كشف التقرير النقاب عن قضية الانتهاكات الجسدية بحق المرأة في قطر، وما تتعرض له عاملات البيوت داخل المنازل القطرية الخاصة، مسلطة الضوء على الانتهاك الجسدي بحق سيدات أستراليات، خضعت ضمن أخريات من بريطانيا ونيوزيلندا، لفحص من أجل الحصول على أدلة على أنهن أنجبن مؤخرًا.

الرضيع المجهول

وقعت الحادثة عند عثور السلطات القطرية في الثاني من أكتوبر الماضي بمطار الدوحة على رضيعة في سلة مهملات بمطار العاصمة، وما تبع ذلك من آلية تحقيق اتبعتها السلطات القطرية، لكنها خالفت بها الأعراف والمواثيق الدولية، ما قوبل بالشجب والتنديد الدولي.

وبينما كانت هناك مجموعة من المسافرات من عدد من الدول العربية والأوروبية المختلفة على متن حوالي 10 رحلات جوية في مطار حمد الدولي، فوجئت الضحايا وبينهن 13 سيدة أسترالية، بعدد من الرجال لا يتحدثون الإنجليزية، يجبرونهن على النزول من الطائرة في الحال؛ لأن السلطات وجدت طفلة رضيعة في إحدى سلات المهملات في المطار.

أرغمت مجموعة النساء الضحايا على مغادرة الطائرة التي كانت على وشك الإقلاع، وجرى إيداعهن في مكان غامض لم يعلمن ماهيته، وفقًا لما روته بعضهن في التحقيق الذي أجرته القناة الأسترالية.

وقالت إحداهن أنها سمعت صوت رجل يطالبهن بضرورة التوجه منفردات بجوازات سفرهن إلى نقطة ما، حيث تمت تعريتهن وفحصهن بصورة “مشينة ومهينة، فيما يشبه الكابوس”.

وتعرف المادة الثانية من إعلان الأمم المتحدة الصادر في ديسمبر 1993 مفهوم العنف ضد المرأة، بأنه يشمل العنف المدني والجنسي والنفسي الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه، أينما وقع، بينما يشير الإعلان إلى في مادته الرابعة إلى أنه ينبغي للدول أن تدين العنف ضد المرأة وألاّ تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية بالتنصل من التزامها بالقضاء به، وينبغي لها أن تتبع، بكل الوسائل الممكنة ودون تأخير، سياسة تستهدف القضاء على العنف ضد المرأة.

اقرأ أيضا

حتى في الدول “المتقدمة”.. مؤشرات العنف ضد المرأة لأعلى

الزوج المتهم الأول.. “كورونا” يُفاقم العنف ضد المرأة في المغرب

العنف ضد المرأة | الكلفة الاقتصادية للضحايا

ضغط دولي واعتذار وتحقيق قطري

 

من جانبها، وصفت وزارة الخارجية الاسترالية ما حدث للمواطنات الأستراليات في مطار الدوحة بأنه “أمر مهين بشكل لا يصدق ولم يحدث من قبل في دول العالم المتحضرة”، وطالبت الخارجية قطر بضرورة تقديم تقرير مُفصل عن تلك الحادثة وتقديمه للشرطة الأسترالية، ما دفع الجانب القطري إلى الاعتراف بالواقعة، والتعهد بالتحقيق فيها.

كما قدم دبلوماسيون بريطانيون شكوى رسمية ضد قطر والخطوط الجوية القطرية، مقدمين دعمًا لمسافرتين بريطانيتين كانتا ضمن ضحايا واقعة المطار.

وهو ما ردت عليه الحكومة القطرية بتقديم اعتذار رسمي، في وقت أكد مكتب الاتصال الحكومي القطري، أن التحقيقات الأولية في الحادثة والإجراءات التي اتبعتها السلطات المعنية في المطار من بحث وتفتيش لعدد من المسافرات، تجاوزت الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات.

