كتب: كريم شفيق وهبة الحنفي

خلال الأيام الماضية، ظهرت مؤشرات لانفراجة قريبة في العلاقات الخليجية الخليجية، بجهود كويتية ورعاية أمريكية لرأب صدع العلاقات المقطوعة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى.

الجهود التي كللت حتى الآن ببيانات “إيجابية” من قبل السعودية وقطر، والكويت كوسيط؛ لم تصل بعد لنقطة إنهاء الخلاف تمامًا.

غير أنه، اليوم الثلاثاء الثامن من ديسمبر 2020، صدر عن القاهرة أول تعليق رسمي على جهود المصالحة مع قطر، والذي جاء في بيان مقتضب لوزارة الخارجية المصرية، قالت فيه:

المصالحة

لم يكشف التعليق المصري عن كثير بخصوص ما ت=قد تؤول إليه جهود المصالحة، وإن إشار إلى أن الجهود تضم الرباعي العربي، ليس السعودية فقط، مع تأكيد مصري على ضرورة “حل شامل يعالج كافة أسباب الأزمة”، وتأكيد آخر على ضمان “الالتزام بدقة وجدية بما سيتم الاتفاق عليه”.

خصوصية الموقف المصري من المصالحة مع قطر

في يونيو 2017، أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة قطر، التي اتهمتها الدول الأربعة لدعم وتمويل الإرهاب. وحدد الرباعي العربي قائمة بالشروط التي بموجب تحقيقها يمكن العودة عن قرار المقاطعة.

وعلى مدار الفترة اللاحقة، تعددت أشكال الوساطة الإقليمية لحل الأزمة وإنهاء المقاطعة التي كانت لها تداعياتها الاقتصادية على قطر. ورعت الولايات المتحدة جهود الكويت في أغلب الأوقات لتقريب وجهات النظر بين الطرفين. غير أن كل الجهود باءت بالفشل، حتى جاء بيان الكويت أخيرًا ليشير إلى ترحيب قطري سعودي بمبادرة مصالحة، في حين التزمت كل من مصر والإمارات والبحرين، الصمت، قبل أن تعلق مصر اليوم.

اقرأ أيضًا: مصالحة قطر والسعودية.. الثابت والمتحول في الأزمة الخليجية

خصوصية الموقف المصري من أزمة العلاقات مع قطر، بدت واضحة بعض الشيء في التعليق المقتضب من وزارة الخارجية، من جهة التأكيد على ضرورة ضمان “الالتزام بدقة وجدية بما سيتم الاتفاق عليه”. وتأتي “خصوصية” الموقف المصري من أن القاهرة اتخذت قبل قرار المقاطعة في 2017، قرارًا منفردًا بمحاصرة الإخوان المسلمين، وتجفيف كافة مصادر تمويلهم، وبالطبع قطر تأتي على رأس داعمي التنظيم”، كما قال مدير السياسات بمركز الإنذار المبكر للدراسات السياسية والأمنية، الباحث المصرية أحمد الباز لـ”مصر360″.

المصالحة مع قطر
تلوح بوادر مصالحة بين الرباعي العربي وقطر بعد قطع العلاقات معها قبل نحو أربع سنوات

ويلفت الباز إلى عدم وجود “ارتباط تنظيمي بين مصر والمجموعة الثلاثية الخليجية”، يعني بذلك أن مصر ليست عضوًا في مجلس التعاون الخليجي، “بما لا يجعلها تحت ضغط التفكير بشأن مستقبل المجلس أو موقعها فيه”. لكن من جهة أخرى، أشار بيان الخارجية المصرية إلى التزام القاهرة بـ”الحفاظ على التضامن والاستقرار والأمن العربي”، تأكيدًا على أحادث سابقة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد فيها التزام مصر بأمن واستقرار الخليج.

وعلى هذا، يرى السفير محمد مرسي، آخر سفراء القاهرة بالدوحة، أن بيان الخارجية المصرية “يؤكد مجددًا الرغبة الثابتة لدى مصر في رأب الصدع العربي ودعم التضامن العربي”، قائلًا لـ”مصر360″، إنهما “مبدآن لا تحيد عنهما السياسة الخارجية المصرية منذ أمدٍ بعيد”.

