فقط تحدث عن رغبتك في شراء شيئ ما، ثم راقب ما سيحدث في اليوم التالي، المئات من الإعلانات على منصات التواصل الاجتماعي تظهر لك، ومن هنا تبدأ شرارة التسوق الإلكتروني.

مع انتشار الأجهزة اللوحية، وتليفونات “الاندرويد” و”الأيفون”، بدأ التسوق الإلكتروني يجد مساحة  للمرور إلى حياة المواطنين، فبالتأكيد سيكون من الجيد أن تحصل على ما تريد وأنت بمنزلك بتكلفة قليلة، ثم مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي تزايد التسوق الإلكتروني ليحتل في بعض الأوقات المكانة الأولى لدى قطاع أكبر من المستهلكين.

ظهور منصات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها “فيسبوك” و”تويتر” و”انستجرام”، أمدت هذه المواقع الشركات بمعلومات غير محدودة حول طبيعة المستهلكين واحتياجاتهم وفئاتهم العمرية ومواقعهم الجغرافية، بالشكل الذي مكنها من التوظيف الجيد لإعلاناتها وتوجيهها نحو الفئات المستهدفة.

ومكَّنَ التسويق الإلكتروني عبر صفحات التواصل الاجتماعي، شرائح كبيرة من المنتجين بمن فيهم المنتجين الصغار، من الوصول إلى شرائح كبيرة من المستهلكين، فـ بإعلان صغير قد لا تتعدى تكلفته 5 دولارات في الأسبوع يستطيع “فيسبوك” توجيه إعلانك إلى عدد معين ونوع معين من الأشخاص.

كما يُقدر “فيسبوك” عدد الأشخاص الذين يمكن الوصول إليهم والنتائج التي يمكن الحصول عليها من الإعلان حتى قبل إطلاقه.

شركات التسويق الإلكتروني

خلال السنوات الـ 5 الماضية انتشرت شركات التسوق الإلكتروني في مصر وكان أبرزها شركة “جوميا” وهي شركة أفريقية تأسست في عام 2012 في مدينة  “لاجوس” بنيجريا، وانتشرت عبر 14 دولة إفريقية من بينها مصر.

وعبر المواقع الإلكترونية لهذه الشركات، وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الخاصة بها، يستطيع المستهلك البحث عن المنتجات التي يحتاجها، أو لنقل أن هذه المنتجات هي التي تبحث عنه، لتقفز إعلاناتها في وجهه كلما تصفح موقعًا أو قرأ خبرًا أو خطى خطوة في شتى أرجاء الشبكة العنكبوتية.

لن نتطرق هنا لما يتم من انتهاك لخصوصية بيانات الأشخاص، من قبل مواقع التواصل الاجتماعي، أو من قبل الشركات المرخص لها بجمع والاحتفاظ بالبيانات الشخصية للأفراد.

أصدر مجلس النواب المصري مؤخرًا قانونًا يغلظ عقوبة تسريبها للبيانات الشخصية لعملائها. لكننا سنقفز إلى عملية البيع وسياسات الاسترجاع، وما هي الحماية التي يتمتع بها المستهلك خلال وبعد إتمام عمليات الشراء عبر الإنترنت.  

الصور خادعة والمستهلك يدفع الثمن

“الخصم الكبير، والتخفيض على العُروض التي تشمل أكثر من قطعة، هو ما جذبني للتسوق من خلال الإنترنت، لكن ثلاث تجارب للشراء الإلكتروني، آخرها كان في البلاك فرايدي، كافية لتثبت أنني تعرضت لعمليات نصب” بهذه الكلمات تحدثت ريهام عن تجربتها مع التسوق الإلكتروني.

بينما انجذبت “ريهام” إلى التخفيضات الكبيرة على المنتجات المعروضة على مواقع التسويق الإليكتروني، فإنه بالنسبة لـ”صفاء” ألوان المنتجات المتنوعة، والملفتة، والصور المأخوذة  لها من زوايا متعددة، خاصة في حالة الملابس، هو ما جذبها للتسوق الإلكتروني، لكنها هي الأخرى تعرضت لتجربة سيئة مع الشراء عبر الإنترنت. فمن بين منتجين قامت بشرائهما من أحد المواقع، منتجًا واحدًا منهما نال رضاها وكان عبارة عن “بنطلون جينز” أما الآخر وكان “فستان سواري” ثمنه تخطى الألفي جنيه، فقد كانت خامته رديئة و”تقفيله” سيء.

