كتب: عمر زكي

تستمر الاتهامات للسلطات السعودية بالتورط في محاولات اغتيال معارضين سعوديين بالخارج، آخرها اتهام وجهه المسؤول الأمني السعودي السابق، سعد الجبري، لولي العهد محمد بن سلمان، بمحاولة اغتياله في الولايات المتحدة الأمريكية.

محاولات الاغتيال.. الجبري يتهم “النمر

وتعود بداية القصة إلى أغسطس الماضي، حين رفع الجبري دعوة قضائية أمام المحاكم الأمريكية، يتهم فيها ولي العهد السعودي بمحاولة اغتياله، عبر فرقة أمنية تسمى “فرقة النمر”، قال الجبري إنها تابعة لولي العهد السعودي مباشرة، وأنها أرسلت لتورونتو بكندا، حيث يقيم الجبري، في 15 أكتوبر 2018. بعد ذلك بأسبوعين، تورطت نفس فرقة الاغتيالات، بحسب الجبري، في مقتل الكاتب السعودي دمال خاشقجي بتركيا.

ووفقًا للمذكرة المؤلفة من 107 صفحة، التي قدمها الجبري للمحكمة بالولايات المتحدة، فإن فرقة النمر حاولت دخول كندا، لكنها منعت من الدخول، وكان أعضاؤها “يحملون حقيبتين من أدوات الطب الشرعي، التي استخدم نظيرها في حادث اغتيال خاشقجي”، بحسب ادعاء الجبري.

وبحسب المذكرة أيضًا ففرقة النمور مكونة من 50 فردًا من المخابرات والجيش والطب الشرعي، “متخصصين في تنظيف مسارح الجرائم”، و”لديهم ولاء لشخص محمد بن سلمان”.

اقرأ أيضًا: لجين الهذلول.. أيقونة المرأة السعودية داخل السجون

وقالت الشكوى التي تقدم بها الجبري إنه، أي الجبري نفسه، كان لديه “اطلاع مباشرة على الأعمال الداخلية للديوان الملكي السعودي، بما في ذلك المعاملات الشخصية والسياسية والتجارية للمدعى عليه بن سلمان”، ما جعله على رأس قائمة من الاغتيالات، وفقًا للمذكرة.

ولي العهد السعودي ينفي

من جانبه نفى ولي العهد السعودي أن تكون ادعاءات الجبري صحيحة، فيما وصف محامي ولي العهد، مايكل كيلوغ، ادعاءات الجبري بأنها “غارقة في الدراما”.

وردًا على مذكرة استدعاء المحكمة، رفض كيلوغ مثول موكله، محمد بن سلمان أمام المحكمة، قائلًا إن استدعاء ابن سلمان “يتعارض مع مبدأ الحصانة السيادية”، كون ابن سلمان ولي عهد دولة.

الاغتيالات
يتهم المسؤول الأمني السعودي السابق، سعد الجبري، ولي العهد بمحاولة اغتياله

كما أبدى المحامي اعتراضه على إرسال مذكرة الاستدعاء عبر  تطبيق واتساب، موضحًا أن المملكة العربية السعودية لا تعترف بمثل هذه الإجراءات.

في المقابل اتهم فريق محامي ولي العهد، الجبري، بسرقة 11 مليار دولار أثناء عمله في وزارة الداخلية السعودية، من أموال صندوق مخصص لمكافحة الإرهاب، بحسب ما ذكر موقع بيزنس إنسايدر الأمريكي.

خلافات ابن نايف وابن سلمان تطيح بالجبري

لم يكن الجبري مجرد مسؤول أمني سعودي، فبجانب اطلاعه على معلومات حساسة، للجابري علاقة وثيقة بآل نايف، وهو فرع من العائلة المالكة في السعودية، كان ينافس ولي العهد الحالي على السلطة.

وبحسب صحيفة واشنطن بوست، كانت لدى الجبري علاقة وطيدة بوزير الداخلية السعودي الأسبق الأمير نايف بن عبدالعزيز، وكذا نجله محمد بن نايف، الذي خلف والده في تولي حقيبة الداخلية بالسعودية، قبل أن يجمع بينها وبين منصب ولي العهد، ثم أعفى من المنصبين في يونيو 2017، ليتولى ابن سلمان ولاية العهد.

ومنذ مارس الماضي يقبع ابن نايف في الحبس بعد اتهامه بتدبير انقلاب للإطاحة بابن عمه، ولي العهد محمد بن سلمان.

ترقى الجبري في السلم الوظيفي بوزارة الداخلية السعودية، بعد أن استطاع إقناع الأمير نايف، بالإبقاء عليه بالوزارة، عقب حصوله على درجة الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي من بريطانيا عام 1997.

وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، برز دور الجبري في جهود السعودية لمحاربة التنظيمات الإرهابية، مساهمًا في تطوير أجهزة الاستخبارات الأمنية، خاصة جهاز المباحث العامة السعودية. وفي أثناء ذلك، ساهم في توطد العلاقات الأمنية بين السعودية ودول غربية.

