تروج حاليًا منظومة العدالة في مصر لنظام المحاكمات عن بعد أو المحاكمات الإلكترونية، الفكرة التي بدأ الحديث عنها مع انتشار فيروس كورونا المستجد الذي تسبب في توقف عمل المحاكم، وتوقفت معاها القضايا، خاصة قضايا العنف ضد المرأة وقضايا الأحوال الشخصية إجمالًا.

يرى محامون أن فترة تعليق الجلسات والعمل في المحاكم خلال الموجة الأولى لانتشار فيروس كورونا، تسبب في توقف العديد من القضايا، وتسبب أيضًا في زيادة العنف ضد المرأة وكذلك القضايا المتعلقة بالنفقات أو الطلاق.

هل تصلح إذًا المنظومة الرقمية الجديدة التي بدأت تجربتها فعلًا الأمرَ، وتمثل حلًا ناجزًا للقضايا المعلقة، خاصة قضايا العنف ضد المرأة؟

العنف ضد المرأة في عصر التحول الرقمي

افتتح وزير العدل، المستشار عمر مروان، عمل محاكم الإسكندرية بتقنية تجديد الحبس الاحتياطي عن بعد، ضمن خطة الوزارة للتحول الرقمى والميكنة، وتطوير ورفع كفاءة مقرات المحاكم.

وبالفعل، حضر الوزير أول جلسة قضائية عن بُعد بإحدى القاعات الإلكترونية، لتشغيل نظام النظر الإلكتروني لتجديد حبس المتهمين احتياطيًا عن بُعد، بالتعاون والتنسيق بين وزارات العدل والاتصالات والداخلية.

اقرأ أيضًا: العنف ضد المرأة | الكلفة الاقتصادية للضحايا

النظام الرقمي في تجديد الحبس أو المحاكمات، تعرفه بالفعل العديد من الدول والمدن حول العالم، مثل دبي التي اعتمدت عقد الجلسات القضائية بشكل مباشر على مرأى ومسمع الجميع، مع انتشار فيروس كورونا،  عبر برنامج Microsoft Teams. ويتيح البرنامج تبادل المستندات والاستماع لمرافعة الدفاع أو الشهود. وسبقتها المغرب في ذلك، بمشروع لتقنين المحاكمات عن بعد منذ عام 2018.

وخلال فترة تفشي فيروس كورونا في موجته الأولى، ارتفعت معدلات العنف ضد المرأة بشكل عام، الأمر الذي تؤكده المحامية المعنية بالقضايا النسوية، عزيزة الطويل.

وتقول الطويل لـ”مصر360″ إنه في الموجة الأولى لكورونا زادت قضايا العنف ضد المرأة في نفس الوقت الذي تعطل فيه العمل بالحاكم. التعطيل تسبب في تفاقم المشكلة خاصة في القضايا المتعلقة بالنفقة والولاية التعليمية، بحسب الطويل.

العنف ضد المرأة
ارتفعت معدلات العنف ضد المرأة خاصة العنف المنزلي في الموجة الأولى لكورونا

وفي يوليو الماضي بدأت المحاكم في العودة للعمل مجددًا، لكنها “عادت بشكل أسوأ، فمع عودتها كان المحامون ينامون أمام المحكمة حتى يستطيعون فقط أخذ رقم لرفع دعوى”، وذلك بسبب الازدحام الذي أدت إليه زيادة أعداد القضايا المؤجلة.

ومع زيادة معدلات العنف ضد المرأة خلال فترة كورونا، متركزة في العنف الأسري، تفاقمت الأوضاع بتأجيل النظر في القضايا المرفوعة في هذا الصدد.

في ذلك تقول المحامية آية كمال، إنه خلال فترة إغلاق المحاكم، كانت قضايا المرأة والأحوال الشخصية عمومًا “تعامل على أنها قضايا غير مهمة”، موضحةً: “كنا بنشوف مثلًا تجديد حبس احتياطي على الورق، وفي النفس الوقت أحكام نفقة وطلاق واقفة مع إنها أحكام مستعجلة”.

