مقابل تخفيف العقوبات.
ويقول الكاتب إنه يمكن التكهن بأن الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، سيعارض أيضًا مثل هذه الاغتيالات عندما يتولى منصبه في 20 يناير، ويحاول إحياء البرنامج النووي الإيراني، الذي تضرر بشدة أعقاب انسحاب دونالد ترامب في عام 2018.
اقرأ أيضًا: بين “بايدن وترامب”.. العلاقات الإيرانية الأمريكية فرقتها السياسة وعززها الاقتصاد
ويشير الكاتب إلى أنه إذا كان الموساد وراء الاغتيال بالفعل، فذلك يعني أن إسرائيل أرادت الانتفاع من الفرصة الزمنية السانحة الضيقة للغاية لتنفيذ العملية بموافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل تولي بايدن.
ويضيف أنه يبدو أن هناك القليل من الشك في أن ترامب أعطى الضوء الأخضر للعملية، أو ربما أمر أجهزته الاستخباراتية بتقديم المساعدة النشطة الفعلية في عملية الاغتيال.
وهي رؤية تتفق معها المحللة السياسية دينا اسفندياري، التي قالت وفق “الجارديان”: “أعتقد أنه كان عليهم الحصول على الضوء الأخضر من واشنطن. وفيما يتعلق بالدوافع، أعتقد أنه مجرد دفع إيران للقيام بشيء غبي لضمان تقييد أيدي إدارة بايدن عندما تسعى إلى متابعة المفاوضات ووقف التصعيد”.
وهذا يراه أيضًا المحلل السياسي، إيلي جيرانمايه، الذي قال إن “الهدف من قتله لم يكن إعاقة البرنامج النووي ولكن تقويض الدبلوماسية”، التي يسعى لها بايدن، والذي لم يصدر عنه أي تعليق بعد حول اغتيال العالم الإيراني.