لم تتمكن أحزاب المعارضة من الوصول إلى أي مقعد في مجلس النواب الجديد إلى الآن. وهي المرة الأولى في تاريخ البرلمان، التي تشهد أروقته “اختفاءً تامًا” لأصوات تعبر عن وجهة النظر الأخرى. ما يطرح تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى تخلف ممثلي المعارضة عن اللحاق بقطار المجلس.
أسماء قليلة محسوبة على أحزاب المعارضة وائتلافاتها تتنافس حاليًا في جولة الإعادة الأخيرة. إلا أن المؤشرات والتحالفات المسيطرة على المشهد الحالي تشير إلى سقوط جديد قد تُمنى به وجوه المعارضة الباقية.
وفق النتائج المعلنة رسميًا، فإن حضور أحزاب المعارضة بالبرلمان القادم قبل جولة الإعادة الراهنة يقتصر على أسماء قليلة لأحزاب تشبثت بآخر عربة في قطار “القائمة الوطنية من أجل مصر“، تحت زعامة حزب “مستقبل وطن”. وهو الحزب المسيطر على قرابة نصف عدد المقاعد بمفرده. بينما تتقاسم باقي المقاعد 6 أحزاب، بالإضافة إلى تنسيقية شباب الأحزاب والمستقلين.
وتضم الأحزاب المتحالفة مع القائمة: “الإصلاح والتنمية – المصري الديمقراطي – التجمع والعدل”.
اقرأ أيضًا: انتخابات البرلمان.. القائمة المطلقة وتوسيع الدوائر تنهي آمال المعارضة في المجلس الجديد
صوت واحد لا يرغب بأحزاب المعارضة
يرى رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مدحت الزاهد، أن قانوني “الانتخابات وتقسيم الدوائر” كانا سببًا رئيسيًا في عدم التمثيل الحقيقي للمعارضة في البرلمان. ويقول: “القائمة المغلقة، تعني سيطرة (تيار واحد) على نصف مقاعد المجلس، واستبعاد كل القوى الأخرى. ورغم مطالبتنا أكثر من مرة بإقرار القائمة النسبية (الأنسب)، كونها تتيح لجميع فئات المجتمع الوجود في المجلس، إلا أنه لم تتم الاستجابة لنا”.
ويضيف الزاهد، في حديثه لـ”مصر 360″: “بالنسبة لنصف المجلس الآخر المتعلق بمقاعد الفردي، الأزمة كانت في قانون تقسيم الدوائر الانتخابية الذي أقر. إذ قسمت مصر إلى 143 دائرة بدلاً من 205 دوائر كان معمول بها في السابق. الأمر الذي يعني توسيع بعض الدوائر بصورة كبيرة، بما يمنح أصحاب المال السياسي والصوت الواحد القدرة على السيطرة عليها”.
ويشير الزاهد إلى أنه “رغم قراءة الوضع الراهن منذ فترة طويلة، إلا أن العديد من أحزاب المعارضة أصرت على المشاركة من أجل استمرار وجود أصوات تعبر عن وجهة نظر الشارع وقضاياه”. مضيفًا أن هذه الأحزاب ترى في مشاركتها “تأكيدًا على أنه يمكن إحداث تغيير من خلال الصندوق، بعيدًا عن الفوضى”. لكنه لفت إلى الأحداث التي شهدتها العملية الانتخابية بأنها تؤكد عدم الرغبة في وجود معارضة داخل المجلس.
ووفق رئيس حزب التحالف الشعبي، شهدت أيام الانتخابات العديد من الانتهاكات والمخالفات الجسيمة في العديد من الدوائر، سواء بالدعاية الانتخابية أو شراء الأصوات أو عدم منح فرصة لممثلي المعارضة في الظهور الإعلامي. ويؤكد أن انتخابات مجلس النواب 2020، نسخة من انتخابات 2010 الشهيرة، وأنه جرى تشكيل البرلمان الحالي ليكون ذراعًا للقوى التنفيذية وليس ممثلاً للشعب.
مشهد عبثي ضحيته أحزاب المعارضة
من جانبه، وصف رئيس لجنة التنظيم المركزية بحزب المحافظين ورئيس غرفة عمليات الانتخابات المركزية، مجدي حمدان، المشهد الانتخابي الحالي بـ”العبثي”. وأضاف: “انتخابات البرلمان الحالية لا ترقى حتى لمقارنتها بانتخابات 2010. إذ كان هناك استحياءً من قبل الحزب الوطني المنحل في التزوير. لكن الآن التزوير بلا حدود”. مصرحًا بأن الأرقام الواردة “غير منطقية”.
وأضاف حمدان، في تصريحاته لـ”مصر 360″: “دفعنا بحوالي 43 مرشحًا، وكان متوقعًا أن ينجح 18 منهم؛ 12 منهم من الجولة الأولى و6 في الإعادة. وذلك وفقًا لدراسة علمية مبنية على أرقام وشعبية المرشحين في دوائرهم. لكن ما حدث أنه لم ينجح أحد”، متابعًا: “كان لدي مرشح ناجح بـ54 ألف صوت، بينما أظهرت النتيجة أنه لم ينجح”.
وأردف: “هناك حزب جاء لإفساد الحياة السياسية في مصر، واعتمد على شراء الأصوات. تم إقصاء أحزاب المعارضة من المشهد تمامًا. البرلمان القادم لن يكون به حتى 1% معارضة”. مضيفًا: “لا توجد حياة سياسية في مصر”.
ووفق رئيس لجنة التنظيم المركزية بحزب المحافظين، رُصدت انتهاكات عديدة في الانتخابات، أبرزها شراء الأصوات، إلى جانب مخالفات أخرى. طالب الحزب الهيئة الوطنية للانتخابات بالبت فيها أو إرسال أحد مندوبيها لإطلاعه عليها. “لكن لم يتم الرد علينا، وقدمنا طعونًا وتظلمات في الانتخابات، رُفضت كلها”، على حد قول حمدان.
