بعيدًا عما شاب انتخابات البرلمان المصري من أمور أخلت بشكل أو بآخر بمعنى حقيقة الانتخابات والتداول الديمقراطي، والتمثيل النيابي بشكل كبير، كان أغلبها يصب في خانة استخدام المال السياسي، أو استخدام لغة التقرب من السلطة، من خلال حزب مستقبل وطن، وهو من الأمور التي كانت ملحوظة بشكل كبير، في مجريات العملية الانتخابية منذ لحظة فتح باب الترشيح، وحتى إعلان نتيجتها بفوز حزب مستقبل وطن بأغلبية المقاعد، سواء على المستوى الفردي، أو من خلال القائمة الموحدة التي خاض بها الانتخابات.

فمن هنا، كان من الأوجب علينا أن نتطرق إلى هذه النظام الانتخابي الذي أُجريت في ظله هذه الانتخابات النيابية المختلطة، ما بين النظام الفردي ونظام القائمة المغلقة،  وقد صدر القانون رقم 140 لسنة 2020 ، بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014، وقانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014 ، وقانون الهيئة الوطنية للانتخابات رقم 198 لسنة 2017 ، مقسمًا جمهورية مصر العربية إلى أربعة دوائر انتخابية كبرى، كل منها يضم مجموعة من المحافظات، توزع بينها عدد الأعضاء على حسب الكثافة السكنية، على أن يُعلن نتيجة فوز القائمة كاملة، ويمثل عدد أعضاء الدوائر دائرتين لكل منهما مائة مرشح، ودائرتين لكل منهما 42 مرشحًا. وبنجاح قائمة واحدة من الفئة الأولى، يضمن الحزب إلى حد كبير أغلبية التمثيل النيابي.

ولأول مرة تكون هناك سابقة على المستوى السياسي، أن يتم استقطاب مجموعة من الأحزاب المعارضة لتنضم بداخل قائمة دعم مصر تحت قيادة حزب مستقبل وطن، وهو من الأحزاب حديثة العهد في الساحة السياسية المصرية. وقد شملت قائمته الانتخابية أطيافًا من هذه الأحزاب، وإن كانت الغلبة في التشكيل النهائي لمرشحي حزب مستقبل وطن.

اقرأ أيضًا: البرلمان في 5 سنوات.. غابت الرقابة وانتصر التشريع

وبإلقاء الضوء على هذا النظام الانتخابي (القائمة المغلقة)، نجد أنه لا يتناسب مع قاعدة الناخبين المصريين لأسباب عدة، منها أنه يجبر الناخب على اختيار قائمة بأكملها، دون أن يتعرف على معظم ممثليها، فليس له حق في اختيار البعض دون الآخر، وليس له الحق في تعديل أي تغيير ولو ترتيبي بين ممثلي القائمة.

وهذا النظام يعتمد على دعم الأحزاب، وقدرتها الجماهيرية، ونحن نعلم في مصر حال الأحزاب السياسية، ومدى قدرتها على التأثير الجماهيري، كما أنه يتطلب وعي سياسي أعلى قدرة من الناخبين عن النظام الفردي أو نظام القائمة النسبية.

وقد بات هذا النظم المغلق من النظم السياسية المهجورة، حيث اتجهت معظم الدول الأخذة بهذا النهج إلى طريقة القائمة النسبية، وهي تضمن بعض التحرر من قيود القائمة المغلقة.

لكن أهم ما يعيب هذا النظام في الانتخابات النيابية المصرية الأخيرة، أنها اشتملت على قطاعات جغرافية كبيرة، فعلى سبيل المثال تمت المرحلة الأولى من الانتخابات، وتمثل القائمة فيها دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد: 100 مقعد تضم 11 محافظة ومقرها مديرية أمن الجيزة ومكوناتها: محافظة الجيزة 23 مقعدًا، ومحافظة الفيوم 9 مقاعد، ومحافظة بني سويف 8 مقاعد ومحافظة المنيا 14 مقعدًا ومحافظة أسيوط 11 مقعدًا ومحافظة الوادي الجديد مقعدان، ومحافظة سوهاج 13 مقعدًا ومحافظة قنا 9 مقاعد ومحافظة الأقصر 4 مقاعد ومحافظة أسوان 4 مقاعد ومحافظة البحر الأحمر 3 مقاعد.

