التلاسن الذي وقع بين الأمير تركي بن فيصل بن عبد العزيز، وأحد أهم أقطاب الجيل القديم في الأسرة المالكة السعودية، وبين وجابي أشكنازي وزير الخارجية الإسرائيلي، في مؤتمر دولي بالمنامة مساء الأحد الماضي؛ يكشف عن عدة موشرات مهمة حول احتماليات التطبيع السعودي مع إسرائيل

أولاً: أن التوجه نحو الإسراع بالتطبيع مع إسرائيل الذي ينسب لولي العهد الشاب محمد بن سلمان، لا يلقي حتى الآن إجماعًا داخل الأسرة، وأن الجيل القديم بما فيهم والده الملك سلمان، ليس مستعدًا بعد لخطوة سريعة جدًا من هذا النوع، فقدامى الأسرة الحاكمة يعرفون بحكم تمرسهم وخبراتهم المتراكمة أن الهرولة في اتجاه تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال ستجد من ناحية مقاومة من المجتمع السعودي التقليدي، وهو ما سيؤثر على شرعية النظام السياسي وعلى درجة الرضا العام عليه.

التوجه نحو الإسراع بالتطبيع مع إسرائيل الذي ينسب لولي العهد الشاب محمد بن سلمان، لا يلقي حتى الآن إجماعًا داخل أسرة آل سعود

ومن ناحية أخرى سيهدد بإنهاء ما تبقى من قوة ناعمة سعودية في ميدان كرست له عشرات المليارات من دعاية وخطاب سياسي على مدى ستة عقود، قدمت فيها المملكة نفسها على أنها حامية الإسلام والقضايا الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والقدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين.

اقرأ أيضًا: إسرائيل المستفيد.. وإيران تدفع قطار التطبيع نحو العرب

ثانيًا: إن السعودية ليست مستعدة لاتخاذ خطوة تطبيع سريعة، تبدو فيها وكأنها تلحق بالإمارات العربية المتحدة، وتحذو حذوها، وبالتالي تعطي انطباعًا بأن مقعد القيادة والمبادرة السياسية في منطقة الخليج العربي، انتقل من الرياض إلى أبوظبي، خاصة مع اتخاذ الأخيرة العديد من المبادرات المنفردة في اليمن وشرق أفريقيا وغيرها من المناطق، بدا فيها وأنها تضع المملكة أو الأخ الأكبر أمام أمر واقع.

ثالثًا: هذا الاختلاف حول التطبيع السريع مع إسرائيل داخل الأسرة المالكة بين تيارين وجيلين (قارن تصريحات الأمير تركي بن فيصل بن عبد العزيز الناقدة  لإسرائيل، بتصريحات جيل أقل في العمر، والمؤيدة للخطوة الإمارتية، والمتعاطفة مع التحرك في اتجاه إسرائيل، مثل تصريحات بندر بن سلطان بن عبد العزيز، والذي صعب على الطرفين إخفاؤه من الإعلان عن نفسه) يعكس فيما يبدو خلافات حول نسق أكبر وعدد من القضايا المعقدة التي تواجه الرياض، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. وهي مرشحة للتزايد مع وصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن.

رابعًا: هذه الخلافات تعكس أيضًا، بوضوح تام، أن الأمر لم يستتب تمامًا لمحمد بن سلمان في تولي زمام القيادة منفردًا في الرياض. وأن خطوة مبكرة لتنازل الملك سلمان لولده عن الحكم هو أمر غير مرجح الآن، قبل التوصل لتوافق عام داخل آل سعود، أو حتى تمكن الأمير الشاب من إخضاع بقية جيوب المعارضة لنفوذه المطلق داخل الأسرة. فما كان الأمير تركي، المطلع بدقة على موازين القوى داخل النظام السعودي، ليخطئ في حساباته، ويعلن عن موقف قد يدخله في مواجهة مع ولي العهد القوي.

خامسًا: المشكلة الرئيسية أن قضية إقامة السعودية علاقات مع إسرائيل، مع كل الخسائر التي ستلحق بها وبنفوذها المعنوي في العالم العربي والإسلامي، ومهما تردد الجيل القديم للأسرة السعودية في إبرامها (مثلما حدث للأسف مع مصر بعد معاهدة السلام وحتى الآن)؛ يكاد يكون حتميًا، مهما تم تأجيله وإبطاء تنفيذه، مادامت السعودية مصممة على اعتبار أن إيران هي التهديد الرئيسي للأمن السعودي والعربي.

السعودية ليست مستعدة لاتخاذ خطوة تطبيع سريعة، تبدو فيها وكأنها تلحق بالإمارات العربية المتحدة، وتحذو حذوها

وأن التناقض مع الجارة إيران، هو تناقض رئيسي، أو صراع صفري غير قابل لحلول تفاوضية. وهذه الثغرة التي دخل منها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واليمين المسيحي الإنجيلي الداعم للمشروع الصهيوني، وهو وراء المعادلة الاسترتيجية المضللة والمدمرة للعالم العربي ومستقبله، التي تروج لها إسرائيل، وهي أن العالم السني وإسرائيل حلفاء في مواجهة الخطر الإيراني والشيعي، وهذه صيغة ضد كل حقائق التاريخ والجغرافيا والميراث المشترك في الحضارة الإسلامية لإيران والعالم العربي.

اقرأ أيضًا: بعد الإمارات والبحرين.. هل يتجه قطار التطبيع الإسرائيلي نحو قطر؟

سادسًا: لن يكون الحل الذي يوقف الاندفاع إلى خطر تطبيع سعودي مع إسرائيل كما طالب الأمير تركي بن فيصل إسرائيلَ بشيء يعلم تمام العلم أنها لن تفعله، ولو قامت ألف حرب بينها وبين العرب؛ وهو قبولها مبادرة السلام العربية التي هي في عرف إسرائيل وأمريكا، ماتت وشبعت موتًا، وإنما قد يكون في العودة إلى صيغة عربية واقعية تتعامل مع إيران كحقيقة حضارية وجغرافية طبيعية في المنطقة، وأن تفعل إيران نفس الشيء، بما في ذلك الكف عن بعض التصريحات الإيرانية التي تتسم  بنزق سياسي يخيف جيرانها. وأن تبدي إيران جدية في مناقشة برنامجها النووي و تداخلاتها العربية بصورة عقلانية وروح تفاوض مرنة.