بينما يحتفي العالم بالأشخاص ذوي الإعاقة، تزامنًا مع يومهم العالمي الموافق 3 من ديسمبر كل عام. لا يزال الكثير منهم يعاني عدم تطبيق قوانين مكافحة التمييز الواقع عليهم مقارنة بغيرهم من فئات المجتمع. فالقوانين التي تسن، والمعاهدات التي تُبرم تقف إلى يومنا هذا عاجزة عن التفعيل وضمان مراقبتها بشكل يمنع كل أشكال التفرقة.
هذه الرسالة استوعبتها منظمة الصحة العالمية، في إحياءها اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة هذا العام. إذ أطلقت شعار “يوم الجميع”. ودعت إلى فهم الإعاقة باعتبارها جزءًا من حال الإنسان. وذكرت أن معظم الأفراد سيعانون من إعاقة مؤقتة أو دائمة في وقت معين من حياتهم، مشيرةً إلى عدد قليل من البلدان التي تتوافر فيها آليات كافية لتلبية احتياجات هؤلاء الأشخاص على وجه تام.
من مصاف المتعافين إلى ذوي الإعاقة
طوال سنوات حياته التي شارفت على الخمسين، كان عبد الفتاح طلبة يتردد على الشركة التي توظف بها في الأعمال الكتابية. لكنه قبل عام واحد فقط فقد هذا الاستقرار الوظيفي بفعل إصابة أثرت على حركته.
اقرأ أيضًا: في يومهم العالمي.. الحكومة تستعرض جهودها في حماية حقوق ذوي الإعاقة
حادث سيارة كان كفيلاً أن ينقل “طلبة” من مصاف المتعافين جسديًا إلى ذوي الإعاقة، ما أفقده عمله.
سعى “طلبة” للعودة إلى عمله بعد 6 أشهر من العلاج الطبيعي، دون أي تحسن في حركته. ورغم مهامه الوظيفية التي تعتمد على حركة يديه لا قدمه المصابة، أُجبر عل ترك عمله مقابل مكافأة كاملة عن نهاية الخدمة.
تمييز تعليمي يعيق التفوق
5 سنوات من البحث عن علاج انتهت بـ”ملك” المولودة بضمور في الأعصاب، إلى فقدانها الحركة مدى الحياة. استسلمت وأسرتها للتعايش مع الإعاقة، بينما لم ينقذها تميزها الدراسي في نيل حقوقها.
اعتقدت الأم “نجاة محمود” -في البداية- أن تميز ابنتها بقدرات هائلة في الفهم والتحليل بشكل يفوق مثيلاتها في العمر العوض المنتظر عن الإعاقة الحركية. لكن هذا النور من الأمل خُفت سريعًا عندما وصلت الطفلة لسن الالتحاق بالمدرسة. لم تقبل أي مدرسة الطفلة بسبب إعاقتها، بينما طالبها بعض المسؤولين بالتوجه لمدارس ذوي الاحتياجات الخاصة.
رفضت الأم إيداع ابنتها إحدى مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة. وقالت إن معظم الطلاب بهذه المدارس لديهم إعاقات ذهنية لا حركية كحالة ابنتها. وتضيف: “من حق ابنتي التعلم وسط أطفال مماثلين لها. لا ذنب لها في فقدانها قدرتها على المشي”.
فقد الوالدان طاقة البحث عن حل لأزمة طفلتهما الدراسية، حتى خسرت عامها الأول في التعليم، ولا يزال البحث مستمر.
بلا رفيق إلى الأبد
“هي لا تجيد خدمة نفسها .. فكيف تخدم زوج وأطفال؟”؛ كان هذا إعلان لـ”آية مصطفى” بأنه كُتب عليها أن تحيا بلا زواج أو أطفال مدى الحياة.
ولدت آية بإعاقة بصرية جعلت نسبة الرؤية عندها لا تتعدى 5%. ترى الأشياء بصعوبة شديدة بعد أن تقربها من عينيها لأقصى مدى ممكن. فهي تعاني من التهاب شبه دائم حول العين، يجعل المنطقة حول العين في حالة تهييج جلدي شديد، يلاحظه المحيطون بها.
حصلت “آية” على دبلوم التجارة بمساعدة أخواتها. ولم تستطع أن تكمل تعليمها بعد ذلك، بسبب ضعف قدرتها على الرؤية. استسلمت للأمر الواقع وظلت في منزل العائلة حتى أكملت عامها الثلاثين. لم يتقدم أحد بعد لخطبتها، بينما تزوجت جميع أخواتها.