وإن كنت أرى أن قطاع مثل محافظة الجيزة، لا يسمح للناخب أن يتعرف على كل أفراد القائمة عن قرب، فما بال الحال في مثل هذه القائمة الواسعة، حتى ولو كان الناخب في محافظة الجيزة ينتخب على مقاعد محافظته فقط، فهي تشمل 23 عضوا برلمانيا.

وقد اعتاد الناخب المصري على الانتخابات الفردية بشكل رئيسي، وإن كانت بعض الفترات قد تم استخدام القوائم النسبية فيها، الأمر الذي كان يسهل على المواطن انتخاب من يعرفه، ولكن جعْل الأمر مغلق بهذا الشكل قد يمثل تعمية عن حالة الديمقراطية للمواطنين، بما يعني عدم قدرة الناخبين في تحديد مرشحيهم بشكل قاطع، لكونهم يختارون معهم من لا يعرفونهم ولا يعرفون عن ميلوهم السياسية وانحيازاتهم،  أو على الأقل مدى اهتمام هؤلاء بقضايا المواطنين في قطاعتهم. لكنه في المقابل يسهل على مرشحي القائمة حسم مقاعد دون أي عناء، اعتمادًا على قدرة كل مرشح على تغطية منطقته والتحكم في تصويتها.

اقرأ أيضًا: مساحة ممنوحة أم تضييق للخناق.. معارك حرية الإبداع مع البرلمان

وفي حديث للدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لموقع جريدة الوطن الإلكتروني، بتاريخ 19 فبراير 2020، اعتبر أن نظام الانتخاب عن طريق القائمة المغلقة، هو “أسواء النظم الانتخابية”، لكونه يسمح باستخدام المال السياسي، و يهدر مبدأ تكافؤ الفرص بين القوى والأحزاب السياسية، ولا يشجع الأحزاب على المشاركة، لأنه يمنح الفرصة لسيطرة تيار أو حزب واحد على المجلس المنتخب.

وبعد أن أجريت المرحلتين الأوليتين لانتخابات مجلس النواب المصري، أرى أن الأمور تسير نحو تمكين حزب مستقبل وطن من أغلبية ليست بسيطة من مقاعد البرلمان المصري وأن ما قد تشمله المعارضة الحقيقية لن يختلف عن المجلس السابق، فلم يكن هناك ما يزيد عن عشرة أعضاء كمعارضة حقيقية.

وحتى إن تعالت الأصوات بأن القائمة التي يقودها مستقبل وطن بها ممثلين لأحزاب معارضة، فهذه الأحزاب لم تزل ضعيفة، وإلا لم تكن وافقت على الاندماج مع حزب حكومي رسمي، كما أن تمثيلها في هذه القوائم أيضًا تمثيل بسيط، لا يعدو أن يكون محاولة لتجميل شكل الانتخابات أو شكل التحالف بأنه يضم معارضين، حتى تكون الصورة مقبولة أو يتم الترويج لها بأنها قوائم توافقية، قد توحي شكلًا بوجود ديمقراطية في الانتخابات.

وكأننا نعيد مشاهد مرت على ذاكرة المواطن المصري منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث كان الحزب الوطني المسيطر على فاعليات الانتخابات، وإن كان حينها ثمة بصيص من المعارضة الحقيقية، أو ما يوحي بأن هناك تمثيل نيابي، وكان هناك تواجد بشكل مقبول من المعارضين، وكان تواجدهم داخل البرلمان يوحي بشكل من أنواع المعارضة الحقيقية، حتى لو لم تكن نسبتها كافية بشكل مناسب.

وأرى أن مجلس النواب القادم لن يختلف عن المجلس السابق، الذي لم يُلحظ له دور نيابي حقيقي، متمثلًا في استخدام الأدوات الرقابية المخولة لأعضائه من استجواب وطلبات أحاطة، وحتى على المستوى التشريعي، فإن جل التشريعات التي صدرت من مجلس النواب السابق كانت مقدمة من الحكومة، بحسب أن ذلك أحد السبل للتشريع. ومن هنا، فلا جديد جدّ ولا صهيل يدور.