تقول صفاء: “الصور على الموقع كانت شيء آخر، لا أظن أن ما استلمته يمت إليها بصلة”.

أحد المسؤولين عن الإعلانات بإحدى شركات التسويق الإلكتروني، ومقرها القاهرة، قال لـ”مصر 360″: “الصور تأتينا من المُعلن، بناء على الزوايا التي نطلب إبرازها فإذا كان المعروض عبارة عن “شنطة ظهر” مثلًا، فإننا نحتاج صور من الأمام ومن الخلف ومن الجانب ومن الداخل، وإذا كان فستانًا فنحتاج إلى صور من الأمام والخلف ومن زوايا مائلة مع صور لإبراز المشغولات على الفستان أو الأحزمة من الأمام والخلف”.

هكذا فإن الصورة في رأي مسؤول الإعلانات في حديثه إلينا هي أهم أدوات التسويق إلى جانب إبراز ماركة المنتج إن كان المنتج يحمل إحدى “البراندات” المعروفة.

الجودة محل شك.. وإرجاع المنتج غير مضمون

موظف شركة التسويق الإلكتروني، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال إن الشركة لا تتأكد من جودة المنتج أو إذا كان مطابقًا للمواصفات، أو للماركة المعلن عنها.

ويبرر الموظف فلسفة الشركة بأن الشركات الكبيرة تتيح إرجاع المنتج واسترداد الثمن، إذا لم ينل إعجاب الزبون، في فترة أقصاها 14 يومًا، وهي بذلك تكون قد حققت السياسة العادلة في عمليات البيع والشراء، من وجهة نظره.

ويتابع: “التأكد من جودة كل منتج يتم توريده من الشركة المنتجة إلى شركة التسويق الذي تسلمه عبر مندوبها إلى أصحاب طلبات الشراء، عملية مرهقة تستلزم وقت طويل وعمال كُثر على قدر فني عال في كافة أنواع المنتجات وهو أمر يستحيل تحقيقه”.

ويضيف: “الشركة تتخذ إجراءات رادعة ضد المنتجين والمعلنين، إذا تكررت الشكوى من منتجاتهم،  وازدات طلبات إرجاع المنتج” مشيرًا إلى أن تلك الإجراءات قد تصل إلى حذف المنتجات من على الموقع ووقف التعامل، خاصة في حال ثبوت توريد منتجات لماركات مقلدة.

تخفيضات وهمية وتقليد “ماركات”

“شاهدت عرض لحقيبة ظهر، ماركة (ACTIV)على أحد مواقع التسويق الإلكتروني، خلال تخفيضات الـ البلاك فرايدي في الأسبوع الأول من نوفمبر، كان التخفيض على الحقيبة كبير يفوق الـ50%، طلبت المنتج وبعد ثلاثة أيام جاء المندوب وسلمني إياه”، يروي أحمد عادل لـ”مصر 360”.

“طلبت من المندوب فتح المنتج للتأكد من مطابقته للمواصفات، لكنه بالطبع رفض، وعندما فتحت العبوة المغلف بها الحقيبة، وجدتها مصنوعة من خامات رديئة جدًا لا تساوي ربع المبلغ المدفوع، كما أنها لا تنتمي للماركة المعلن عنها” يقول عادل.

أرسل عادل 4 رسائل يستفسر من خلالهم عن موعد تحويل ثمن الحقيبة الذي دفع ثمنهم، قبل أن يتأكد وصول مكالمتين من خدمة العملاء أكدا خلالهما على تحويل الأموال في فترة تتراوح من 3 إلى 5 أيام، لكن ذلك لم يتم حتى بعد مرور  نحو 4 أسابيع على إرجاع المنتج.

