منذ الحكم بإعدام خميس والبقري، عاملي غزل كفر الدوار قبل 68 عامًا، لم تشهد القضايا العمالية أحكامًا بقسوة الحكم الصادر من محكمة جنايات دمنهور، ضد 20 من عمال مصنع غزل كفر الدوار وصباغي البيضا، والذي قُضي بمعاقبتهم بالسجن مدد تتراوح بين 10 سنوات و25 سنة، على خلفية احتجاجهم على تأخر راتب شهر مارس، والمطالبة بتوفير خامات لتشغيل الشركة، في 15 أبريل الماضي.
وجهت النيابة للعمال العشرين عدة تهم، شملت: تعطيل وسائل الإنتاج، والامتناع عن تأدية واجبات وظيفتهم. كما اتهمتهم النيابة بالإضرار بمصالح عملهم، واستعراض القوة والتلويح بالعنف، والتجمهر والتظاهر بالمخالفة للقانون. وتضمنت لائحة الاتهام أيضًا: إهانة رئيس مجلس إدارة الشركة، والإتلاف والتخريب، وفق ما أوضح محمد عيسى المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وأحد محاميي المتهمين.
عن طريق الصدفة
صدر الحكم غيابيًا في القضية التي حملت رقم 9380 لسنة 2020 جنايات قسم كفر الدوار. ولم يعلم به العمال المتهمون إلا عن طريق الصدفة.
يقول أحد العاملين: “موظف في الداخلية اتصل بزميل لنا، ليتأكد من اسمه الثلاثي. انزعج زميلنا، لكنه لم يتوقع أن يخبره الموظف بحكم غيابي صادر ضده بالسجن 25 سنة”. وأضاف: “موظف الداخلية من الصدمة سأل زميلنا: أنت قتلت مين!”.
صدمة العمال
يصف العامل، الذي رفض ذكر اسمه، لـ “مصر 360“، كيف شعر وزملاؤه بالصدمة، بعدما تأكدوا من كلام موظف الداخلية. “لم يرتكب أحد من زملائي أي جريمة تستوجب هذه العقوبات. ولم يتم استدعاء أي منهم في تحقيقات الشرطة أو أمام النيابة. ولا وصلت إليهم إعلانات بجلسات القضية من المحكمة”.
اقرأ أيضًا: “غزل المحلة” محاولات التحديث في مواجهة التصفية
حل أزمة لا إحداثها
يروي العامل ما حدث في 15 أبريل الماضي، مع تجمع مئات العمال أمام مكتب عادل أنور رئيس مجلس إدارة غزل كفر الدوار والعضو المنتدب للشركة آنذاك، حيث طالب المحتجون بصرف راتب شهر مارس المتأخر لأكثر من 15 يومًا.
“كان ذلك ليلاً. وكان العمال غاضبون من تأخر رواتبهم، يشكون حالهم في ظل الظروف التي فرضتها كورونا وضاعفت نفقاتهم، وفجأة انقطع التيار الكهربائي عن الشركة” يقول العامل الذي روى كيف تحطم باب مكتب رئيس مجلس الإدارة بفعل تدافع الجميع مع انقطاع الكهرباء.
ويؤكد أن أحدًا لم يتعرض لرئيس مجلس الإدارة أو أيًا من المسؤولين الآخرين. ويضيف أن العمال سيطروا على غضبهم، وكان كل ما يسعون إليه هو إيجاد حل لمشكلتهم لا إحداث أزمة.
الضغط على النقابة
في اليوم التالي، فوجئ العمال أن إدارة الشركة حررت محضرًا ضدهم بالأمن الوطني. تضمن اتهامات بتعطيل العمل، والتخريب، والاعتداء على رئيس مجلس إدارة الشركة.
في أعقاب ذلك، توجه عدد من أعضاء اللجنة النقابية بالشركة إلى مقر الأمن الوطني، حيث طُلب منهم استقبال رئيس مجلس الإدارة أمام الشركة بـ”حفاوة وتقدير”، على أن ينشروا صور الاستقبال عبر صفحات التواصل الاجتماعي، شريطة التنازل عن المحضر.
استجاب أعضاء اللجنة النقابية -بحسب أبو مازن- لطلب رئيس مجلس الإدارة، حفاظًا على العمال المتهمين، وتم حفظ المحضر. لكنهم فوجئوا بأن هناك محضر آخر جرى تحريره بقسم شرطة كفر الدوار، ضد 20 منهم بالاتهامات نفسها.
ووفق أحد العمال، فإن هذا المحضر الأخير تم تحريكه إلى أن وصل لمحكمة الجنايات، التي قضت بمعاقبتهم بالمدد سالفة الذكر.
تهم ملفقة
يصف شعبان عطية، رئيس اللجنة النقابية بالشركة، التهم الموجهة ضد زملائه، وما صدر بموجبها من أحكام المؤبد، بأنها “ملفقة”. وينفي حدوث أي تعطيل للعمل أو تخريب واعتداء على رئيس مجلس الإدارة، كما ورد بنص الاتهامات.
ويضيف عطية، في تصريحاته لـ”مصر 360″، أن أسماء المتهمين جرى وضعها بشكل عشوائي من قبل مدير أمن الشركة، الذي يحظى بثقة الإدارة، وذلك في إطار تصفية الحسابات بينه وبين العمال العشرين، على حد قوله.
