يشكل عقد القمة الافتراضية لمنطقة التجارة الأفريقية، التي شارك فيها رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي، مؤخرا، حرص أفريقي على تحقيق التكامل الاقتصادي القاري باعتباره الرافعة المناسبة لتحقيق تقدم تنموي إفريقي على جميع المستويات. وذلك في محاولة للقفز علي مراحل طويلة من الاستغلال الاستعماري للموارد الطبيعية في القارة الذهبية، والذي يعد أحد أهم عوامل إفقار القارة التي تعاني من مفارقة أنها أغني قارات العالم ولكن يعيش فيها أفقر البشر .

أما على المستوي الدولي فإنه من شأن النجاح في الإنتهاء من كل الأطر التفاوضية المتبقية في اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية أن تُعزز من الموقف الإفريقي التفاوضي في المحافل الاقتصادية والسياسية الدولية.

وبطبيعة الحال يلعب ضعف الاقتصادات الأفريقية علي المستويين القطري والقاري دورا محوريا في ضعف مؤسسة الدولة في أفريقيا، خصوصا جنوب الصحراء، حيث يلعب العامل الاقتصادي دورا في النزاعات الداخلية المسلحة، وتمدد التيارات الفكرية المتطرفة، وكذلك بروز الهجرة غير الشرعية، فضلا عن فقدان القارة لطاقات شبابها خصوصا نخبها المتعلمة لصالح الغرب في عملية مستمرة لنزيف العقول الأفريقية.

القمة الافتراضية للتجارة الحرة الأفريقية مناسبة للتعرف عن ملامح الحلم الأفريقي

ولعل حدث انعقاد القمة الافتراضية للتجارة الحرة الأفريقية مناسبة للتعرف عن ملامح الحلم الأفريقي في التكامل الاقتصادي.

متي بدأ تبلور الحلم ولماذا وماهي التحديات التي تقف أمامه في هذه اللحظة رغم إعلان إنطلاق منطقة التجارة الحرة الإفريقية رسميا في مايو ٢٠١٩ في النيجر بمجهود مصري واضح على وقت ترأس القاهرة للاتحاد الأفريقي.

كما لاتزال تدفع لتشجيع باقي الدول الأعضاء التي لم تُصدق بعد على اتفاقية التجارة الحرة على القيام بعد الخطوة، وذلك لتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية بشكل كامل في أقرب وقت ممكن.

وقد بدأ الوعي الأفريقي بأهمية التكامل الاقتصادي الأفريقي، بدأ حينما  اعتمدت منظمة الوحدة الأفريقية- قبيل تكوين الاتحاد الأفريقي عام ٢٠٠٢ – خطة عمل لاجوس فى عام 1980، مستهدفة الوصول إلى محطتها الأخيرة بحلول عام 2028 مستهدفة حجما للتبادل التجاري البيني في أفريقيا لايقل عن 50% بحلول عام 2050.

وقد شجعت هذه الخطة على إتباع نهج إقليمى لزيادة التنمية الاقتصادية بأفريقيا، وتشجيع التبادل التجاري بين دول القارة، وهو ما أدى فى فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين الى انتشار منظمات التكامل الاقتصادى الاقليمى فى القارة. وذلك بقمة واجادوجو (مارس 2006) حيث تم اعتماد عدد من التجمعات الأفريقية الإقليمية، تحددت في ثمانية تجمعات رئيسية هى: الكوميسا COMESA، والسادك SADC، والإيكواس ECOWAS، والسين صاد CEN SAD، والإيكاس ECCAS، والإيجاد IGAD، واتحاد المغرب العربي UMA. وتجمع شرق افريقيا( EAC).

ويمكن القول إن هذه التجمعات قد حققت تقدما نسبيا في عملية التكامل الاقتصادي الجهوي، حيث حقق الاتحاد الجمركى لأفريقيا الجنوبية – على سبيل المثال – تقدما ملحوظا فى تحرير حركة عوامل الانتاج من خلال إزالة الحواجز الجمركية والتجارية بين دول الاتحاد.

كما نجح الاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب افريقيا فى انشاء نظام لسياسات الاقتصاد الكلى من خلال وضع هيكل للمحاسبة المشتركة تتم مراجعته بين الدول الاعضاء بانتظام بالاضافة الى انشاء أسوقا للاوراق المالية ،حيث نجحت السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا فى رفع حجم التجارة البينية للسوق من 3.1 مليار دولار عام 2000 الى 12.7 مليار دولار عام 2009 ثم الى 17.4 مليار دولار عام 2010 ,كما ارتفعت التجارة البينية فى تجمع شرق أفريقيا بنسبة 49% بعد اطلاق مشروع الاتحاد الجمركى داخل التجمع .  لكن يظل الاتجاه العام هو تواضع الانجازات التى حققتها ظاهرة الاقليمية فى افريقيا خصوصا وأن أرقام التبادل التجاري الإفريقي لم تحقق تقدما خلال العقد الماضي إالا بمقدار 5% حيث سجلت وذلك من واقع أن دي حجم التجارة البينية الإفريقية لايتعدي  15% في 2018 ,بينما،في حين سجلت أوروبا نحو 69%، وسجلت آسيا 60% في حجم التجارة البينية لكل قارة.

