تثير الأرقام التي أعلنتها الحكومة، الخميس، حول تراجع معدلات الفقر بمصر لأول مرة منذ عام 1999، الكثير من التساؤلات. بينما يكمن التساؤل الأكبر في: كيف تحقق هذا الإنجاز في خضم فيروس كورونا، الذي عطل قطاعات كاملة من الاقتصاد، ودفع بالكثيرين إلى طابور البطالة؟
وزيرة التخطيط والإصلاح الإداري الدكتورة هالة السعيد، قالت في مؤتمر صحفي أمس، إن معدل الفقر تراجع لأول مرة منذ عام 11 عامًا إلى 29.7% في نهاية العام المالي 2019/2020، مقارنة بـ 32.5% عام 2017/2018.
وعزت الوزيرة هذه الأرقام إلى بيانات بحث “الدخل والإنفاق”، التي يقدمها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بشكل منتظم، منذ ما يزيد عن ستين عامًا. وأكدت أن الانخفاض جاء عموميًا بجميع المناطق والمحافظات.
اقرأ أيضًا: الفقر ليس قدرًا
ووفقًا للبحث، ارتفع متوسط الدخل السنوي الصافي للأسرة على مستوى الجمهورية من 60.4 ألف جنيه عام 2017/2018 إلى 69.1 ألف جنيه في عام 2019/2020. وذلك بنسبة زيادة حوالي 15%.
وأوضحت الوزيرة أن متوسط الدخل السنوي للأسرة في الحضـر ارتفع من 69.6 ألف جنيه سنويًا عام 2017 / 2018 إلى 80.9 ألف جنيه عام 2020/2019. وذلك بنسبة زيادة 16.3%. بينما ارتفع في الريف من 52.7 ألف جنيه إلى 59.7 ألف جنيه سنويًا، خلال الفترة المقارنة ذاتها. بنسبة زيادة قدرها 13.3%.
أسلوب البحث
لا يمكن التشكيك بالأرقام الحكومية الصارة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الذي يضم خبرات كبيرة على مستوى الإحصاء. لكن ربما يجانب طريقة البحث ذاتها الصواب، فيما يتعلق بانتقاء العينة، التي يمكن بها قياس نسبة السكان، الذين يعيشون في أسر معيشية فقيرة، إلى إجمالي السكان.
وفي مجتمع البحث العلمي والإحصاء، يجب التدقيق دائمًا في العينة التي يتم الاعتماد عليها في البحث. لأنها تمثل الأساس الذي تبنى عليه جميع النتائج، التي تصدر لاحقًا. وتنقسم العينة لعدة أنواع أهمها العشوائية التي يتم انتقاء أفرادها عشوائيًا لتعبر عن المجتمع بالكامل.
منهجية العمل
يعتمد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في جمع بياناته أسلوب المقابلة الشخصية للأسرة في المسكن الذي تقيم فيه. ويتم الحصول على البيانات من رب الأسرة أو الزوجة أو شخص بالغ رشيد من أفراد الأسرة، في حال غياب ربها أو الزوجة.
واختار فريق الجهاز عينة بلغت 26 ألف أسرة، صممت لتكون ممثلة لكل محافظات الجمهورية. وخضعت هذه العينة لزيارات بلغت ثمانية، خلال مدة البحث (عام). وذلك لبحث التغيرات التي عاشتها.
هذه نسبة ليست بالكبيرة في مجتمع يناهز 100 مليون فرد. وبالمناسبة هي نفس عدد الأسر التي تمت دراستها العام السابق، بصرف النظر عن زيادة عدد السكان بين العامين.
اقرأ أيضًا: الفقر متعدد الأبعاد.. الجوع والعنف يهددان حياة الأطفال في الريف
تصادف أبحاث الدخل مشكلة أخرى، تتعلق بطبيعة المجتمع ذاته. إذ يخشى كثيرون التعبير عن واقعهم بصدق حين يتعاملون مع مسؤولين حكوميين، خوفًا من التعرض لمشكلات مستقبلية. وهي ذاتها النقطة التي تحدث بأبحاث أعداد السكان الأخيرة، التي رفضت فيها بعض الأسر الكشف عن عددها الحقيقي، بزعم فرض ضرائب.
وتقول خبيرة اقتصاد وعضو بمجلس النواب -رفضت ذكر اسمها- لـ”مصر 360″، إن المشكلة في العينة تظهر بوضوح في كمية التسول بالشوارع. ففي أحياء بمصر الجديدة أصبح الشارع الواحد، يضم ما بين خمس وست متسولات معهن أطفال.
