تراهن وزارة المالية على الفاتورة الإلكترونية في إخراج الاقتصاد غير الرسمي من الجحر، مع التدرج في تطبيق منظومة تجعل جميع بيانات أي بضاعة يتم بيعها تظهر على قاعدة بيانات مصلحة الضرائب لحظة إتمامها.
ولجأت الوزارة للفاتورة الإلكترونية بعدما كشفت التجارب التي خاضتها على مدار العامين الماليين الماضيين، أن الميكنة سلاح فعال في إجبار القطاع غير الرسمي على الظهور، بعد إنهاء الوزارة التعامل بالشيكات الورقية في تسوية تعاملات الحكومة مع كل الجهات واستبدالها بأوامر الدفع الإلكتروني في ديسمبر من العام الماضي.
بلغ عدد الشركات المدمجة في القطاع الرسمي خلال العامين الماضيين، 437.8 شركة من أصل أربعة ملايين تعمل في الظل
ووفقًا لآخر تقارير وزارة المالية، بلغ عدد الشركات المدمجة في القطاع الرسمي، خلال العامين الماضيي، 437.8 ألف شركة، من أصل أربعة ملايين منشأة تعمل في الظل، بحسب جهاز تنمية التجارة الداخلية التابعة لوزارة التموين.
هذا وتعتبر الفاتورة الإلكترونية نسخة رقمية من الفاتورة الورقية التقليدية، ويتم إنشاؤها وإرسالها وتلقيها بواسطة برنامج إلكتروني، بحيث يظهر في برامج مصلحة الضرائب الفاتورة وتفاصيلها لحظة صدورها من المحل التجاري.
متابعة لحظية عبر الفاتورة الإلكترونية
تمكن الفاتورة الإلكترونية مصلحة الضرائب أيضًا من متابعة جميع التعاملات التجارية بين الشركات بعضها البعض، أو تبادل بيانات الفواتير لحظيًا بصيغة رقمية، والتحقق من صحة بيانات مصدرها ومتلقيها ومحتوياتها شكليًا، وبالتالي ستظهر أسماء الشركات غير المسجلة حين إتمامها أي معاملة مع أي شركة رسمية خاصة مع إلغاء الفواتير الورقية نهائيًا.
ويقول رضا عبدالقادر، رئيس مصلحة الضرائب، في بيان، إن الفاتورة أو الإيصال، يجب أن تتضمن بيانات مثل: رقم مسلسل الفاتورة أو الإيصال ، تاريخ الإصدار، اسم الممول أو المكلف وعنوانه ورقم تسجيله، اسم المشترى وعنوانه ورقم تسجيله، إن وجد ، وبيان السلعة المباعة أو الخدمة المؤداة وقيمتها وفئة الضريبة على القيمة المضافة أو ضريبة الجدول المقررة وقيمتها مع بيان إجمالي قيمة الفاتورة أو الإيصال.
ووفقًا لآخر إحصاء لاتحاد الصناعات المصرية، يقدر حجم الاقتصاد الموازي بنحو تريليوني جنيه، بقيمة ضرائب تضيع على الدولة سنويًا تتراوح بين 330 و550 مليار جنيه.
وبينما يؤكد صندوق النقد العربي أن نسبته تناهز 23.3% من الناتج المحلي الإجمالي، يقول البنك الدولي إنها تعادل 35% من حجم الناتج المحلي، بينما ترفع بعض الدراسات الأكاديمية الرقم إلى 60% من حجم الناتج المحلي، وتُصرّف منتجاته في 1200 سوق غير رسمية.
اقرأ أيضًا: نزيف كورونا.. يفتك باقتصاد “قلب العالم” الهزيل
ويتضمن الاقتصاد الموازي جميع الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها الأفراد أو الشركات دون إحصائها رسميًا، ولا يدخل ناتجها في حسابات الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعلها لا تدخل في الحصيلة الضريبية، ولا يخضع العاملين فيها لأي حقوق أو ضمانات اجتماعية.
هذا وبدأ التشغيل التجريبي لمنظومة الفاتورة الإلكترونية، في 30 يونيو الماضي، على عينة مختارة من ست شركات من مركز كبار الممولين، قبل أن يتم تطبيقها بصورة إلزامية على 134 ممولًا من المركز ذاته في 15 نوفمبر، ويجري الاستعداد لتطبيقها على 350 ممولاً بمنتصف فبراير القادم الذي يشهد تطبيقها بصورة جماعية.
