كتب: أحمد عويس
تعد الساحرة المستديرة اللعبةُ الشعبيّة الأولى في أرجاء العالم، ورغم أن الرياضة في جوهرها تهذب النفس، إلا أن احتدام التنافس لدرجة التعصب الكروي وحسابات المكسب أو الخسارة وضياع الألقاب والبطولات، يُظهر أسوأ ما في جماهير الكرة ولاعبيها على حد سواء، كما حدث على خلفية مواجهة الأهلي والزمالك الأخيرة.
ما جرى قبل أيام قليلة بعد المواجهة القارية بدوري أبطال أفريقيا بين الأهلي والزمالك نموذج لأسوأ ما في التعصب الكروي، فبخلاف المشاحنات المعتادة التي تطفو على السطح سواء الافتراضي أو الواقعي، من خلال سجالات المواصلات أو مناكفات مواقع التواصل الاجتماعي، تطور الأمر ليصل إلى حد ساحات المحاكم والقضاء واتهامات التنمر والإساءة والعنصرية، وامتد إلى ذهاب بعض الجماهير إلى مقابر عائلة لاعب الزمالك شيكابالا وحمل نعش وهمي وقراءة الفاتحة على روحه.
ولا تكون هذه الوقائع دائمًا مصدرها الجماهير الثائرة، بل يشارك فيها لاعبون ونجوم عالميين اعتدوا على الجماهير بسبب “الاستفزازات”.
التعصب الكروي.. لاعب يقتل مشجعًا
تأتي واقعة في الدوري الكولومبي في مقدمة الوقائع المؤسفة التي شهدت اعتداء من أحد اللاعبين على الجماهير، للدرجة التي وصلت إلى قتل مشجع كروي.
أقدم على تلك الواقعة لاعب الوسط الكولومبي خافيير فلوريس، الذي قتل مشجعًا أثار غضبه. تعود تفاصيلها إلى أنه بعد خسارة فريقه، أتلتيكو جونيور، ضد وانس كالداس، في الدوري الكولومبي عام 2009، وأثناء قيادة فلوريس سيارته بالقرب من منزله، تعرف عليه عدد من الشبان وبدأوا في استفزازه بسبب خسارة فريقه.
اقرأ أيضًا: شيكابالا وجمهوري الأهلي | فصل جديد في ملف العنصرية
أوقف اللاعب سيارته وأخرج مسدسه وأطلق النار تجاه الشبان، فسقط أحدهم قتيلًا على الفور، بعد إصابته برصاصتين. وذكر الشهود حينها أن اللاعب فرّ هاربًا من مسرح الجريمة، تاركًا سيارته، ثم سلم نفسه للشرطة لاحقًا.
ركلة الكونج فو
يعد إيرك كانتوتا أحد أيقونات الكرة الفرنسية، ونجم مانشستر يونايتد الإنجليزي. وفي إحدى لقاءات فريقه، توجه كانتونا صوب مدرجات الجماهير، ووجهة ركلة كونج فو لصدر أحد المشجعين.
وبسبب تلك الواقعة، حكم على اللاعب إيرك كانتونا بالسجن 14 يومًا، وغرامة قدرها 30 ألف جنيه إسترليني.
طُرد قبل المباراة
لاعب كرة القدم الفرنسي، باتريس إيفرا، صار أول لاعب في تاريخ البطولات الأوروبية يتعرض للطرد قبل انطلاق المباراة، بسبب شجاره مع جمهور ناديه مارسيليا الفرنسي.
حدث ذلك في عام 2017، حيث اعتدى على أحد الجماهير بركله في وجهه، ما تسبب في طرده قبل بداية المباراة أمام فريق فيتوريا جيماريش بالدوري الأوربي.
لم يقف الأمر عند ذلك، بل تطور لقرار من نادي مارسيليا الفرنسي، فسخ تعاقده مع ظهيره الأيسر حينها، بسبب تلك الواقعة.
الإصبع الأوسط لدروجبا
اللاعب الدولي الإيفواري ونجم نادي تشيلسي الإنجليزي السابق، ديدييه دروجبا، كان بطل أحد أشهر الوقائع التي أدانها اتحاد الكرة الإنجليزي، حيث أشار بإصبعه لأحد جماهير نادي بيرنلي، بعد تسجيله هدف فريقه الوحيد، قبل أن يلقي عملة معدنية مباشرة في وجه جمهور الخصم.
وبسبب تلك الواقعة قرر الاتحاد معاقبة دروجبا بالإيقاف ثلاث مباريات. ولاحقًا اعتذر المهاجم الإيفواري عن سلوكه.
نيمار ملاكمًا
حين كان نيمار يتوج بالذهبية في أولمبياد ريو 2016، استفزه أحد الجماهير، فتوجه إليه اللاعب البرازيلي بلكمات أصابت وجه المشجع.
وفي واقعة أخرى عام 2019، اعتدى نجم كرة القدم البرازيلي، على أحد جماهير فريق رين باللكم في الوجه، بعد خسارة كأس فرنسا. حدث ذلك بعد أن وصفه مشجع رين باللاعب ذو المستوى السيء، ما أغضب نيمار.
مباراة تشعل حربًا
منحى آخر اتخذه التعصب الكروي، وصل حد الخسائر الفادحة في الأرواح، ففي عام 1969 اشتعلت حرب دامية، بين دولتي السلفادور وهندوراس، لمدة أربعة أيام، راح ضحيتها المئات، بسبب هدف في مباراة لكرة القدم.