وحسب البيانات الرسمية، ارتفعت أعداد المستفيدين من برامج الدعم الحكومي (مثل تكافل) إلى 3.6 مليون أسرة، بإجمالي 11.1 مليون مواطن في 2020 مقارنة بـ63.880 أسرة عام 2015. بينما يبلغ الدعم النقدي الموجه لتلك الفئات 18.5 مليار جنيه، خلال الفترة من يوليو 2019 حتى يونيو 2021، مقارنة بـ6.7 مليار جنيه في 2014/2015.
تبلغ قيمة الدعم، التي يحصل عليها الفرد في مشروع “تكافل” 325 جنيًها شهريًا لرب الأسرة، و80 جنيًها لطفل المرحلة الابتدائية، و100 للإعدادية، و140 للمرحلة الثانوية. بينما يقتصر “كرامة” على توفير دعم مالي شهري يصل إلى 450 جنيهًا لكبار السن فوق 65 عامًا. وحتى تتمكن الأسرة من صرف الدعم بدون توقف يتطلب حضور أبناء الأسرة المدرجة 80% من فترة الدراسة شهريًا.
وحصل برنامج “تكافل وكرامة” على شهادة دولية جديدة بكفاءته ونجاحه في خفض نسب الفقر من خلال البنك الدولي. لكن الإشكالية في مدى تماشيه مع مستوى التضخم المُسجل في فترات طويلة 13%، خلال الفترة التي تقصدها دراسة الجهاز المركزي.
فروق القياس
يبلغ معدل خط الفقر العالمي مستوى 1.9 دولار يوميًا للفرد، وذلك وفقًا لآخر أرقام البنك الدولي. ويعادل هذا الرقم 936 جنيهًا شهريًا. بينما يؤكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن متوسط خط الفقر للفرد بمصر يقدر بـ 857 جنيهًا شهريًا، خلال العام المالي 2019-2020.
ووفقًا للإحصائيات التي عرضها الجهاز بالأمس، فإن الأسرة المكونة من فردين بالغين تحتاج إلى 1932 جنيهًا، والمكونة من أربعة بينهم طفلين تحتاج إلى 3218 جنيهًا حتى تستطيع الإيفاء باحتياجاتها الأساسية. ويشير الجهاز المركزي أيضًا إلى انخفاض نسبة الفقر المدقع بإجمالي الجمهورية عام 2019/ 2020 إلى 4.5%، مقابل 6.2% عام2017/ 2018.
خط الفقر المدقع هو تكلفة توفير الحد الأدنى من السعرات الحرارية والبروتينات اللازمة لقيام الفرد بالنشاط الطبيعي. وذلك وفقًا للمفاهيم العالمية لمنظمة الصحة العالمية وصندوق الغذاء العالمي. وتختلف هذه التكلفة تبعًا لاختلاف المناطق الجغرافية والحضر والريف.
معدل التنمية البشرية ينفي الأرقام المعلنة
وفيما يتعلق بقياس الفقر ، توجد مؤشرات لمستوى المعيشة يمكن استخدامه لقياس مستوى الرفاهية وكيفية التفرقة بين الفقراء وغير الفقراء، غير نسبة الإنفاق على الطعام إلى إجمالي الإنفاق. وهناك عوامل تؤثر في مستويات معيشة الأفراد. مثل خدمات التعليم وجودتها، والرعاية الصحية وتوافرها، ومدى توافر الحياة المأمونة والمسكن الملائم.
اقرأ أيضًا: الفقر لم يعد ريفيًا.. فجوة بين قوانين الحماية الاجتماعية وتطبيقها في الواقع
وتظهر إشكالية حساب الفقر حين يقاس وفقًا لمعدل التنمية البشرية. ففي ديسمبر 2016، نشرت وزارة المالية -عبر موقعها- دراسة تتعلق بالتنمية البشرية، لعدة ساعات قبل أن تحذفها. تضمنت تقدير خط فقر المدقع الغذائي، والذي يمثل كلفة البقاء على قيد الحياة، ويقدر بنحو 2570 جنيهًا عام 2013/2012. ويعتبر الشخص فقيرًا فقرًا مدقعًا على المستوى الغذائي إذا قل إنفاقه عن ذلك الخط، وفق الدراسة.
وأضافت الدراسة أن خط الفقر القومي الذي يتكون من الإنفاق غير الغذائي للأسرة القادرة بالكاد على بلوغ احتياجاتها الغذائية. لكنها تختار ألا تفعل ذلك من أجل الحصول على ما هو أساسي من الحاجات غير الغذائية. إلى جانب خط الفقر الغذائي المدقع، ليكونا معًا خط الفقر الأدنى أو خط الفقر القومي. ويقدر على مستوى الجمهورية بنحو 3920 جنيهًا. هذا المبلغ المقدر بـ 3920 سبب جدلاً كبيرًا، باعتبار أن قطاعات كبيرة في الدولة والقطاع الخاص حينها لا تقترب رواتبها منه، وترددت حينها عبارة “كلنا فقراء”، فُحذفت الدراسة.