بسبب تأخر الرواتب، حررت اللجنة النقابية بالشركة محضر إثبات حالة يوم 11 مارس الماضي ضد الإدارة، التي عزت عدم التزامها بصرف الرواتب إلى عدم وجود سيولة، على الرغم من إرسال الشركة القابضة للجزء الملزمة به من أجور العمال، ورغم أن إدارة غزل كفر الدوار تبيع إنتاجها وتحصل على عائد مزادات الخردة، التي تقدر بمبالغ طائلة، حسب عطية.
نقص الخامات
يشير عطية إلى أن احتجاج العمال في منتصف أبريل الماضي، لم يكن فقط من أجل تأخر الرواتب، لكنه أيضًا رفضًا لتخريد الماكينات، والمطالبةً بتوفير الخامات اللازمة لاستئناف العمل.
ويوضح عطية: “إدارة عادل أنور، المقال يوليو الماضي، شرعت في تخريد وبيع بعض الماكينات. التي لم تكن بحالة سيئة. وهو الأمر الذي تصدت له اللجنة النقابية بالشركة. واشترطت أن يصدر عن لجان فنية مختصة، تضم عمال من ذوي الخبرة بالشركة”.
خلل في منظومة العدالة
يفند عبد الرؤوف بطيخ، القيادي بتيار الكفاح العمالي، ما تضمنته إجراءات قضية عمال كفر الدوار، بداية من محضر الشرطة وحتى صدور حكم القضائي. فيصفه بـ”الخلل” البيّن في منظومة العدالة”. ويتساءل: “كيف تصدر أحكامًا تصل إلى 25 سنة ضد متهمين، دون أن يكون هناك استدعاء واحد لهم أمام المحققين بقسم الشرطة والنيابة؟ وكيف لم يُعلموا بموعد جلسات القضية”.
ويتعجب “بطيخ” من اتهام إدارة الشركة عمالاً لديها بتهم التخريب والإتلاف والاعتداء على رئيس الشركة، دون أن يتخذ ضدهم أي قرار إداري بوقفهم عن العمل مثلًا أو إحالتهم للتحقيق. وهو أمر يدفع بـ”كيدية البلاغ” -على حد قوله- وتعمد إلحاق الأذى بالعمال لأنهم تمسكوا بحماية أصول شركتهم، ورفضوا “تخريد” الماكينات وبيعها. الأمر الذي يتعارض مع أهداف إدارة عادل أنور، على حد قوله.
اقرأ أيضًا: شبح التصفية يطارد عمال الحديد والصلب
إعادة المحاكمة وطلبات الدفاع
المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، محمد عيسى، أبدى أيضًا تعجبًا من سير القضية. وقال: “كل شيء تم بشكل غريب، فلا استدعاء من النيابة ولا إعلان بجلسات المحاكمة رغم وجود محل سكن ومحل عمل معلومين. كما أن العمال العشرين الصادر ضدهم الحكم لا يزالوا يعملون بالشركة حتى تاريخه، ويتقاضون رواتبهم”.
وعن الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الدفاع عن المتهمين، أشار عيسى إلى أنه بعد طلب إعادة إجراءات المحاكمة، تحدد لنظر القضية جلسة الخميس ٢٦ نوفمبر الماضي.
وحضر عدد من محاميي الدفاع عن المتهمين جلسة الخميس، التي تأجلت فيها القضية لجلسة 27 ديسمبر المقبل. وتقرر التأجيل بناءً على طلب الدفاع، لحين ورود طلباته، ومن بينها دفتر إنتاجية الشركة وقت الاحتجاج. إذ كان المصنع متوقفًا لعدم وجود خامات ما يدحض تهمة تعطيل الإنتاج.
كما طلب الدفاع أيضًا المنشورات الصادرة من الإدارة بوقف واستئناف العمل وتاريخ صدورها. لأنها تثبت أن العمل كان متوقفًا بسبب ظروف كورونا ونقص الخامات.
الشركة العريقة تعمل لحساب الغير
شركة مصر للغزل والنسيج وصباغي البيضا بكفر الدوار في محافظة البحيرة، هي واحدة من أعرق الشركات المصرية تأسست في عام 1938، لإنتاج وتجهيز وصباغة وطباعة الملابس الجاهزة والمفروشات والخيوط السميكة وخيوط الحياكة والخيوط المخلوطة. وجُهزت الشركة قديمًا بماكينات من أحدث الآلات الأوروبية وقتها.
وتنتج الشركة العديد من منتجات الأقمشة القطنية والمخلوطة، والتي يتم تصديرها لعدد من الدول العربية والأفريقية والأوربية، إضافة لاحتياجات السوق المحلي.
الشركة العريقة التي تقلص عدد عمالها من 28 ألف عامل في التسعينيات إلى 7 آلاف عامل، بحسب عدد من العمال تحدثوا لـ”مصر 360“، أصبح معظم إنتاجها لحساب الغير من أصحاب الشركات ومصانع الغزل، الذين يطلبون تجهيز بعض المنتجات والغزول بمقابل مالي.
ويتضاءل إنتاج الشركة يومًا بعد يوم، بسبب عدم توفير الخامات اللازمة للتشغيل. ويرى العمال المحتجون أن غياب الإدارات الواعية سبب رئيسي بالخسائر السنوية التي وصلت إلى 1.8 مليار جنيه سنويًا.