اقرأ أيضًا: جورج إسحاق: مشاركة المعارضة في القائمة الوطنية انتهازية وليست براجماتية | حوار
ورأى نائب رئيس حزب الكرامة، عبد العزيز الحسيني، أنه لا يمكن وصف ما حدث خلال الأيام الأخيرة بـ”الانتخابات”. وأنه لا يمكن لوم الأحزاب سواء على عدم المشاركة أو عدم نجاح مرشحيها في ظل الحصار المفروض حاليًا. كما أشار إلى أن “الحياة السياسية في مصر تزداد ضمورًا”، على حد قوله.
وأضاف في حديثه لـ”مصر 360”: “الانتخابات البرلمانية شهدت أمورًا غريبة لم تحدث من قبل. والقوائم التي خاضت الانتخابات شهدت مشاركة أحزاب الموالاة مع المعارضة، إضافة إلى الحزب الوطني. وحتى لم يتم الإعلان عن برنامج القائمة المفترض أن تنفذه خلال السنوات الخمس المقبلة”.
وعن الدور الذي يمكن أن تقوم به الأحزاب المدنية خلال السنوات المقبلة، قال نائب رئيس حزب الكرامة: “لا يوجد أحزاب في مصر حاليًا. المشهد الحالي والمناخ السياسي (خنق الأحزاب). لم يعد هناك سوى كيان يطلق عليه اسم حزب لا يملك أيدلوجية واضحة أو برنامج يعبر عنه”.
المال السياسي
وعزى عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي، خالد عبد العزيز، إخفاق أحزاب المعارضة في الانتخابات إلى المال السياسي. وقال إن شراء الأصوات سيطر على المشهد الانتخابي الحالي. ووصف ما حدث بـ”مهزلة”. كما لفت إلى أن أحزاب المعارضة لم تكن تستطيع المنافسة في الانتخابات أمام مرشحين ينفقون أكثر من 30 مليون جنيه.
وأشار عبدالعزيز إلى أنه لم يكن لدى أحزاب المعارضة القدرة على المنافسة في الانتخابات. وأضاف أنه رغم الدفع بالعديد من رموز المعارضة المؤثرين والمعروفين بقوتهم في دوائرهم. فإن الوضع الاقتصادي الراهن، والبذخ الكبير الذي حظى به المنافسين في الدعاية الانتخابية وتقديم الرشاوى الانتخابية، حال دون صمود المعارضة.
وبرر القيادي بالحزب المصري الديمقراطي، هلال عبد الحميد، فشل أحزاب المعارضة إلى وجود مخالفات كبيرة جرت خلال العملية الانتخابية. مستشهدًا بما حدث مع النائب محمد فؤاد في الانتخابات بدائرة العمرانية. وأشار إلى عدم اتخاذ الهيئة الوطنية للانتخابات أي موقف تجاه ذلك، بعد الطعن في عدد المشاركين في التصويت.
اقرأ أيضًا: المبادئ أم المقاعد؟.. سؤال المعارضة في انتخابات البرلمان
أحزاب القائمة
وعن إمكانية التحالف مع الأحزاب المشاركة في البرلمان تحت مظلة “القائمة الوطنية“، أوضح رئيس التحالف الشعبي أنه يمكن التوافق معها بشأن العديد من القضايا، أو الاعتراض على أوضاع موجودة. إلا أنه لن يتم الانضمام إلى كيان واحد معها، في ظل تخليها عن مواقفها وبرامجها بالانتماء إلى أحزاب الموالاة في تحالف واحد، على حد قوله.
وشدد رئيس لجنة التنظيم المركزية بحزب المحافظين على أن الأحزاب التي انضمت إلى ائتلاف القائمة الوطنية لا تعبر عن المعارضة إطلاقًا. وأنه لا يمكن وصفها بأحزاب معارضة. مشيرًا إلى أن مشاركتها عبر القائمة “غير منطقية”، وأنها لن تتمكن من تقديم مشاريع قوانين تخالف التوجهات الأساسية لأحزاب الموالاة الموجودة معها.
وعلى الرغم من انقطاع الاتصالات بين الجانبين، والموقف الصارم الذي اتخذته بقية الأحزاب تجاه الانضمام للقائمة، فإن هلال عبد الحميد يرى إمكانية عودة أحزاب القائمة الوطنية إلى صف القوى المدنية في المستقبل القريب، والتوافق مجددًا.
وانطلقت جولة الإعادة الأخيرة في محافظات المرحلة الثانية من انتخابات البرلمان اليوم الإثنين، وتستمر إلى غدٍ الثلاثاء. على أن تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات عقب ذلك النتائج النهائية في موعد أقصاه 14 ديسمبر. ثم يعقب ذلك عقد جلسة أخيرة لمجلس النواب المنتهية ولايته في اليوم التالي. ثم دعوة رئيس الجمهورية لانعقاد المجلس في تشكيله الجديد، بعد استخدام صلاحياته الدستورية في تعيين 28 عضوًا بالمجلس، قبل 10 يناير المقبل.
ويتنافس 200 مرشح على 100 مقعد في جولة الإعادة في محافظات المرحلة الثانية. وهي: القاهرة، والقليوبية، والدقهلية، والمنوفية، والغربية، وكفر الشيخ، والشرقية، ودمياط، وبورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، وشمال سيناء، وجنوب سيناء. وسبق أن حُسم مصير 468 مقعدًا في مرحلتي الانتخاب في محافظات المرحلة الأولى، والجولة الأولى من الانتخابات في محافظات المرحلة الثانية.