وكشفت النيابة العامة القطرية أن بعض الموظفين تجاوزوا في الإجراءات اعتقادًا منهم بصحتها، فاستدعوا الكادر النسائي الطبي العاملات بالمطار ليقمن وحدهن وفقًا للإجراءات الطبية بإجراء الفحص الظاهري لأولئك المسافرات في مكان خصص لذلك لضبط الأم الفاعلة من بينهن، وفق بيان للنيابة.

وأضاف البيان: “التحقيقات كشفت أن والدة الطفلة، هي من جنسية إحدى الدول الآسيوية، ارتبطت بعلاقة مع شخص آخر من جنسية إحدى الدول الآسيوية كذلك، ونجم عن هذه العلاقة الطفلة المعثور عليها، فبادرت الأم أثناء مغادرتها البلاد بإلقاء الطفلة حديثة الولادة في سلة المهملات داخل إحدى دورات المياه بصالة المغادرة بالمطار، واستقلت الطائرة إلى وجهتها”.

وتجرَّم قطر ودول الخليج العلاقات الجنسية خارج الزواج، وقد ينتهي الأمر بالمرأة الحامل غير المتزوجة إلى الاعتقال والمحاكمة، حتى لو كان الحمل نتيجة الاغتصاب.

كما تُلزم المستشفيات بإبلاغ السلطات عن النساء الحوامل خارج الزواج، ويُجرم الإجهاض أيضًا مع استثناءات محدودة، تشمل وجوب حصول المرأة على موافقة زوجها، وتتأثر النساء الوافدات ذوات الأجور المنخفضة، وعددهم يصل إلى أكثر من 100 ألف عاملة منزلية وافدة في قطر، بشكل غير متناسب بهذه السياسات.

أزمة كأس العالم 2022

في 2018، أفادت منظمة العفو الدولية بأن عشرات من العمال الأجانب الذين يعملون في المدينة التي تستضيف نهائي بطولة كأس العالم 2022 في قطر لم يتقاضوا أجورهم منذ شهور.

وتبين من تحقيق أجرته المنظمة الدولية أن أحد متعهدي البناء في مدينة لوسيل “دمّر حياة بعض العمال” حيث لم يدفع لهم أجورهم بسبب “مشاكل في السيولة النقدية”.

ومن جانبها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء التمييز العنصري ضد العمال في منشآت قطر، في تقرير قدمته إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ما دفع قطر إلى اعتماد تغييرات أساسيّة في سوق العمل فيها.

وألغت الدولة الخليجية الشرط المفروض على العمّال الوافدين بالاستحصال على إذن من صاحب العمل في حال أرادوا تغيير جهة عملهم.

كما أصبحت الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تعتمد حدًّا أدنى للأجور غير تمييزي. وهو ما رحبت به منظمة العمل الدولية، ووصفته بـ”الخطوة التاريخية”.

العاملون بالمنازل القطرية

في عام 2017 أصدرت قطر قانونًا خاصًا بالعاملين في المنازل القطرية، ينص على تحديد الراحات الأسبوعية، وتحديد عدد ساعات العمل والإجازات المدفوعة وغير ذلك، في لفتة منها باهتمامها بالنساء العاملات في المنازل.

إلا أن منظمة العفو الدولية في أكتوبر الماضي وبعد مرور ثلاث سنوات على إصدار  هذا القانون قد التقت بحوالي 105 سيدة ممن عملن في البيوت القطرية.

اقرأ أيضًا: انتهاكات أجور العمال في قطر.. عبودية حديثة على جناح “المونديال”

وسجلت منظمة “العفو الدولية” لقاءات مع جميع السيدات وكشفت أن 90 سيدة من أصل 105 أجبرت على العمل لمدة 19 ساعة متواصلة بدون راحة، فيما عمل بعضهن دون أن يحصلن على رواتبهن لعدة أشهر متتالية.

ولا توجد أرقام رسمية حقيقية يمكن الاعتماد عليها حول أعداد العاملات الاجنبيات في قطر، ولكن تشير التقديرات إلى أن العمال الأجانب في قطر يشكلون نحو 94% من إجمالي القوة العاملة في الداخل القطري.