ومع دعوته إلى “المرونة اللازمة” لإنجاح مفاوضات المصالحة مع قطر بوساطة كويتية ورعاية أمريكية، يعتقد مرسي أن مصر ستتمسك بـ”مبادئ أساسية” للمصالحة، مشيرًا إلى مسألة “عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة الدول”. يتفق أحمد الباز مدير السياسات في مركز الإنذار المبكر مع هذا الطرح، مؤكدًا أنه إذا كان الثلاثي الخليجي (السعودية، الإمارات والبحرين) أو بعضه، لديه القابلية لإعادة النظر في الموقف القطري الداعم للإخوان المسلمين، على ضوء مستجدات دولية، إن مصر “لن تقبل وليست مضطرة للتماهي مع هذا التحول المفاجئ”، على حد قوله.

الحل هو الحل

على ما يبدو، ووفقًا لتعليقات المصادر التي تحدث إليها “مصر360″، ستتمسك مصر بأن يكون حل الأزمة مع قطر، مبنيٌ على حل الدور الوظيفي للإسلام السياسي متمثلًا بشكل أساسي في جماعة الإخوان المسلمين.  يقول الباز: “سيكون على الدوحة أن تبدي حسن النية أولًا وتتفهم القلق المصري من تنظيم الإخوان المسلمين، وألا تستمر في استخدامه كوكيل لتوجيه ضربات مؤذية للأمن والاستقرار المصري”.

لكن، هل ستلتزم قطر بتطبيق الشروط التي سبق أن أعلن عنها الرباعي العربي؟ لا تعليق من أي مصادر رسمية على هذه النقطة التي مثلت على مدار قرابة أربع سنوات، عائقًا أمام المصالحة مع قطر، من جهة تمسك قطر بتجاوز الشروط في مفاوضات المصالحة، في مقابل تمسك الرباعي العربي بالقبول بالشروط.

وكانت من بين شروط الرباعي العربي الـ13، بالإضافة إلى قطع قطر علاقاتها بجماعة الإخوان المسلمين، إغلاق قناة الجزيرة، وهو ما أشار إليه أستاذ العلوم السياسية، والوزير الأسبق، علي الدين هلال بقوله لـ”مصر360″: “نشأت مواقف من دولة قطر في المجال الإعلامي من خلال قناة الجزيرة، أدت إلى مواقف مشتركة من الربيع العربي”.

اقرأ أيضًا: لماذا من حقي انتقاد الإسلام السياسي؟

ويقرأ علي الدين هلال، بيان الخارجية المصرية في إطار “رغبة مصر في وضع الضوابط والخطوات التي تضمن نجاح جهود المصالحة”، لافتًا إلى “إفساد قطر محاولات صلح سابقة”، رغم أنه يرى ضرورة “عدم استباق الحكم على قطر، إذ يجب بدء هذه المرحلة بحسن النوايا”، وأيضًا ضرورة “الاتفاق على آلية تنفيذ (المصالحة)، إذ يجب تحويل الاتفاق إلى مجموعة إجراءات عملية وآليا قابلة للمتابعة والمراجعة والتقييم”.

تحديد آليات لتنفيذ المصالحة، مسألة يؤكد على ضرورتها أيضًا مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، الذي اتفق أيضًا في حديث لـ”مصر360″، مع طرح “خصوصية الموقف المصري” من أزمة العلاقات مع قطر.

ورقة إيران

“القاهرة لها موقف خاص، يختلف عن موقف الرياض”، يقول غباشي، موضحًا: “تعرضت الرياض لخسائر من المقاطعة في ظل تنامي الدور الإيراني بالمنطقة”.

تمثل إيران إحدى الأوراق المطروحة كاحتمال للدفع نحو المصالحة العربية، خاصة بعد التقارب القطري الإيراني على عدة مستويات، استفادت منه إيران اقتصاديًا بدرجة كبيرة، بأن تحوّلت المحافظات الإيرانية الجنوبية بؤرة نشاط اقتصادي بين الدوحة وطهران. كما استقبل المجال الجوي الإيراني الرحلات الجوية من وإلى قطر، بعد أن حظرت عليها الأجواء السعودية، البحرينية، والإماراتية.

