45 كلم شرق مدينة الحسكة.. في هذه البقعة يقع مخيم الهول، أكبر المخيمات التابعة للإدارة الذاتية، هنا في هذه البقعة تحديدًا يكمن القلق، والفقر، والخوف من حواضن جديدة للإرهاب، أطفال الدواعش الفارين والموتى، ونسائهم، وبعض ممن فشلوا في العودة إلى بلادهم من جديد.

ما يقرب من 74 ألف نسمة بين لاجئ ونازح، بالإضافة إلى عوائل تنظيم داعش يتزاحمون في المكان الذي بات الأخطر والذي تخشى العديد من دول العالم أن يكون سببًا في عودة داعش من جديد.

هنا مخيم الهول..أوضاع غير إنسانية

يثير المخيم الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في محافظة الحسكة، عدة أزمات إنسانية وحقوقية وسياسية، على خلفية تواجد أكثر من 40 ألفاً من نساء داعش وأطفالهن به، بينما يشكل الأطفال أكثر من ثلثي هذا الرقم، وتبلغ نسبتهم نحو 66%، و”أغلبهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية”، لا سيما الذين ولدوا على أرض “دولة الخلافة” المزعومة بعد التحاق آبائهم بها، بحسب تقارير للأمم المتحدة.

منتصف أكتوبر الماضي، قال الناطق الرسمي بلسان الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن العاملين في المجال الإنساني “قلقون للغاية” بشأن محنة أكثر من 64 ألف شخص، يعيشون في مخيم الهول المضطرب، شمال شرق سوريا.

وفي سبتمبر العام الماضي، أفاد محققو حقوق الإنسان، التابعين لـ الأمم المتحدة، بأن الظروف في المخيم تبدو “مروعة” و”غير إنسانية”، كما طالبوا المجتمع الدولي بــ”اتخاذ إجراءات لحماية آلاف الأطفال من أن يصبحوا عديمي الجنسية، إذ إن الدول الأعضاء كانت على ما يبدو غير راغبة في إعادتهم إلى أوطانهم، خوفاً من روابطهم مع المتطرفين”.

وبحسب الناطق الرسمي بلسان الأمم المتحدة فإن”هناك حوالي 34 ألف طفل تحت سن الثانية عشرة في مخيم الهول، وأكثر من 120 من هؤلاء غير مصحوبين بذويهم أو منفصلون عن عائلاتهم، ويعيشون في مركز رعاية مؤقتة في المخيم”.

ولفت الخبراء الأمميون إلى أن مخيم الهول “يفتقر إلى الطعام الكافي، والمياه النظيفة، والرعاية الطبية الكفؤة، وكذا التعليم المناسب. كما لا يوجد مأوى مناسب، والأطفال معرضون للمضايقات والعنف والاستغلال. ويتم بشكل روتيني انتهاك حقوقهم الإنسانية الأساسية”.

تجاهل دولي ومخاوف من عودة داعش

من جانبه، قال نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية، في شمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد لـ “مصر 360”: “المخيم يحتوي على الآلاف من عوائل مرتزقة داعش، أكثر من 12 ألف شخص، ما بين نساء وأطفال (8 آلاف طفل)، من حوالي 50 دولة في العالم، بينهم عرب، وأوروبيون، وآخرين من روسيا، ودول الاتحاد السوفيتي السابق، وكذا دول آسيا”.

وأضاف جيا كرد: “يوجد أطفال يتامى داخل المخيم ممن فقدوا آباؤهم وأمهاتهم إبان الحرب على داعش، وتحاول الإدارة الذاتية القيام بواجباتها، ولكن هناك صعوبات بليغة تتمثل في حجم الإمكانات المطلوبة، كما أن هناك تقصير واضح في أداء المجتمع الدولي، حيث يوجد قسم خاص في منطقة الإدارة الذاتية لتأهيل الأطفال الذين تدربوا مع داعش على حمل السلاح، ممن يتم تسميتهم بأشبال الخلافة أو أطفال داعش. وتتمثل تلك الجهود في تخليصهم من تلك الأفكار والذهنية المتطرفة”. 

وفي ما يخص الملاحظات التي تتابعها الإدارة الذاتية، بخصوص تأثر الأطفال بأفكار التنظيم الإرهابي من خلال أمهاتهم، مثلاً، أو ظهور ثمة سلوكيات تشير إلى أفعال عدوانية، وكذا ترديد عبارات طائفية وراديكالية معينة، يجيب نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية: “مازالت الحياة السائدة بين النساء الداعشيات في المخيم، هي نفسها الحياة التي عاشوها في دولتهم الإسلامية المزعومة، حيث يقمن بدورات تدريب شرعية للنساء والأطفال، وتعليمهم الشريعة والقرآن، بحسب مقررات التنظيم الإرهابي، وتفسيراته الخاصة، وكذلك تلقينهم الدروس على الاستمرار في الجهاد، وزرع العنف والانتقام في نفوسهم، وتكريس الكراهية ضد كل من لايفكر مثلهم”. 

أفكار داعش ما تزال حاضرة بقوة

ويلفت إلى أن نساء داعش يتعمدن تكفير القوات الأمنية العاملة في المخيم، وكذلك الموظفين المدنيين المنخرطين في العمل الإنساني والإغاثي. كما أنه داخل المخيم حدثت وقائع مثيرة، مثل “الإعدامات الميدانية بحق النساء اللواتي يخضن في نقد ممارسات نساء داعش داخل المخيم، الأمر الذي تكرر في حالات متفاوتة، إذ ينفذن ما يعرف بـ”نظام الحسبة”، وبالتالي، تفرض عقوبات محددة على كل من يخالف أوامرهن، ويتم فرض الزواج، على الأطفال البالغين، حسب قوانين التنظيم الإرهابي، بهدف زيادة النسل والعودة لدولة الخلافة، بحسب المزاعم المترددة”. 