خطوة غير مفيدة للنساء؟

في حين تبدو المنظومة الإلكترونية للنظر في القضايا، خطوة جيدة من جهة عدم تأجيل القضايا المستعجلة، وأيضًا بما يقلل نسب خطورة تفشي العدوى بكورونا، إلا أن المحامية نسمة الخطيب، ترى أنها “لن تكون خطوة مفيدة لقضايا المرأة”.

توضح نسمة أنها ربما تكون خطوة مفيدة في قضايا النفقة، لكنها “لن تصلح في قضايا العنف ضد المرأة والاعتداء الجسدي التي تحتاج لسماع شهود، وطب شرعي”.

ومع بداية أزمة كورونا وخلال الموجة الأولى من تفشي الوباء، ظهرت العديد من الشهادات لفتيات تعرضن للعنف والاعتداء واغتصاب أو محاولات اغتصاب. ورغم أن المجلس القومي للمرأة، خصص خطًا ساخنًا لتلقي الشكاوى، إلا أن نسمة الخطيب تعتقد أن ذلك إجراء غير كافٍ: “الخط الساخن من أشكال التطور الرقمي، لكن لم نرَ إحصاءات بعدد القضايا أو البلاغات التي تلقاها الخط الساخن، ولا نعرف ما الذي يحدث بعد تلقي البلاغات”، وعليه ترى أن هذا قد يكون مؤشرًا على أن “المنظومة الرقمية لن تكون أسرع في التعامل”.

من جانبها تؤكد عزيزة الطويل أن “المؤسسات الحيوية لا تتعطل بظروف البلاد أو حالات الطوارئ”، لكن هناك تعطل حدث بالفعل مع الموجة الأولى، وهو ما لا تشهده دول أخرى، مثل الإمارات التي حققت رقمًا كبيرًا في نظر القضايا رغم الجائحة، وفقًا للطويل.

وتلفت الطويل إلى أنه بالنظر إلى الموقع الخاص بالقضايا الإلكترونية، لا توجد فيه أي أبواب مخصصة لقضايا الأحوال الشخصية، وجميعها مخصصة للقضايا المدنية.

ماذا بعد الموجة الأولى من كورونا؟

بعد الموجة الأولى والمخاوف من تداعيات الموجة الثانية أن يتبعها تعليق لعمل المحاكم، تتفق المحاميات اللواتي تحدثن لـ”مصر360″ على ضرورة الاطلاع على تجارب دول أخرى في التحول الرقمي في منظومة العدالة.

وتقترح عزيزة أن تتيح المنظومة الرقمية رفع الدعاوى إلكترونيًا، مع تصنيف القضايا، وإشراك المجلس القومي للمرأة في ما يخص قضايا النساء. “على الأقل يكون هناك مكتب تلجأ له النساء في القضايا المستعجلة، وأن تحال القضايا المبلغ عنها بالخطن الساخن، إلى النيابة للتحقيق بشكل سريع”، وفقًا لعزيزة.

اقرأ أيضًا: مناهضة العنف ضد المرأة | أزمات التمييز وقوانين العصر الحجري تلاحق قطر

من جانبها تعتقد آية كمال أن النظام الإلكتروني حاليًا لن يؤثي ثماره، “لأنه نظام مستحدث، يحتاج لوقت من التدريب من كافة الأطراف، والحل هو التعامل مع قضايا الأحوال الشخصية على أنها دعاوى ذات طابع مستعجل، وإصدار قرارات سريعة بها”، كما قالت.

يذكر أن العديد من التقارير أكدت ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة، خاصة العنف المنزلي، في ظل إجراءات الإغلاق التي انتهجتها معظم الدول لمواجهة كورونا، وذلك بحسب الأمم المتحدة.