وحسب دراسة بتمويل من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، فإن “56% من العمال الأجانب ليس لديهم بطاقة صحية، ويجرى احتجاز جوازات سفر ما يقرب من 90% منهم، حسب نظام الكفيل، المعمول به في معظم الدول الخليجية”، وتعمل نحو 178 ألف سيدة كخادمات منازل في قطر، في حين يعمل نصفهن في منازل خاصة.

وعرضت منظمة العفو الدولية حالات لأكثر من 40 سيدة عملن في منازل قطرية، قد تعرضن للعنف الجسدي، وأشكال مختلف من الانتهاكات “البصق والإهانة اللفظية والاغتصاب أو التحرش الجنسي”.

إحدى السيدات وصفت ما حدث معها خلال عملها خادمة لدى إحدى العائلات القطرية بالدوحة بأنه غير آدمي، إذ كانت تُعامل في أحد البيوت القطرية بشكل يعود بالذاكرة إلى حقبة الأسياد والعبيد قائلة: “كنت أعامل معاملة الكلبة وليس الإنسانة!”.

في أكتوبر عام 2019، خرجت تقارير رسمية من دولة قطر تؤكد على أن نسبة الفتيات اللاتي وصلن إلى التعليم العالي والدراسة في المعاهد والجامعات في داخل الدولة وصلت إلى حوالي 67%.

وأشارت البيانات الرسمية إلى أن السيدات القطريات انخرطن في سوق العمل وأصبحن يشغلن نسبة 52% من سوق العمل القطري، فيما أعلنت قطر أن نسبة تمثيل المرأة في مناصب صناعة القرار قد تخطت حاجز الـ 30%.

فتاة عشرينية تكشف وضع حقوق المرأة بقطر

نوف المعاضيد فتاة عشرينية قطرية خرجت عن صمتها بعد نجاحها في الحصول على طلب اللجوء إلى بريطانيا بعد هروبها من الدوحة لتفضح العوار الذي يطال القوانين القطرية بشأن حقوق المرأة ومناهضة العنف الذي يُمارس عليها داخل الدولة.

وكشفت الفتاة العشرينية، في مطلع ديسمبر من عام 2019، عبر مقطع فيديو جرى تداوله بالسوشيال ميديا، الكثير من أوجه انتهاك حقوق المرأة القطرية، وأوضحت أن القوانين التي تخضع لها المرأة القطرية بأنها تعود “للعصر الحجري”، لافتة إلى أن القوانين في قطر تُلزم المرأة بإحضار إذن من ولي أمرها قبل استخراج رخصة القيادة.

كما أنه لا يمكن لسيدة أن تتولى منصب في الدولة، وفقا للقانون القطري، إلى بعد الحصول على إذن مكتوب من وليها.

 

تطرقت “نوف” أيضًا إلى أوجه القصور المتعددة التي تطال قوانين حماية المرأة في قطر، حيث لا يمكن لسيدة تعرضت للعنف أو الضرب أن ترفع دعوى ضد من فعل بها ذلك لأن القانون لا يضمن لها الحصول على حقها كاملًا.

التمييز يطال بنات كبار رجال الدولة

ولم تكن نوف المعاضيد وحدها من لجأت لهذه الحيلة للتخلص من وطأة الحياة في وطنها، فقد لحقت بها بعد ذلك “عائشة القحطاني” في نهاية ديسمبر الماضي، ولكن هذه الفتاة لها وضعها الخاص، حيث أنها الابنة الصغرى لأحد المسؤولين البارزين في الجيش القطري.

والتزمت عائشة الصمت منذ فرارها إلى مدينة لندن البريطانية منذ عدة أشهر ولم تظهر على أي من مواقع التواصل الاجتماعية، حتى مارس الماضي من هذا العام، حينما نشرت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية تفاصيل أكثر حول هذه السيدة التي تنتمي للعائلة الثرية القطرية.

وتسرد عائشة تفاصيل ملاحقتها من قبل أفراد عائلتها ورغبة السلطات القطرية في اختطافها وما تركت خلفها من محاولات للتخلص منها، معلنةً عزمها شن حملات لتفضح انتهاكات النظام القطري لحقوق المرأة وكشف القناع عن الصورة اللامعة الكاذبة التي يروجها النظام القطري لنفسه أمام المجتمع الدولي.