وربما يكون التعدد الجهوي للتنظيمات الاقتصادية  الأفريقية علي مدي العقدين الماضيين وراء بروز المشكلات، نتيجة عضوية الكثير من هذه الدول الى أكثر من تجمع، الأمر الذي ساهم عمليا في تعقيد عملية التكامل الأفريقية، بسبب تداخل العضوية والالتزامات, والافتقار إلى التنسيق الأفقى بين هذه التنظيمات حيث تعمل بشكل منعزل, وهو ما يفسر – إلى حد كبير – تواضع الإنجازات التى حققتها التجمعات الأقليمية الأفريقية حتى الىن, سواء فيما يتعلق بالتجارة الأقليمية أو النمو الاقتصادى.

لقمة الافتراضية لمنطقة التجارة.. ماذا تبقى من حزمة التحديات؟

أهم التحديات التي تقف أمام الاندماج التجاري الأفريقي هي حالة البنية التحتية المؤثرة علي قطاع النقل البري، ولعل هذا مايفسر اهتمام مصر بأمرين تدشين طرق برية تساهم في التشبيك مع كل من جنوب مصر وغربها حيث تم التواصل البري مع كل من  السودان وإرتيريا، كنقطة انطلاق لطريق القاهرة كيب تاون في جنوب أفريقيا.

كما تضع مصر علي أجندتها تشبيك السكك الحديدية مع السودان طبقا لما أعلنه كامل الوزير وزير النقل المصري. كما يوجد مشروع مصري للتواصل البري مع تشاد بدأ الإهتمام به منذ زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتشاد عام ٢٠١٨،حين وعد أن يكون لأنجمينا منصة تجارية علي المتوسط .

أما على المستوي الأفريقي، تهتم أجندة الاتحاد الإفريقي 2013-2063 بمعالجة مسألة ضعف البنية التحتية حيث وضعتها كأحد أهم الأهداف في هذه الأجندة، كما تعتبر أن الحوكمة والحكم الرشيد أحد أهم الروافع للتعاون الإقتصادي الإُفريقي الذي تقاومه الشركات العابرة للجنسيات كأحد الآليات الجديدة في إستنزاف موارد القارة الإفريقية، حيث تعتمد هذه الشركات علي إفساد النخب السياسية كأحد أهم الآليات للوصول إالي الموارد بعوائد إقتصادية غير عادلة .

اقرأ أيضا:

كيف تكسر القاهرة جمود 40 عاما مع أفريقيا؟

 

أما على المستوى الفني، هناك بعض النقاط التي لا تزال عالقة وتم مناقشتها في القمة الافتراضية، منها الاتفاق عليىقواعد المنشأ، وحماية المنافسة، وقواعد الاستثمار. وربما تكون مسألة تقنين قواعد المنافسة بين الدول هي الأكثر حساسية حيث تستخدم الحكومات الأفريقية الإجراءات الحمائية لتخفيف العب عن شركات الدولة، مثل خطوط الطيران الوطنية.

وهناك نحو 70% من جميع الطرق الجوية، من أفريقيا جنوب الصحراء أو داخلها، بها ناقل جويّ واحد يُسيّرها، وفقًا لـCirium، وهي شركة بيانات.

حيث مُنِعَ الداخلون الجدد في الغالب من العمل في سماوات جديدة بسبب عوائق تنظيمية أو بسبب عدم تمكنهم من المنافسة مع الشركات العاملة المدعومة.

وفيما يخص قواعد الاستثمار البيني الأفريقي فتعد المؤسسات المالية القارية هي الروافع الحقيقية لها، وهي مسألة مازالت تواجه عقبات منها إنشاء كل من: البنك المركزى الأفريقى، وصندوق النقد الأفريقى وبنك الاستثمار الأفريقى.

وقد اختيرت أبوجا، مقراً للبنك المركزى الأفريقى، واختيرت طرابلس مقراً لبنك الاستثمار الأفريقى، وياوندى مقراً لصندوق النقد الأفريقى.

لكن تلك المؤسسات لم تخرج للنور حتى الآن، فى ظل غياب التوافق بشأنها، وافتقار العديد من الدول الأفريقية للنظم المصرفية الحديثة.

أجندة 2063

وهذا يمثل تأخراً فى تحقيق أهداف أجندة 2063، التى حددت العام 2016 لإقامة بنك للاستثمار الأفريقى، وسوق للأسهم الأفريقية، وكذا إنشاء صندوق للنقد الأفريقى بحلول 2018. لكن أيا من تلك الأهداف لم يتحقق حتى الآن.

وفى ذات الاتجاه، طرح البعض أفكاراً حول إنشاء المزيد من المؤسسات المالية الأفريقية مثل: البورصة الأفريقية المشتركة، وصندوق التضامن لتخفيف آثار ارتفاع أو إنخفاض أسعار البترول، ومجلس تنسيق السياسات فى مجال التبادل السلعى. وبالفعل عقدت سلسلة من المفاوضات حول إقامة تلك المؤسسات.

وانتهت المفاوضات إلى الموافقة على تشكيل لجنة مشتركة بين مجلس محافظى البنوك المركزية الأفريقية والاتحاد الأفريقى لبحث سبل تأسيس البنك المركزى الأفريقى، وتقديم المشورة حول تشكيل كل من بنك الاستثمار الأفريقى، وصندوق النقد الأفريقى.

و يبدو أن معالجة التحديات الباقية لتفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية على النحو المطلوب مرتبط بضرورة بذل مجهود مضاعف من دول القارة الكبري مثل مصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا. وكذلك كل من غانا والسنغال في غرب القارة.

وربما يكون وعي الشباب الأفريقي الراهن بضرورات التحرر من كل أشكال الاستعمار الغربي الجديدة هي الوقود الدافع في المرحلة المقبلة لخلق الاندماج الأفريقي على النحو الذي نتمني ألا تنتهي أعمارنا قبل أن نراه واقعا معاشا.