لكن بعد 2017 تبدل الحال، عندما غادر الجبري البلاد في مايو، متجهًا نحو بريطانيا، ثم إلى تركيا، وأخيرًا إلى كندا. حدث ذلك قبل إعفاء ابن نايف من مناصبه بنحو شهر. ورغم أن الرجلين، ابن نايف والجبري، آذرا الصمت، إلا أن القصة لم تنتهِ عند ذلك.

بحسب رواية خالد، الابن الأكبر لسعد الجبري، تواصل ابن سلمان مع والده في سبتمبر 2017، وعرض عليه العودة للسعودية بوظيفة أفضل، لكن الجبري لم يفعل.

ثم في مارس الماضي، وبعد أيام من إلقاء القبض على ابن نايف، اختفى اثنان من أبناء الجبري في الرياض، عما عمر وسارة، في ما يصفه الأخر الأكبر، خالد، بمحاولة الضغط على والدهم سعد الجبري.

خاشقجي جديد؟

وفقًا لادعاءات الجبري، كانت محاولة الاغتيال مرتب لها أن تحدث بعد أيام من اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول.

وفي الثاني من أكتوبر 2018، اختفى خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده بإسطنبول في تركيا، لاستخراج وثائق تخص إتمام زواجه من خطيبته التركية.

في بداية الأمر أنكرت السلطات السعودية، لكنها عادت وأعلنت وفاته بالفعل داخل القنصلية نتيجة “شجار واشتباك بالأيدي تسبب بوفاته”. وبحسب التحقيقات السعودية نفسها، قطعت جثة خاشقجي، وسلمت لمتعهد تركي لإخفائها.

عقب الحادث، وعلى وقع مطالب بتحقيق دولي، عُزل كل من أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات السعودي، وسعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي السعودي، للاشتباه في تورطهم بتدبير الحادث. لكن لاحقًا تمت تبرئتهم “لعدم كفاية الأدلة”.

وفي حين أخذت قضية خاشقجي مجراها لقاعات المحاكم، سعوديًا، حيث حكم في النهاية على ثمانية متهمين، خمسة بالإعدام وثلاثة بالسجن لمدد وصل مجملها لـ24 عامًا؛ تأخذ قضية الجبري مجراها لقاعات المحاكم الأمريكية، بعد أن قرر الجبري مقاضاة ابن سلمان بتهمة محاولة الاغتيال.

أوضاع حقوق الإنسان في السعودية

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تلقي اتهامات الاغتيالات الضوء على وضعية حقوق الإنسان في السعودية بصورة عامة، خاصة بعد أن أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قبل نحو يومين، إدراج الرياض إلى جانب تسع دول أخرى، على قائمة الدول المثيرة للقلق في ما يخص ملف الحريات الدينية.

لجين الهذلول
الناشطة النسوية السعودية السجينة لجين الهذلول

يأتي إعلان بومبيو في وقت يقول فيه مواطنون سعوديون شيعيون، إنهم يعانون تمييزًا ضدهم. وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت المنطقة الشرقية بالسعودية، حيث تتركز الأقلية الشيعية، اضطرابات على خلفية تظاهرات طالب فيها المواطنون الشيعة إنهاء “التمييز ضدهم”، في حين تقول السلطات السعودية إن هذه التظاهرات تأتي بتأجيج إيراني.

لكن بخلاف الحريات الدينية، شهدت السعودية خلال السنوات الأخيرة حملات اعتقال موسعة ضمن أفرادًا من العائلة المالكة أو مقربين منها، تقول السلطات السعودية إنهم متهمون في قضايا فساد، في حين تقول منظمات حقوقية إن بعض هذه الاعتقالات جاء على خلفية معارضتهم لسياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

من جهة أخرى، تقول منظمات حقوقية دولية إن السجون السعودية تضم عددًا من الناشطات النسويات اللواتي رفعن قائمة بالمطالب حققت الحكومة السعودية معظمها لاحقًا، لكن دون أن تفرج عن الناشطات. ويبرز اسم لجين هذلول بين الناشطات النسويات اللواتي يقبعن في السجون على خلفية مطالبها الحقوقية النسوية.

اقرأ أيضًا: من رفع الولاية إلى إلغاء الجلد.. هل ينتصر الإصلاحيون في السعودية؟

ويثير استمرار حبس لجين الهذلول انتقاد المجتمع الحقوقي الدولي، إضافة إلى انتقادات وجهها سياسيون ومسؤولون غربيون، حتى كانت من المرشحين لنيل جائزة نوبل للسلام 2020، وقالت وكالة رويترز إن أعضاء بالكونجرس الأمريكي هم الذين رشحوها.

إلى جانب ذلك، تشير منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، إلى منع السلطات السعودية، حتى الآن، إنشاء أحزاب سياسية أو نقابات عمالية أو جماعات مستقلة معنية بحقوق الإنسان. تضافرت كل تلك الأسباب، ما أعاق تجديد عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان الدولي التابع للأمم المتحدة.