ترى الرياض في ذلك خسارة لجهودها في تحجيم الدور الإيراني في المنطقة. وعلى ما يبدو تتفق الولايات المتحدة معها في ذلك، ما يفسر الإشارة لـ”جهود مستشار الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر” في الدفع نحو المصالحة مع قطر، في بيان الخارجية الكويتية قبل أيام.

يقول مختار غباشي: “أدركت الرياض أن الخصومة لم تحقق غرضها، بل استفادت منها قوى مناوئة إقليميًا، تحديدًا طهران وأنقرة”، مشيرًا إلى الاتفاقات العسكرية التركية القطرية، التي جاءت سريعًا بعد إعلان الرباعي العربي مقاطعة الدوحة، حيث أرسلت أنقرة قوات عسكرية للدوحة، وفُعّلت معاهدة الدفاع المشتركة التي كانت وقعت في 2014.

توطد العلاقات بين الدوحة وطهران بعد المقاطعة، يراه غباشي في سياق تداعياته على منظومة الأمن العربي: “أضحت إيران طرفًا في معادلة الأمن العربي. سيطرت على عاصمة جديدة، إلى جانب دورها في دمشق وصنعاء وبيروت”، يقول غباشي.

قطر وإيران
بعد المقاطعة توطدت العلاقات بين الدوحة وطهران، واستفادة إيران من قطر اقتصاديًا بدرجة كبيرة

هذا النفوذ الإيراني التوسعي، الذي يكاد يحاصر منطقة الخليج العربي، قد يكون دافعًا قويًا نحو مصالحة عربية، ربما تتمكن من تحييد إيران نسبيًا. غير أن الموقف المصري هو “أعقد المواقف بين دول الرباعي”، وفقًا لغباشي، موضحًا أن تركيبة الموقف المصري تقف عند أسئلة: “هل تقف مصر ضد مبدأ المصالحة ومن ثم تتوتر العلاقة بالمنظومة الخليجية؟ أم تتغاضى عن الأمر مؤقتًا لحين حدوث تهدئة؟”. بعض ما جاء في التعليق المصري المقتضب ربما يشير إلى إجابات محتملة، مثل: “تؤكد مصر في هذا المقام بأنه انطلاقًا من مسؤولياتها ووضعها، فإنها تضع دائمًا في الصدارة الحفاظ على التضامن والاستقرار والأمن العربي”.

لكن من جهة قطر، هل بالإمكان التخفف من علاقات خارجية لدى دول الرباعي العربي العديد من الملاحظات عليها؟ رغم أن السفير المصري محمد مرسي يبدو متفائلا بخصوص الجهود الراهنة للمصالحة، من دافع أن “التطورات المتلاحقة في المنطقة تدفع باتجاه ترجيح نجاح الجهود وإنهاء الأزمة”.

إلا أن وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، يعتقد أن انخراط قطر في مجموعة مما وصفها بـ”التشابكات العدوانية أو المشاغبة، نتيجة ارتباطات خارجية”، ربما يجعل من الصعب توقع أن الدوحة ستتخف من هذه العلاقات الخارجية أو “سوف تتحلل من قيودها فورًا”، بتعبير العربي.

تفاؤل السفير محمد مرسي، وما بدا تفاؤلًا حذرًا من الوزير المصري الأسبق علي الدين هلال في قوله “يجب عدم التشكيك في جهود المصالحة، لأن أي عداء بين الدول العربية، ليس في مصلحة العرب، خاصة أنه أدى في السنوات الأخيرة إلى ازدياد نفوذ الدول غير العربية في المنطقة”؛ يقابله تشكك آخر لدى وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العربي، ينطلق من تساؤل مفاده: “هل هناك ضمانات بخصوص اتساق موقف الدوحة السياسي والإقليمي مع سياسات الخليج ومجلس التعاون؟”، يجيب العربي: “أشك في حدوث ذلك الأمر، مع الوضع في الاعتبار أن لا أحد ضد عودة قطر للسرب العربي والخليجي، لكنها، في تقديري، لن تلتزم بالسياق السياسي الخليجي”.