أما ريهام فتقول لـ”مصر 360″ إنها لم تستطيع إرجاع أدوات مكياج، اشترتها من أحد مواقع التسويق، رغم محاولتها مع إدارة الشركة، بعدما استلمت المنتج ووجدت أدوات المكياج من نوعية رديئة.

وتضيف ريهام: “خفت من استعمالها، فقد كانت العلبة وألوان المكياج التي بداخلها توحي بأنها مجهولة المصدر، ومغايرة للعلبة المعروضة على الموقع والتي قمت بطلبها، رغم أنهم طبعوا “لوجو” إحدى الماركات الشهيرة عليها”.

القضاء على مصانع “بير السلم”

سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك، وعضو مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك، تقول لـ”مصر 360″: “العالم كله يتحول إلى التجارة الإلكترونية، ومصر جزءًا من هذا التحول، ولن نستطيع إيقاف ذلك، ولكن دون ضوابط واضحة سيكون هناك آثار سيئة ليس فقط على المستهلك بل وعلى التجارة الداخلية بشكل عام”.

وبحسب الديب، ليس هناك جهة محددة تستطيع وضع حلول ناجزة لهذه المشكلة، رغم الجهد الذي تبذله جمعيات وجهاز حماية المستهلك، وسيبقى كل ما يفعلونه مجرد عمل في الفراغ، إذا لم نحاول حل المشكلة من جذورها.

وترى الديب أن جزء كبير من التجارة الإلكترونية في مصر مبنية على منتجات ورش ومصانع خارج الاقتصاد الرسمي للدولة، “مصانع بير السلم”، وأغلبها منتجات ذات جودة رديئة، وبعضها يوضع عليها علامات تجارية لشركات معروفة، وطالما ظلت هذه المصانع خارج نظام الاقتصاد الرسمي، فستظل تغذي السوق بهذه المنتجات الرديئة.

وأضافت رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك، على الدولة أن تكثف جهودها لضم هذه الورش والمصانع للاقتصاد الرسمي، وتدعيم ومد أصحابها بالخدمات التقنية والفنية لتحسين منتجاتهم، وإنتاج سلع تتسم بالجودة، ومطابقة للمواصفات، وعدم ترهيبهم بالضرائب.

وقالت الديب، إن الدولة بحاجة لتطبيق القانون على شركات التسويق الإلكتروني والصفحات التي تسوق للمنتجات على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يكون الإعلان للمُنتجين والتجار الذين يحملون التراخيص اللازمة، وتغليظ العقوبات على شركات التسويق التي تقوم بالإعلان عن منتجات بتخفيضات وهمية، أو التي تعلن عن منتجات تحمل علامات تجارية مقلدة، خاصة المنتجات التي تتعلق بالصحة مثل مستحضرات التجميل، والأجهزة الطبية، مثل أجهزة قياس الضغط والسكر.

بروتوكول مع “جوجل” لحذف الشركات الوهمية

خلال الندوة التي عقدت بالجامعة الأمريكية في الثامن عشر من شهر نوفمبر الماضي، أعلن الدكتور أحمد سمير فرج، رئيس جهاز حماية المستهلك، أن الجهاز: “وقع بروتوكول تعاون مع “جوجل” لحذف الشركات الوهمية، و التي تقوم بالنصب على المواطنين، مستعينة بأسماء شركات قريبة من الأصلية، وأنه سيتم حذف هذه الشركات بعد الانتهاء من مجريات البروتوكول” .

وحذر رئيس جهاز حماية المستهلك من التخفيضات الوهمية، مؤكدًا أن غرامة الإعلان المضلل تصل إلى 2 مليون جنيه طبقًا لقانون 181 لسنة 2018 .

ويعلن جهاز حماية المستهلك بشكل مستمر، عبر موقعه الإلكتروني، وصفحته على “فيسبوك” عن طرق تقديم الشكاوى المتعلقة بالغش التجاري، عبر الاتصال بالخط الساخن الخاص بجهاز حماية المستهلك من خلال الرقم (19588).

أو إرسال شكوى من خلال الفاكس على رقم (0233030170)، أو إرسال الشكوى إلكترونيًا من خلال ملء استمارة عبر الموقع الإلكتروني لجهاز حماية المستهلك: