تصدر خبر “انتهاء” أزمة البرشا في المنيا عدد من المواقع الإلكترونية، مصحوبًا بصور لأعضاء “لجنة المواطنة” بمحافظة المنيا، والتي تضم عدد من علماء الأزهر والقيادات الكنسية، خلال زيارتهم لقرية البرشا التابعة لمركز ملوي.

المشهد كما هو تقريبًا، يتكرر خلال كل أزمة طائفية تقع في المحافظة بين المسلمين والمسيحيين. وبطبيعة الحال، لا يخلو المشهد في “نهايته” من عبارات الإشادة بـ”الحكماء” من الجانبين، فضلًا عن القيادات الأمنية “التي سيطرت على الوضع”.

جديد خريطة الطائفية.. أحداث البرشا

مثلت أحداث البرشا واقعة جديدة على خريطة الطائفية في محافظة المنيا، حيث اندلعت اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين بالقرية مساء الأربعاء الماضي، 25 نوفمبر، على خلفية تدوينة بفيسبوك منسوبة إلى أحد شباب القرية المسيحيين، قيل إن بها إساءة للنبي محمد.

اقرأ أيضًا: “التهمة ازدراء الأديان”.. الحساسية الدينية تتصدى لمحاولات التغيير

البرشا التي نصف سكانها على وجه التقريب من المسلمين والنصف الآخر من المسيحيين، عاشت ليلة صعبة ذلك اليوم، بحسب بعض أهالي القرية، إذ تجمهر عدد من المسلمين حول منازل الأقباط وحول كنائس القرية التي كانت تشهد زحامًا كبيرًا بسبب تسبيحة صوم الميلاد، ما أدى لاشتباكات بين الطرفين، فيما اتهم مسيحيون، المتجمهرين، بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف على المنازل.

من جانبها، استطاعت قوات الأمن السيطرة على الوضع بالقرية بعد احتراق عدد من منازل المواطنين الأقباط، كما منعت محاولات اقتحام كنيسة “أبي سيفين”، بحسب ما نشرت صحف مصرية.

وألقت قوات الأمن القبض على عدد من المشتبه في تورطهم بالأحداث من كلا الجانبين، إضافة للقبض على الشاب المنسوب إليه التدوينة المسيئة للنبي محمد، ووالده.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي تُداول مقطع فيديو يُظهر اشتباكات ومنازل تحترق وسط هتافات “لا إله إلا الله” و”الله أكبر”. وكان موقع شبكة RT الروسية الرسمية، نشر المقطع على أنه من أحداث الفتنة الطائفية بالمنيا. ولم يتسنَ لنا التأكد من صحته.

تحريض طائفي؟

وفي تحقيقات النيابة، قال الشاب المتهم بالإساءة للنبي محمد، إنه لا علاقة له بالمنشور وأن حسابه على فيسبوك سُرق منذ فترة طويلة.

وسواءً كانت رواية الشاب حقيقة أم لا، يرى الباحث في التاريخ والإسلام السياسي عصام الزهيري، أن “التحريض ضد الشاب على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى من أشخاص ربما لم يقرؤوا منشوره، كان أحد العوامل التي أشعلت الوضع داخل القرية، وغذى التوجه الطائفي”.

قانون ازدراء الأديان

لكن المسألة عند الزهيري “أكثر عمقًا” من مجرد منشور أثار غضب مسلمي البرشا فردة فعل المواطنين المسلمين في القرية من تلك الواقعة، تستند إلى  تشريعات تمنع حرية الرأي وتَحرم  الأشخاص من حق النقد والاختلاف وحرية الفكر والتعبير، وعلى رأس تلك التشريعات مادة ازدراء الأديان بقانون العقوبات، التي تصل فيها عقوبة “ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها” إلى الحبس خمس سنوات، بحسب الزهيري.

يعتقد الزهيري أن “تمسك المشرع والمؤسسات الدينية” بهذه النصوص القانونية “يخنق أي مساحة للاختلاف أو النقد”، ويذهب الزهيري في حديثه إلى أبعد من نقد الرموز الدينية، إلى “أي شخص يتخيل أنه يتحدث باسم الدين”، مشيرًا إلى واقعة انتقاد فنان كوميدي ساخر لمذيعي إذاعة القرآن الكريم.