تنافس الفريقان للتأهل لبطولة كأس العالم عام 1970 في المكسيك، ليفجر الهندوراسيين طاقة غضب ترجموها إلى أفعال شغب ضدّ كل ما يخصّ السلفادور، وذلك لأنّ مُنتخَبها تَفوّق على منتخب بلادهم، وأطاح به من التصفيات.
قُطعت العلاقات الدبلوماسيّة، وبدأت بين الدّولتين مواجهة عسكريّة راح ضحيّتها المئات من البشر، وأدت لتدمير منشآت، وتسبّبت بخسائر مليارية. وعرفت هذه الحرب بحرب الأربعة أيام أو حرب الـ100 ساعة
أحداث أم درمان
ترتبت تطورات مؤسفة في مدينة أم درمان بالسودان، عقب مبارة كرة القدم بين المنتخبين المصري والجزائري، تنافسا فيها للتاهل لبطولة كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا.
وبدأت المشاحنات داخل المستطيل الأخضر، بين جماهير المنتخبين، ووصلت إلىى تشابك بالأيدي وكر وفر بين مشجعي المنتخب المصري والجزائري في شوارع مدينة أم درمان. وهددت هذه الواقعة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والجزائر، واشتعلت حرب إعلامية في الفضائيات.
حزمة العنف
لا يقتصر العنف المترتب على منافسات كرة القدم، على العوامل الرياضية فقط، وإنما يتداخل معه أسباب أخرى سياسية ونزاعات عرقية وانتماءات دينية، تكون بمثابة المحرك للمشاحنات الدامية بين اللاعبين والمشجعين على حدٍ سواء
ويعد الموضوع ضاربًا في القدم، حتى أطلق عليه المتخصصون مصطلح نابع عن حالات شغب الملاعب في بريطانيا عرف بـ”المرض البريطاني “، بعدما كانت كرة القدم مناسبة يستغلها أبناء القرى والبلدات البريطانية، وينتظرون مبارياتها المحلية لتسوية حسابات النزاع على ملكية الأراضي فيما بينهم.
وفي عام 1890 ظهر مصطلح “مجموعات الهوليجانز” لوصف المشجعين والمتعصبين مثيري الشغب، والذي مر بثلاثة مراحل أساسية، بدأت باعتداءات متبادلة بين الأضلع الرئيسية في لعبة كرة القدم، والمشجعين واللاعبين والحكام، ثم تفاقمت في هيئة الاشتباكات بين مشجعي الفرق الرياضية داخل الملاعب، لتصل إلى المرحلة الثالثة الأكثر خطورة؛ وهي اشتباكات بين جماهير رياضية تتخذ الساحات والميادين العامة مسرحًا لمعارك طاحنة في ما بينها.
ويدفع البعض بوجود مؤثرات خارجية بخلاف الاتجاهات السياسية والعنصرية العرقية، تساهم في إشعال جذوة الخلافات الكروية، كالمخدرات على سبيل المثال، بعدما أظهر رصد للتعرف على تأثير المخدرات أثناء مشاهدة مباريات كرة القدم، أن 11% ممن أُجري عليهم الاستطلاع، وصفوا تأثيرها بالخطير، في حين وصفه 20% بالخطيرٌ للغاية.
يظهر جليًا الارتباط بين تدهور المستوى الاجتماعي وغياب متنفسات الرياضة والترفيه، مع الاتجاه التلقائي للعنف ومحاولات تفريغ الكبت بمدرجات الملاعب
وترتفع هذه النسبة لدى الجمهور المتعاطي للمخدرات عند إقامة مباريات خارجية تشارك فيها فرق أجنبية/ إلى 25% كنسبة تأثير مباشر يحرك العنف الرياضي.
هذا وبلغت الذروة في الصدامات بين الجماهير خلال مباريات الدوريات الأوروبية لكرة القدم عام 1985، وسريعًا ما انتشرت ظاهرة شغب الملاعب خارج بريطانيا لتحل لعنتها على هولندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ووصلت إلى آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
اقرأ أيضًا: ألغى الفوارق.. هل يجهز كورونا نظامًا كرويًا جديدًا للعالم؟
كما امتدت أصابع الاتهام لتشمل عوامل اقتصادية واجتماعية، فعلى الرغم من أن كرة القدم ليست الرياضة الجماعية الأكثر عنفًا، بالنظر إلى هوكي الجليد وكرة القدم الأمريكية، إلا أنها أكثر الرياضات ارتباطًا بمظاهر العنف والشغب، على خلفية الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها غالبية مشجعي اللعبة.
ويظهر جليًا الارتباط بين تدهور المستوى الاجتماعي، وغياب متنفسات الرياضة والترفيه للشباب، مع الاتجاه التلقائي للعنف ومحاولات تفريغ الكبت بمدرجات الملاعب، مع الوضع في الاعتبار الإحباط المتولد نتيجة شعور الهزيمة في المباراة، والذي قد ينسحب على الانهزام في شتى مناحي الحياة، ويغذى من أشكال الضرب والقتل والإيذاء البدني أو العنف اللفظي والإهانة أو استخدام النكات والتشبيهات الجنسية الفجة للسخرية.