كتبت: خولة الفرشيشي – تونس

خلال الأيام القليلة الماضية، شهدت تونس أزمة سياسية، على ضوء تصريحات نائب البرلمان عن كتلة ائتلاف الكرامة، محمد العفاس، التي قال فيها إنه لا يعترف إلا “بتطبيق الشريعة الإسلامية وأحكامها على الأمهات العازبات”.

ووصلت الأزمة إلى حد وقوع عراك بالأيدي بين النواب تحت قبة البرلمان، أمس الإثنين. إذ أقدم نائب ائتلاف الكرامة على الاعتداء على أنور بالشاهد، النائب بكتلة التيار الديمقراطي، لمنعه من اتخاذ موقف رسمي من تصريحات العفاس.

قضية “الأمهات العازبات” تشعل البرلمان.. “خطاب كراهية وتكفير”

تصريحات النائب عن الائتلاف ذي الخلفية الدينية، ثم حادثة الاعتداء على أنور بالشاهد؛ أثارت ردود فعل واسعة على الساحة التونسية. حتى أصدر اتحاد الشغل التونسي، أحد أطراف الحوار الوطني في تونس، بيانًا ندد فيه بما وصفه بـ”العنف وخطاب الكراهية والتكفير” من قبل نواب كتلة ائتلاف الكرامة. كما ندد بتصريحات النائب التي اعتبرها “مسيئة ضد المرأة التونسية”.

وانتهى بيان اتحاد الشغل التونسي، بوصف كتلة ائتلاف الكرامة بـ”كتلة ائتلاف الإرهاب الهجينة المتخفية بالحصانة البرلمانية”.

وائتلاف الكرامة هو تحالف سياسي جمع شخصيات وأحزاب سياسية أغلبها ذات مرجعية دينية. وخاض هذا التحالف الانتخابات التشريعية في 2019، ثم تأسس كحزب سياسي في يناير 2020.

وفي تصريح إعلامي لإحدى الإذاعات الخاصة لرئيسة جمعية النساء الديمقراطيات، أكبر الجمعيات النسوية في تونس، قالت يسرى فراوس، إنّ أنصار كتلة ائتلاف الكرامة سبق لهم أن “هددوا باغتصاب النساء الديمقراطيات”.

اقرأ أيضًا: “ارحلوا عنا”.. “الدستوري الحر” يواصل معركته ضد “اتحاد القرضاوي” في تونس

كذلك أصدرت جمعية النساء الديمقراطيات بيانًا علقت فيه على تصريحات النائب محمد العفاس. ووصفةته إياه بـ”المتطرّف المستتر بغطاء الدولة المدنية الضامنة للحريات من أجل الترويج لأفكاره الإرهابية”.

“أخطر ما في خطاب العفاس هو حديثه بضميري نحن وهم”، تقول الناشطة النسوية وعضو جمعية النساء الديمقراطيات، رجاء الشامخ. وتوضح لـ”مصر350″: “هذه عقلية تقسم الشعب التونسي. والمقصود بـ هم طبعًا كل من لم يؤيد موقف العفاس وجماعته”.

وقالت الشامخ إن العفاس “يستغل وجوده في البرلمان، ليصف الديمقراطية والحرية بالعهر، ويختصر الفساد في جندر معيّن: المرأة، ونوع واحد: الجنس. وكأنّ الرشوة ليست فسادًا ولا العنف والقمع فساد”.

حرية تعبير أم عنف ورفض لحقوق الأمهات العازبات؟

وفي الثالث من ديسمبر الجاري، وخلال جلسة برلمانية مخصصة لمناقشة مشروع ميزانية وزارة المرأة والأسرة وكبار السن، أطلق العفاس تصريحات وصفها حقوقيون بالمناهضة للمرأة. قال فيها، إن “إن حرية المرأة لدى المتاجرين بقضاياها هي حرية الوصول للمرأة، وانحلال وفسوق وفجور”.

وأشار العفاس في حديثه إلى قضية الأمهات العازبات، حين قال: “عندما نتكلم عن الضوابط والحياء يتهموننا بالظلامية والرجعية. ومكاسب المرأة عندهم هي الأمهات العازبات، والإنجاب خارج إطار الزواج، والإجهاض، وممارسة الرذيلة، والشذوذ الجنسي”.