لماذا المنيا دائمًا؟

على مدار عقود، ارتبطت محافظ المنيا بالحوادث الطائفية، كان آخرها ما حدث في قرية دمشاو هاشم قبل نحو عامين، حين اقتحم مواطنون مسلمون منازل مواطنين مسيحيين بالقرية، واعتدوا عليهم بالضرب، وأتلفوا ممتلكاتهم، وذلك بسبب شائعة انتشرت بالقرية عن تحويل أحد المنازل إلى كنيسة.

في التحقيقات، قال المجني عليهم إنهم أقاموا الشعائر الدينية في المنازل لعدم وجود كنيسة بالقرية أو بالقرب منه، ولم يكن في نيتهم تحويل المنزل إلى كنيسة، وحتى لو كان الأمر كذلك فإن الدولة وحدها هي المنوطة بمنع هذا أو التصريح به طبقًا لقانون بناء وترميم الكنائس الصادر في 2016.

وفقًا للزهيري، فإن أحد أبرز الأسباب المغذية للطائفية بالمنيا، ارتفاع نسبة الأمية في المحافظة. وتعد محافظة المنيا الأعلى في معدلات الأمية بين محافظات الجمهورية بنسبة 37.2%، وفقًا لآخر تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

سبب آخر هام يراه الزهيري وراء استمرار تكرار الأحداث الطائفية في المنيا، وهو ما وصفه بـ”التعامل المتساهل مع مثل هذه الأحداث”، مشيرًا إلى اللجوء بشكل شبه حصري لجلسات الصلح العرفية بعد تنازل الطرفين عن البلاغات المقدمة ضد بعضهما. يعتبر الزهيري أن هذه الطريقة “تضعف سلطة القانون، وترسخ الاعتقاد لدى الأشخاص بأنهم إذا تورطوا في أحداث طائفية، فمن المؤكد أنها ستنتهي بالحلول العرفية، ولن تطبق عليهم أي عقوبة جنائية حتى لو كانت الجريمة حرق المنازل وسحل الأشخاص”.

النهاية دائمًا جلسات عرفية

أحداث العنف التي اندلعت خلال السنوات الماضية، بدوافع طائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر بشكل عام، وفي المنيا خاصة؛ انتهت أغلبها بجلسات صلح عرفية كما حدث في البرشا كانت تفضي في أغلبها، إلى تهجير المسيحيين، في حين أن المسيحيون كانوا غالبًا المجني عليهم.

تعرقل هذه الجلسات الطريق القانونية لاسترداد الحقوق، وفي كثير من الأحيان، ترغم الطرف الأضعف على القبول بشروط قد لا تكون منصفة.

اقرأ أيضًا: من الاحتلال إلى الوهابية.. كيف تأثرت الهوية المصرية؟

الباحث عصام الزهيري يقول إن الجلسات العرفية “لا تنصف أحد”، موضحًا: “فلسفة الجلسات العرفية هي أن يتنازل كل طرف عن بعض حقوقه لحل الأزمة، فالطرفين في نظرها جناة ومجني عليهما في نفس الوقت”.

يصف الزهيري هذه الإجراءات بـ”فكر ما قبل الدولة وما قبل المجتمع الحديث وما قبل القانون”، مؤكدًا أنها “تضيع حق المجني عليهم وترسخ لاستسهال الاعتداء والعنف الطائفي طالمًا أن ثمنه ليس إلا صلعًا واعتذارًا شكليًا، أو تعويض مالي على أقصى تقدير”.

حلول مقترحة

على ذلك، قد يكون تفعيل سلطة القانون المطلب الأبرز للحد من أحداث العنف الطائفي في مواجهة الحلول العرفية، إضافة لما أشار إليه الزهيري من “تفعيل دور الأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، والنوادي الاجتماعية والرياضية، والمؤسسات التعليمية والثقافية”.

ويطرح الزهيري أيضًا “الانفتاح على الحوار في المجتمع” كحل “ضروري” لمواجهة الطائفية، على أن تكون المؤسسات الدينية في قلب هذا الحوار.