سلسلة عقوبات
من جانبه، قال وزير المالية، محمد معيط، في مؤتمر صحفي، إن الوزارة وضعت سلسلة من العقوبات على الشركات التي لا تلتزم بتطبيق الفاتورة الإلكترونية، وفقًا للقانون، والذي يجعل للوزارة الحق في إحالة الملف بالكامل للنيابة، وذلك “للحفاظ على حقوق الدولة”، كما قال.
وكانت الدولة قدمت سلسلة من الإعفاءات الضريبية والحوافز، بينها مَنح المشروعات الصغيرة إعفاء لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، والتغاضي عن سنوات النشاط التي تسبقها حتى لو كانت 20 عامًا، إضافة إلى تسهيل إجراءات رسوم التسجيل، وتقديم تسهيلات بنكية في حالة انضمام النشاط إلى القطاع الرسمي، بمعاملته معاملة المشروعات متناهية الصغر وبفائدة متناقصة.
من جهتهم، أبدى التجار تأييدهم للفاتورة الإلكترونية، غير أنهم طالبوا الحكومة بتأجيل تطبيقها حتى انتهاء تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الرسمي، لما تحتاجه من وقت لاستيعابها وتلافي أي مشكلات قد تنجم عنها، وفقًا للتجار.
وفي حديث إلى “مصر360″، قال متى بشاي، نائب رئيس شعبة الأدوات الصحية بالغرفة التجارية، إن تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية “يحتاج إلى توفير شبكة إنترنت قوية، وتدريب العاملين عليها، خاصة أن كثير من المحال التجارية ليس لديها محاسبين من الأساس، ويقوم صاحب المحل بتسوية الأمور بنفسه”.
هل تزيد الفاتورة الإلكترونية معدلات البطالة؟
ويخشى البعض أن تؤدي جهود حصر الاقتصاد غير الرسمي، في تزايد معدلات البطالة واستغناء أصحابها عن قدر من العمالة مع تزايد التكاليف.
ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، يوجد أكثر من ستة عمال من بين كل عشرة وأربعة شركات من بين كل خمسة، تدخل ضمن الاقتصاد غير الرسمي على مستوى العالم. ولم تتراجع تلك النوعية من الاقتصاد، بل تتزايد لارتباطها في المقام الأول بارتفاع معدلات الفقر والعجز الشديد في العمل اللائق.
اقرأ أيضًا: الناتج المحلي.. “المؤشر المضلل” يحكم الاقتصاد العالمي
صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، يرى أن جهود الميكنة في التعاطي مع الاقتصاد غير الرسمي، قد تتسبب في تضييق الخناق على بعض التجار وأصحاب الورش. ويوضح فهمي أن إلغاء التعامل النقدي سيجعل حصول أصحاب الورش والمصانع غير الرسمية على المادة الخام أو وضع أموالهم في حسابات بنكية أمرًا مستحيلًا.
تستهدف وزارة المالية زيادة نسبة الضرائب للناتج المحلي بـ2.5% خلال خمس سنوات من 14% إلى 16.5% بنمو سنوي 0.5% من الناتج المحلي
بالتزامن مع الفاتورة الإلكترونية وضعت الوزارة، في يونيو الماضي، خطة لتطبيق الإيصال الإلكتروني، والذي سيُفرض جبرًا على شركات التجزئة التي تتعامل مع المستهلكين مباشرة، ما يجعل الاقتصاد غير الرسمي محاصرًا فحتى تعاملاته مع الجمهور أيضًا ستُرصد.
ووفقًا للبيان المالي لوزارة المالية للعام المالي الحالي، والذي أقره مجلس النواب؛ تستهدف الوزارة زيادة نسبة الضرائب للناتج المحلي بـ2.5% خلال خمس سنوات من 14% إلى 16.5% بنمو سنوي 0.5% من الناتج المحلي، مع الحفاظ على استقرار السياسات الضريبية.
وتُساعد الميكنة، وزارة المالية، على وضح منظومة لتحليل المخاطر، يمكنها أيضًا تعقب حالات التهرب الضريبي وتقسيمه إلى مرتفع ومتوسط ومنخفض، لتبدأ الوزارة في تتبعها، واتخاذ الإجراءات اللازمة.
وبحسب أستاذ الاقتصاد صلاح فهمي، تعمل الحكومة على إنشاء قاعدة بيانات قومية شاملة، تحدد عنوان المواطن ومصادر دخله وسلوكه الإنتاجي والاستهلاكي، وحال وجود مصادر لا تتناسب مع الدخل، يبدأ التعامل معها، ما يسهل أيضًا من معرفة أصحاب النشاطات العاملة في الظل.