تتجنب “آية” دائمًا الحديث في هذا الأمر، لكنها تسمع أخواتها وأمها يتحدثون على استحياء. حتى أنهم طلبوا من إحدى جاراتهم أن تبحث عن عريس توافق ظروفه ظروفها. لكن الجارة عادت بعد فترة، ورددت جملة “هي لا تجيد خدمة نفسها .. فكيف تخدم زوج وأطفال؟”.
أصيبت “آية” مؤخرًا بنوبة اكتئاب حادة، تسببت في توقفها عن الطعام عدة أيام. ودخلت المستشفى لكنها عادت للطعام خوفًا على والدتها، التي كادت تفقد حياتها حزنًا على ابنتها.
التنمر على ذوي الإعاقة
الشعور الدائم بالعزلة والرغبة في الابتعاد عن الأهل والأصدقاء، أحد أسباب الاكتئاب الي ينتج عن التنمر بذوي الإعاقة، كما يوضح الدكتور عوض نصر، استشاري العلاج السلوكي.
اقرأ أيضًا: “ترسيخ مبدأ المساواة”.. حقوق ذوي الإعاقة في القانون المصري
ويضيف الدكتور عوض أن هذه الفئة من المجتمع لدى أفرادها إحساس دائم بفقدان الثقة في النفس، يجعلهم غير قادرين على اتخاذ القرارات. ويشير إلى إهمال المظهر العام كأحد اكثر الآثار النفسية السلبية التي تمت ملاحظتها على الأفراد الذين يعانون التنمر. إلى جانب القلق الدائم والخوف غير المبرر والعصبية والغضب وكثرة البكاء.
وينقسم التنمر إلى أنواع ودرجات، تبدأ بالإساءة اللفظية، وتشمل السخرية من الشكل أو المظهر، وإطلاق التعليقات والتشبيهات غير المرضية للشخص. بينما يعد التنمر العاطفي والرفض المجتمعي أقصى درجات التنمر. فيما يشمل التنمر الجسدي الأفعال العنيفة تجاه الشخص موضع التنمر بالضرب والبصق وغيره من الإهانة الجسدية.
محطات في حياة ذوي الإعاقة لنيل حقوقهم
يمثل الأشخاص من ذوي الإعاقة في مصر نسبة 10.7% من تعداد السكان الوارد عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في العام 2017. ويجرى تعداد الإعاقة كل عشر سنوات، بينما تسجل أعلى نسبة إعاقة بين المواطنين في محافظات المنيا ثم القاهرة. فيما أقل نسبة توجد بجنوب وشمال سيناء.
حتى العام 2012، تجاهلت دساتير مصر، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يمثلون 10.6 مليون، وفق إحصاءات الجهاز المركزي. ففي التعديلات الدستورية عام 2012، لم ينص الدستور إلا على مادتين جاء خلالهما ذكر ذوي الاحتياجات الخاصة فيما يخص دمجهم مع الأطفال والنشء.
اكتفى دستور 2012، بالإشارة إلى ذوي الإعاقة في المادة 72. وتنص على أن “تلتزم الدولة برعاية ذوي الإعاقة صحيًا وتعليميًا واقتصاديًا واجتماعيًا. وتوفر لهم فرص العمل. وترتقي بالثقافة الاجتماعية نحوهم. وتهيئ المرافق العامة بما يناسب احتياجاتهم”.
رغم أن دستور 2014 جاء مرضيًا بشكل نسبي لذوي الإعاقة بعدد كبير من المواد، حملت إلزامًا بحقوقهم، يبدأ من رئيس الجمهورية والحكومة إلى البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني. إلا أن الحقوق ورقابة تطبيقها، لا يزال دون تفعيل. وهو الأمر نفسه مع القانون رقم 10 لسنة 2018، وفق ما صرح به أشرف مصيلحي، المحامي المعني بشؤون ذوي الإعاقة.
ويقول مصيلحي “إن مواد هذا القانون الذي وضع العديد من المكتسبات التي تحمي حقوق ذوي الإعاقة، لا تزال غير مفعلة”. لأنه لا توجد جهة تراقب بشكل فعلي على الأرض، هل يحصل فعليًا المعاقيين وذوي الهمم على حقوقهم في المجتمع أم لا. وهو ما يفسح الطريق لمساحة من التنمر عليهم في المجتمع، على حد قوله.
ويتفق ماهر طلعت، رئيس المنتدى المصري للأشخاص ذوي الإعاقة، مع هذه الرؤية. ويقول إنه رغم تطبيق جزء من اللائحة التنفيذية لقانون ذوي الإعاقة. تبقى بنود عديدة باللائحة دون تفعيل.
بينما يرجع ذلك إلى عدم وصول التعليمات الصريحة والموضحة بذلك. إلى جانب عدم تدريب الموظفين بشكل يلائم تفعيل التعليمات. وذلك رغم الاهتمام الواضح من جانب الدولة، على حد قوله..