أثارت تصريحات العفاس حفيظة قطاع واسع من التونسيين، خاصة العاملين في المجال الحقوقي. ووصل الأمر لدرجة وصف تصريحاته بـ”الداعشية”. وزاد الأمر بما اعتبره البعض خطوة استفزازية من زميله النائب عن ائتلاف الكرامة، عبداللطيف العلوي، حين نشر صورة تجمع العفاس بزوجته، مع تعليق: “هؤلاء هنّ حرائرنا اللواتي تحدث عنهن حبيبنا الدكتور العفاس، درس تطبيقي في فنّ الرجولة النسائية”.

شجار البرلمان التونسي

وعقب تصريحات العفاس، أصدرت مؤسسات ومنظمات حقوقية نسوية بيانات إدانة لكلام نائب ائتلاف الكرامة, كذلك نددت الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام، بتصريحات العفاس، واصفة إياها بـ”العنف اللفظي”، معتبرة، في بيان لها، أن تصريحات النائب “عودة لمسرح بث الفوضى وتغلغل ثقافة التمييز واللا احترام ضد المرأة”.

ثم في صبيحة أمس الإثنين، تطور الأمر إلى الاعتداء بالعنف على أحد نواب كتلة التيار الديمقراطي أنور بن الشاهد، وذلك بعد مطالبة كتلته باتخاذ موقف رسمي ضدّ التصريحات التي قال إنها “مسيئة للمرأة التونسية”.

وفي تصريحات إعلامية، قال الشاهد إنه تعرض للاعتداء من قبل نواب عن اتئلاف الكرامة، بالعصي وقوارير المياه، الأمر الذي كذبه رئيس كتلة الكرامة، سيف الدين مخلوف.

من جانبه، علّق القيادي بحزب تحيا تونس، أحمد فرحات الحمودي، على حادثة الاعتداء على الشاهد، قائلًا لـ”مصر360″، إن “ما أتاه نواب هذه الكتلة التي تعادي كل أركان الدولة الوطنية، هو جريمة نكراء ثبت تلبسهم بها”، مؤكدًا أنه بحسب الفصل 66 من الدستور، “يجب تجريدهم من صفاتهم كنواب، وتقديمهم للعدالة كمجرمين”.

اقرأ أيضًا: سيناريو افتراضي.. ماذا لو اختفى “الإخوان” من تونس؟

الرئاسة تتدخل لفض الاشتباك

وعلى خلفية ما حدث، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد، عددًا من نواب كتلة التيار الديمقراطي. ثم خرج في كلمة عبر التلفزيون الرسمي التونسي، ألمح فيها بأن ما حدث “يمهد لإسقاط الدولة”. وقال سعيد: “من يتوهم أنه يمكنه أن يستعين ببعض الخونة والمجرمين فهو واهم”.

على ذلك، رد رئيس كتلة ائتلاف الكرامة، سيف الدين مخلوف، على كلمة الرئيس التونسي بقوله إنه لا يعترف بقيس سعد رئيسًا، وأنه، أي سعد، “لا يستحق الاحترام”، على حد تعبيره، مهددًا باللجوء للشارع بقوله: “الشارع سيحسم المسألة”.

https://www.youtube.com/watch?v=aypMoiw5Q7Q

دعوات تظاهر ومطالب بحل البرلمان

يعيش الشارع التونسي غليانًا شعبيًا بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 2011، والتي يرى قطاع واسع من التونسيين أنها لم تنجح في تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية.

على ذلك، دعا نشطاء سياسيون ومثقفون لتظاهرات في 17 ديسمبر الجاري، ذكرى انطلاق شرارة الثورة التونسية. ويطالب دعاة التظاهرة إلى إسقاط البرلمان الذي تسيطر عليه القوى السياسية ذات الخلفية الدينية.

وعلى وقع ما حدث مؤخرًا، والاعتداء على نائب التيار الديمقراطي؛ وجدت دعوات التظاهر صدى واسع بين قطاعات من الشعب التونسي، فيما تتجه أنظار البعض إلى اتخاذ الرئيس قيس سعد خطوات راديكالية لحل البرلمان، والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة. ولعل الفيصل في ذلك حال الشارع في الذكرى العاشرة للثورة، 17 ديسمبر 2020.