ويشير نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية، في شمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد،  إلى عدم وجود ذلك التعاون الكبير من المجتمع الدولي، فـ”هناك من يتواصل معنا بهدف نقل بعض الأطفال اليتامى، والذين هم دون العشر سنوات، ونحن، بدورنا، نتعاون معهم بحكم أن هؤلاء الأطفال حالات إنسانية، وندعم جهود كل من يساهم في تربيتهم، ودمجهم في مجتمعاتهم الأصلية، بهدف التخلص من التطرف والتشدد الديني”.

وأما بالنسبة لعملية فصل أي طفل عن أمه، يقول جيا كرد: “لا يتم ذلك إلا في حالات محدودة، وبناء على موافقة خطية من أم الطفل، حتى يكون ذلك متوافقًا مع القوانين والأعراف الدولية، ومنعاً لأي عملية إبتزاز أو عنف”.

اقرأ أيضا:

أطفال سوريا.. خطف واغتصاب وتجارة أعضاء

لا خطط مستقبلية

وبشكل عام، لا توجد خطط من قبل الدول التي تنتسب إليها عوائل داعش، لإعادة مواطنيهم واستقبالهم، أو القيام بعمليات تأهيل بغرض دمجهم في مجتمعاتهم المحلية، بحسب المصدر المطلع على الملف الخاص بأطفال داعش في مخيم الهول.

ويضيف: “لكن للإدارة الذاتية مشروع طرحته على جميع الدول، يتضمن التأهيل والإصلاح للنساء، والتعليم للأطفال، والعمل على تدشين مراكز خاصة للأطفال والبالغين، الذين تتراوح أعمارهم بين ١٣ و١٦ عامًا، بغية إبعادهم عن عمليات العنف، وصور القتال التي شاهدوا تفاصيلها، وحتى يتم التخلص من فكرة أنهم عناصر مهددة للأمن الاجتماعي والسياسي، المحلي والإقليمي والعالمي”. 

أجيال جديدة من المتطرفين

من جانبه، يوضح الصحافي السوري الكردي، باز علي بكاري، أن أطفال داعش هم بمثابة الجيل الجديد المحتمل للمتطرفين، غير أن الجميع يتعامل مع المخيم، الواقع في شرق سوريا، بصورة انتهازية، وبطريقة المقايضة، لتحقيق رهانات سياسية محدودة؛ فهو ورقة ضغط بيد عدة أطراف، في حين هناك “عناصر مهددة للأمن الإقليمي والعالمي توشك على الانفجار”.

ويضيف بكاري في تصريحاته لـ”مصر 360″: “تبرز قضية أطفال داعش أكثر من قضية؛ فهؤلاء بلا جنسية، وبلا أي أوراق ثبوتية، كما أن بعضهم منتسب لأكثر من أب، وذلك بسبب تعدد زوجات الأم بعد فقدان الزوج في معارك التنظيم الإرهابي، وبالتالي، فإن هؤلاء الأطفال وبغض النظر عن ظروفهم الخاصة، فإن أوضاعهم غير الإنسانية تجعلهم عناصر مرشحة لاكتساب كل قيم العنف”.

يتفق والرأي ذاته، الصحافي الكردي نورهات حسن، والذي زار ميدانيًا مخيم الهول، ولاحظ تعامل الأطفال مع الوافدين، حيث تتسم سلوكياتهم بالعنف، عر الاعتداءات المباشرة بدنيًا أو لفظيًا، بحجة عدم الالتزام بالزي الشرعي.

ويضيف حسن لـ”مصر 360″: “تحدث جرائم داخل مخيم الهول؛ فمازال نساء داعش يجبرن غيرهن على الإلتزام بقيم وسلوكيات التنظيم، ويفرضن على الجميع الطاعة للشروط العقائدية الخاصة به، وهو الأمر الذي يترتب عليه قتل وتعذيب من يخالف ذلك، فهناك حالات موثقة من جانب الإدارة الذاتية لقطع رؤوس، حيث إن هناك أفراد أو لجان سرية تعرف بـ”جهاز الحسبة”، يستهدف تنفيذ ما يصنف لديهم بـ”العقوبات الشرعية”، وذلك تحت وطأة ضعف الجهاز الأمني في الإدارة الذاتية عن إحكام سيطرته كاملة والذي يتعرض أفراده أنفسهم للاعتداءات أحياناً”.

الهول .. مدرسة إرهاب خطيرة

بحسب الخارجية الألمانية، في يوليو الماضي، فإن مخيم الهول الذي يأوي عوائل أعضاء تنظيم داعش الإرهابي، قد تحول إلى “مدرسة إرهاب خطيرة”، قالت في تقرير لها: “إن مستوى التطرف لدى الأطفال والمراهقين في المخيم مرتفع جداً، وقد لوحظ ازدياد نوبات العنف الجسدي واللفظي لدى هذه الفئة”.

ورغم صدور قرار من محكمة ألمانية تجبر الحكومة الألمانية على استعادة نساء “داعش” وأطفالهن، فإن برلين تتجنب تطبيق ذلك، وذلك بحجة عدم وجود قنصليات ألمانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد، مما يعني أنه يتعذر على برلين تقديم الدعم لهؤلاء النساء. وبحسب القانون الألماني، فإن جميع المواطنين الألمان لهم الحق في العودة؛ من ضمنهم المشتبه بانتمائهم إلى “داعش”؛ إذ يعمل المدعي العام الألماني على جمع أدلة بحق الألمان المتبقين في مخيمات الأكراد، بهدف اعتقالهم لدى عودتهم.